من يقود .. السياسيون أم الراي العام ؟
عدنان جواد
الحقيقة التاريخية ان هناك قادة أصحاب حكمة وقوة وراي نافذ ، استطاعوا قيادة اممهم نحو الخلود ومواجهة التحديات، فيذكر التاريخ القديم نبو خذ نصر، وحمورابي، كيف وحدوا الأقاليم تحت ظل ملك واحد قوي يطبق القانون على الجميع وتلك القوانين تعتبر اول قوانين شرعت من قبل البشر تنظم حياتهم، وفي العصر الاسلامي وكيف وحد النبي محمـد(ص) امة كانت مجرد قبائل متناحرة يغزوا بعضها البعض، الى دولة مترامية الاطراف خضعت لها الامبراطوريات العالمية آنذاك، وبالتدرج الزمني فان القادة هم من يوجهوا دولهم نحو الهدف الذي ينشدوه لخدمة ابناء شعوبهم.
صحيح ان بعض القادة قادوا شعوبهم نحو الحروب والدمار كهتلر، لكن اغلب القادة هم من يوجهون الراي العام، وراينا بوش الابن كيف وجه الراي العام الامريكي لحرب اسقط فيها أنظمة دول واحتل أراضيها بحجة حماية السلم العالمي والامن القومي الامريكي ومصالح الولايات المتحدة، وقادة انتشلوا دولهم من الفقر والخراب الى الرقي والتطور مثل سنغافورة والصين وغيرها ، وايران وكيف حولوا مجتمع من شكل الى اخر وبترسيخ عقيدة لدى مواطنيها تحدت فيها عقوبات وحصار اقتصادي وواجهت حروب ، واعتمدت على نفسها ووصلت الى الاكتفاء الذاتي، والرئيس السيسي الذي استطاع ان يوجه الراي العام وينقذ البلد من فوضى كادت ان تغرق مصر في حروب أهلية، وهو اليوم يقود مصر نحو الاعتماد على نفسها رغم قلة الموارد، فهي لا تمتلك الطاقة ورغم ذلك توفرت فيها الكهرباء بعد ان تعاقد مع شركة سيمنس الالمانية، التي رفض التعامل معها ساستنا لانهال اتمنح الكومنشنات، واليوم نرى بوتين وكيف يسير خلفه شعبه وهو يتحدى العالم الغربي بقيادة واشنطن في حرب أوكرانيا التي ارادت انتهاك وتهديد سيادة دولته والحد من قوتها.
ففي الدول المحترمة هناك مراكز ابحاث ودراسات ودوائر مختصة، ترسم السياسة الخارجية والداخلية للرئيس وتحدد مساراته بالاتجاه الصحيح ، وهو ما عليه سوى القبول او الرفض بعد دراستها بصورة مستفيضة، بينما لدينا تلك المراكز التي أسست من المال العام لان اغلب الاحزاب السياسية تعتبر المال العام ملك لها تتصرف به حسب ما تشاء، مراكز دعائية لرئيس الحزب، وهي لا تؤثر في الراي العام وانما تتأثر به حتى وان كان خاطئاً، وهنا ما حدث في مجتمعنا ان الراي العام هو من يؤثر في السياسة ، فالسياسة لا تصنع راي عام كما هو معروف، فعلم السياسة الحقيقي من يخلق المواطنة الصالحة، والخلل الواضح في ساستنا وطبقتنا السياسية هي خضوعها للراي العام، والتي ادت الى الفوضى وحسب نظرية القطيع(حشر مع الناس عيد)، وكما قلنا القائد السياسي الناجح يجب ان يوجه الراي العام نحو الطريق الصحيح بعد دراسته وتشخيص السلبيات والايجابيات، لا ان ينساق هو للراي العام يتحرك حسب رغبة الراي العام، فمرة ضد تشرين ومرة معها، ومرة ضد ايران ومرة اخرى معها، ومرة ضد امريكا واخرى ضدها ، ومع تركيا وضدها ، فليس هناك ثوابت، ونتيجة لهذا الانسياق فقد الشعب الثقة بقياداته السياسية، فهو من يقودها وليس هي من تقوده، وذلك للإخفاق في المهام الموكلة للسياسي سواء كان في السلطة التنفيذية او التشريعية، فتتوالى الازمات الاقتصادية رغم الاموال الهائلة المصروفة التي تسرق في وضح النها وامام الأنظار وضمن سلطة القانون، فحدثت التظاهرات في تشرين وقبلها، وعبر الراي العام عدم رضاه بل ورفض الطبقة السياسية من خلال الانتخابات الاخيرة، ففي اكثر التقديرات لم تصل نسبة المشاركين في الانتخابات الى 20%، وهذا يعني ان المقاطعين اكثر بأربعة اضعاف من المشاركين والتي قدرت ب 80%، وهنا كان على السياسي ان يعالج الخلل ويعيد الثقة للمواطن، لكن بدل من هذا عمد الى سياسة الالهاء وصناعة الازمات، مرة برفع سعر الدولار واخرى بأزمة الوقود، وهي اشبه بالمناورة العسكرية، اي اشعال جبهة جديدة ينشغل فيها المواطن بدل المشكلة الرئيسية.
صحيح تم اجراء انتخابات لكن بعد مضي (6) اشهر ولا زالت الحكومة لم تشكل، والخلاف ليس لمصلحة المواطن والبرامج التي سيتم تطبيقها، وانما مقدار ما تحصل عليه تلك الاحزاب من حصص، وما تسمية الاغلبية الوطنية والتوافق، الا الاختلاف في توزيع الحصص ففي التوافق يتم توزيعها على الجميع بالتراضي، بينما في الاغلبية توزع على جهات معينة، اليوم نقص في كل شيء ، ازمة غذاء عالمية وارتفاع الاسعار، جفاف وتصحر، انتشار المخدرات، في الليلة الماضية وحدها تم العثور على طن من المخدرات في بغداد، و 6 ملايين من حبة الكبتاكون حسب قناة العراقية الحكومية، والبطالة ، وازمة السكن المستعصية، والصيف على الابواب وستعود ازمة الكهرباء، كل الدلائل تشير الى ان الطبقة السياسية وصلت الى مرحلة الفشل وانها لا تستطيع النهوض بواجباتها، وفي هذه الحالة قد يخرج الراي العام فيرفض حتى وجودهم، وجمهور السلطة سوف لن ينقذهم من غضب الشعب بعموم طبقاته، وفي نهاية المطاف فتنظيمات الاحزاب من ضمن المجتمع وهي تتأثر بالمجتمع ولا يمكن ان تقف بوجه السيل الجارف والرياح العاتية، وراينا وشاهدوا بأنفسهم كيف ذابت اجهزة ومؤيدو النظام السابق في المجتمع بعد ان شاهدو الراي العام يرفض بقائه.