إسلامتعاليقرأي

وقفات إيمانية من ملحمة غزة

وقفات إيمانية من ملحمة غزة

الملحمة جسدت على أرض الواقع مطلع سورة البقرة حيث تراءى للعيان تمايز المؤمنين والكافرين والمنافقين ، ورأى الناس هذه الفئة الأخيرة رأي العين تثبّط وتخذّل وتنصر الصهاينة على المسلمين…المشهد يلخصه قول الله تعالى:” ۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ (51) فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ (52)…هذا ليميز الله الخبيث من الطيب، وإن المرء عندما يسمع تصريحات شيوخ الضلال من الوهابية والطرقية يدرك تماما الوصف الوارد في الآية الكريمة “المرجفون في المدينة”، وقد آن أوان اطّراح أنصاف الحلول والأحكام العاطفية والمبالغة في حسن الظن بالمنبت السوء، لإبصار الحق وأهله وحشر الباطل وأهله في الزاوية المناسبة، هناك من يتألم وهناك من يتفلسف، هناك من شاهد آيات الرحمن وهناك من ينطق على لسانه الشيطان، فقد تكلم علماء الأمة في المشارق والمغارب، وأججوا العواطف وانكروا المنكر ودعوا إلى النصرة وكشفوا عورات الأنظمة الغربية الكافرة وعورات الأنظمة العربية المتخاذلة، لكننا لم نسمع كلمة من هذا القبيل من شيوخ ما يسمى السلفية مثل المفتي والفوزان وهيئة كبار العلماء…والله لا يعزّ من خانه كائنا من كان ولا يذل من نصره في أوقات الأزمات والبلايا، ولا يفقه هذه المعاني من يقتصر تعامله مع الله على الكتب وحدها، ولا يكاد يعيش خارج الأوراق، إنما يفقهها من كابد معاناة أمته واصطلى بنار الاحتلال والتآمر والخذلان واختار أن يدور مع رضا الله حيث دار ولو جلب له سخط العباد…وإذا كانت الحالة في غزة هذه الأيام لا تخفى على أحد فإن هناك لوحة أخرى تُرسم بعيدا عن الأعين، فمن يعرف معنى أن يبقى المرء صامدا يواصل أعماله اليومية وهو يتألم، يبتسم أمام الناس وفي قلبه سنين من البكاء، يتعامل مع الناس وهو يتمنى الهروب والانعزال عنهم، يدعوهم إلى الثبات وهو محطم تماما، يدفعهم إلى الأمل وهو غارق في حزنه وتعاسته، مكتوب عليه أن يواصل حياته رغما عن تعبه وإرهاقه،..وكلما أحس بلحظة الانهيار والسقوط سمع صوتا بداخله يقول له “إياك أن تقول تعبت، نحن لا نملك رفاهية الانهيار”؟…لمَ كل هذا؟ لأن العيش زمن طوفان الأقصى وما بعده ليس رحلة استجمام، بل قد بلغت القلوب الحناجر وضاقت الأرض على المؤومين بما رحبت.

لكن رسائل الأمل تحدث التوازن في نفوس المؤمنين، فقد روى الطبراني في المعجم الكبير أن رسول الله صلَى الله عليْه وَسلم قال : “أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ”، ولا ننسى أن هذا الدين بقي بفضل 300 نفر صمدوا في بدر…إنه زمن الرباط في الأرض المباركة وانتصار القلة المؤمنة، فإذا كنتَ لا تدري أين تقف ومن تُوالي وتُعادي في هذه المعركة الواضحة والجريمة البينة فأنت بحاجة إلى أن تراجع عقيدتكَ وعقلك وإنسانيتك، وإذا لم تعرف المنافق في هذه الأحداث فلن تعرفه أبدا، ومن علامات النفاق المؤكد التزام الحياد عند ظهور الحق وتميّزه عن الباطل، والبكائيات لا محل لها عند المؤمنين بل عليهم التركيز على اللوحات الرائعة التي سطرتها المقاومة في صور بطولات خارقة وتضحيات جسام ألحقت بالصهاينة أكبر هزيمة عسكرية ونفسية مذ نشأة كيانهم الغاصب ، فأصبحوا خائفين، يعيشون في الملاجئ، ويغادرون أرض فلسطين فرارا إلى بلادهم الأصلية ويتكتمون على أعداد قتلاهم، فلمَ الالتفات إلى الأصوات النشاز التي تضخم قوة العدو فتزرع الوهن والانهزام النفسي في صف المؤمنين؟ وإن من أوجب الواجبات في هذا الظرف نشر ثوابت القضية الفلسطينية وتكرارها على مسامع الناس حتى تترسخ في الأذهان المتشوقة إلى كلمة الحق، فهذا أجدى من مناقشة المنافقين الذين تخصصوا في تصيّد الأخطاء واللمز وقلب الحقائق، وعلينا بالتمسك بأقوال المجاهدين في الثغور وأقوال العلماء الربانيين العاملين لأن الحق لا محالة في صفهم. .. وما من مؤمن صادق الإيمان يملأ اليقين قلبه إلا ويشم رائحة النصر تنبعث من غزة وتعبق أرجاء فلسطين.

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى