من الثُورة إلى الثَرَوة

 
الفرق بين الثورة، والثروة كبير كما هو الفرق، والبعد ما بين السماء والأرض؛ فحينما يترك القائد المجاهد الكبير، والمناضل الفذ الجليل رصيداً كبيرًا من البذلِ، والعطاء، والتضحية، والفداء، وبحرًا زاخِرًا من الأخلاق، ومسيرة عاطرة من الجهاد، والكفاحِ والنضال، ولم يترك رصيداً من المال، ولم يورث درهمًا، ولا دينار فهذا بحق، وحقيقة يكون هذا هو المُعلمُ، القائد الأسوة، والقدوة، والمُربي، الفذ المغوار ، وهكذا كان قائدنا وسيدنا وزعِيمنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن رأيت في زماننا هذا أي ثائر مناضل، أو مُقاومٍ مجاهد كان فقيرًا قبل الثورة، والجهاد ثم صار يركب سيارة فارهة، ولهُ أكثر من فيلا شاهقة، وأراضٍ شاسعة، وأموال في البنوك طائلة فأعلم أنهُ لص كبير من لصوص الوطن، والوطنية، ولو تكلم بخير كلام سيد البرية، وأطال لحيتهُ، وقصر الجلابية، وادعي الفضيلة، والوطنية، وتغني زورًا باسم الشريعة الإسلامية؛ “أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا”؛ فويلٌ لهم ثم ويلٌ لهم، فإن لم يكن حِسابهم مُعجل في الحياة الدنيا فلينتظروا الحساب في الآخرة!!. يُحكي بأنهُ صعد أحد الزعُماء الشرفاء للمنبر خطيبًا فقال للفدائيين المجاهدين، من المناضلين القدامى، وهم وجلين حيارى : “لقد حصلتم على الوطن ماذا تختارون الثورة أم الثروة” ؟، فقالوا بصوت واحد .. ” الثورة ”: ثورة عمل الصالحات، وتطبيق القيم الإيمانية من الأخلاق النبيلة الحميدة، والأدب، والثقافة، والفضيلة والعلم، والفكر، وثورة الصناعة، والزراعة، والبناء، والتعمير، وبناء فكر الإنسان السليم، وإعمار الكون والوجود وفق منهج الله، والحرية المُنضَبطة، والحب والاستثمار في تربية، وتنمية، وتزكية الإنسان”، فسلمهم ذلك الزعيم راية الإنسانية، وظل الوطن بخير جميلاً جليلاً، يزدهر، وينمو، وعرشًا في القلب عند الشعب؛؛ ثم جمع الزعيم المُنتفعون من الثورة، وهم في نشوة هائمين فقال لهم : لقد حصلتم على الوطن فماذا تختارون الثورة أم الثروة؟.. قالوا بصوت واحد : ” الثروة ”، وما دام الوطن بين أيدينا فالثروة أهم من الثورة، وبدلاً من الجهاد، والنضال، والتحمل، والدم!؛ فالثروة بدلاَ من السلاح، والسهر، والغم، والتعب، نريد الثروة بدلا من الضنك، والجوع، والعدم!؛ فسلمهم راية الهزيمة فَباعوا الوطن، والدم، واللحم، وعظام الشعب بثمنٍ بخس وكانوا في شعوبهم في الزاهدين، وفي حقوقهم من المفرطين!!؛؛ ثم قال الزعيم: “.. أيها الناس اتعظوا ممن قبلكم لا تكونوا في ديمومة السبات، لا تناموا فتجوعوا ثم يأكل بعضكم بعضًا عيانًا في لجة الغابات؛ ابنوا شعوبكم قبل أن تبنوا قصوركم بعدها تقولوا … هيهات .. هيهات مثلما تأتي الحياة، وتحافظون على الحياة الكريمة لهم فقط سترحل منكم الحياة، وسترحلون، وترحل معها الكرامة الانسانية، والوطنية، ويصبح الوطن غربة!!.. إن استمرار بعض القيادات، والزعامات المنعمة في القصور، ومن لف لفيفهم بالحديث في خطاباتهم عن المقاومة _ فيما المقاومة في الحقيقة شبه متوقفة أو تحولت لسلاحٍ يُرهب، ويقهر الشعب فقط، ولا يرهب العدو حاليًا!!. وكذلك إن الحديث عن قيام دولة لها سلطة، وسيادة، وطنية فيما السيادة فقدت دورها الوطني، فتتحول عبئ على الوطن، والمواطن، وإن استمرار الزَعم أن البلاد محَرَرَة من الأعداء فيما أن الحقيقة أن البلاد لا زالت محتلة، ومحاصَرة، وأغلب أبناء الشعب يعانون صنوف من الذل، والهوان غير المسبوق، كما أن العامل الداخلي يعاني من ترهل، من خلال إسناد الأمر لغير أهله، من نخب ذات مصالح شخصية، أو فئوية وحزبية فاشلة، وفاسدة تتحكم في مصير الشعوب، وأغلبها نخب صاحِبة مصالح فاسدة جمعت ما بين الحُكم الجبري، والمال الحرام من دم الشعب المقهور، ومن خلال الخطاب الجهادي المقاوم من غير مقاومة، والخطاب الثوري من غيرة ثورة!؛ وكل تلك الخطابات الرنانة الكاذبة من بعض أدعياء التدين، وأدعياء الوطنية ممزوجة بالمزيد من الكذب، والخداع، والتضليل، وإفقار الشعوب، وممارسة قهرها، وقتل العلماء، والمفكرين، والثوار الحقيقين على أرض الواقع من خلال استبعادهم عن مركز القيادة، والسيادة، واتخاذ القرار، فلم يتم، وضع الرجل المنُاسب في المكان المناسب!؛ بل حولوا حقيقة تحرير الوطن، والمقدسات من الواقع إلى حلم صار تحقيقهُ حاليًا يبدو بعيد المنال!!؛؛ وختامًا الثورة يفجرها الحكماء الكبار، والثوار الأحرار، والمظلومين، و يشعلها الشرفاء الابطـــــــال، ويكون وقُودها الفقراء، والمُخلصين، والمُغامرين، والشجعان؛ ثم يحصد ثمارها الجبناء، و الانتهازيين والخونة، فيجعلون من الثورة ثروة تتكدس، وتكبر معها عروشهم، وكروشهم تتكرش ورقابهم تتقزم، وتتقلص، كأنهم من غير رقبة كله تحت اسم الوطن، وأغلب المواطنين العرب، والمسلمين في أوطانهم فقراء مقهورين من بعض أدعياء الوطنية، ومن دعاة الاصلاح، والتغير، الحاصل تخريب وتدمير، ونهبٌ لمقدرات الشعب ليبقى صغير فقير ، والثروة للكبير، ومن حوله من البطانة، فبئس الثورة التي تتحول قيادتها للثروة، وشعوبهم للقفرِ، والفقر المدقع فلا نامت أعين الجبناء.
الباحث، والكاتب، والمحاضر الجامعي، المفكر العربي، والمحلل السياسي
الكاتب الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، عضو مؤسس في اتحاد المدربين العرب
عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية
dr.jamalnahel@gmail.com
 
 
 
 
 
 
 

دكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى