هجرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليهم وسلّم
معمر حبار
قال الكاتب: “كان عبد الله بن أريقط، هاديا ماهرا على دين كفار قريش فأمناه ودفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار الثور بعد ثلاث ليال”. 80
أقول: عبد الله بن أريقط وهو الكافر، يفي بوعده، ويلتقي بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وسيّدنا الصّديق في غار حراء، بعد ثلاثة أيّام كما كان مقرّرا من قبل، وفي ظروف خطيرة نتيجتها قطع العنق لو أمسكت به قريش، بتهمة مساعدة عدو في نظرها.
وردّ الناقتين المحمّلتين بما يليق في السفر، سالمتين ولم يستولي عليهما، وكان باستطاعته فعل ذلك، لكن أمانته تأبى عليه ذلك، وهو الكافر.
الكتابة في السفر:
قال الكاتب: “فسأله سراقة أن يكتب له كتاب أمن فأمر أبا بكر فكتب”، 82
أقول: سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمي لايقرأ ولا يكتب، ورغم ذلك أخذ معه في السفر أدوات الكتابة (أوأخذها سيّدنا الصّدّيق معه)، بدليل أنّه كتب كتاب أمن لسيّدنا سراقة، رحمة الله ورضوان الله عليه. مايعني، أنّ الأمي يأخذ معه ماتيسر من وسائل العلم في سفره، وفي غيره لعلّه يجد من يعينه على الكتابة والقراءة، ويخفّف عنه أعباء الأمية بما يقدر ويستطيع، ويسهل بذلك المهمة لمن معه، ولمن التقى به.
وعد مكتوب خير من مائة ناقة:
سيّدنا سراقة خرج يطلب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لينال جائزة عظيمة، تتمثّل في مائة ناقة، وهي ثروة طائلة تسيل لعاب الأغنياء قبل غيرهم. وعزم أن لايرضى بأقلّ من مائة ناقة. وبعد أن تيقّن أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، اكتفى بوعد مكتوب، يتضمن الأمان. وانظر كيف ترك حقيقة مائة ناقة، واكتفى بكتاب أمان، بعدما أمن بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
من أوّل عدو محارب إلى أوّل عدو مرحب:
جاء في الكتاب: أنّ يهودي هو أوّل من رأى سيّدنا رسو الله صلى الله عليه وسلّم قادم من هجرته للمدينة، وقال: “يامعشر العرب هذا جدكم أي حظكم الذي تنتظرون”. 83
أقول: أوّل من حارب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هم أهله وعشيرته وقبيلته، ويهود المدينة أوّل من رأى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
مسجد قباء:
قال الكاتب: “وأقام رسول الله بقباء ليالي أسّس فيها مسجد قباء”. 86
أقول: بمجرّد مانزل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقباء، وقبل أن يصل إلى وجهته المدينة بنى مسجد قباء، وهو أوّل مسجد قبل مسجد المدينة. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مهاجرا، ومطاردا، ومرهقا، وأشعث أغبر، ومهدّدا في حياته رفقة صديقه الصّدّيق، ووحيد دون دولة تحميه، ولا جيش، ولا أنصار.
كيفية بناء المسجد:
بنى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مسجده، بما أتيح له من امكانات يومها، وهي قليلة، وضعيفة، وبسيطة. مايعني أنّ لكلّ عصر طريقة في بناء المساجد التي تتناسب مع ذلك العصر، وبما يخدمه ويقويه. فلا لوم، ولا احتكار.
القرعة لأجل الأخوة
حين نزل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة، أقام القرعة لإقامة الأخوة بين أسيادنا المهاجرين، وأسيادنا الأنصار أصحاب الأرض. 88
أقول: والسبب في ذلك، أن هناك تنافسا شديدا من طرف أسيدنا الأنصار لاستقبال إخوانهم أسيادنا المهاجرين، فخفّف عنهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالقرعة، ليشارك الجميع في تجسيد الأخوّة، وليساهم كلّ واحد من أسيادنا الأنصار بما يقدر ويستطيع، ودون أن يكلّف نفسه ما لايطيق.
أمانة كافر، والتعايش السّلمي بين أسيادنا آل البيت وأسيادنا الصّدّيق:
قال الكاتب: “ولما استقرّ عليه السّلام أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة ليأتيا بمن خلف من أهله وأرسل معهما عبد الله بن أريقط يدلهما على الطريق فقدما بفاطمة وأم كلثوم بنتيه عليه السّلام، وسودة زوجه وأم أيمن زوج زيد وابنها أسامة أما زينب فمنعها زوجها أبو العاص وخرج مع الجميع عبد الله بن أبي بكر بأم رومان زوج أبيه وعائشة أخته وأسماء زوج الزبير بن العوام، وكانت حاملا بابنها عبد الله”. 89-90
أقول: كان الدليل عبد الله بن أريقط، محترفا، ومتمكنا، يؤدي عمله بمهارة فائقة، وأمينا، وصادقا مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وصاحبه الصّدّيق رضوان الله عليه، إلى أن أوصلهما إلى المدينة سالمين آمنيين، ولم يمسسهما بسوء، وهو مازال على كفره.
وهاهو الدليل عبد الله بن أريقط يعود لمكة، وبطلب من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ليأتي بأسيادنا آل البيت، وأسيادنا آل الصّدّيق، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا، وكما فعل من قبل مع أبويهما، سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وسيّدنا الصّدّيق، وبأمانة واحترافية وصدق.
من جهة ثانية، يقف القارئ المتتبّع على الصداقة، والمحبّة، والأخوة التي جمعت أسيادنا آل البيت وأسيادنا آل الصّدّيق، والتي ظلّت قائمة طيلة حياة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبعد التحاقه بالرفيق الأعلى، وأثناء خلافة الراشدين، وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، وإلى يوم الدين. ويظلّ المؤمن متمسّكا بهذه العلاقة القوية، ويدعو لها بالثّبات والمزيد، ويتّخذها قدوة في حياته، وإلى أن يلقى ربّه.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار