مقتضب لمستقبل البشرية!
ناصر عجمايا
اليوم البشرية تقف على مفترق طرق: سببها العولمةُ العالمية الحالية، تحت هيمنة الرأسمالية العالمية التي كشفت عن أنيابها وممارساتها الهشة بالضد من الأنسانية، بالمقابل نشهد على صعيد الكرة الأرضية صعودًا للمخاطر: صراعات عرقية، دينية، سياسية، تدهور البيئة، أخفاق لحرية الانسان، نموُّ الفوارق الطبقية، فأوجد البؤس بين الناس. فطريق الخير الأنساني بات شبه عقيماً وشبه مسدوداً. لذلك لابد من طريق آخر ينسجم مع تطور الأنسان وتقدمه، حفاظاً على مستقبل الحياة البشرية العاثرة القائمة حالياً.
هذا الطريق .. بدأ يمر بسلسلة من المبادرات المفُعّلة في أنحاء العالم، ولكنّها ما تزال غامضة وغير مرئية. كيف يمكننا أيجاد طرُق الإصلاح التربوي، والبيئي والسياسي والأجتماعي و الاقتصادي، لتغيير الواقعية الحياتية العامة برمتها، للخروج مما هي عليه الآن، لأنهاء الأمراض القائمة من جميع المناحي الحياتية .
ما زالت سفينةُ الأرض، التي تشهد الصراعات العرقية والدينية والتشنجات السياسية والأجتماعية والاقتصادية قائمة على قدم وساق، فتواصِل سباقاتها نحو المجهول بسرعة لا مثيل لها في التاريخ. فهذه السفينة تدفعها محركاتٌ عديدة: العلومُ المتنوعة، والسياسات المختلفة والاقتصاديات المبعثرة، ومخلفات الدين بجموده المرئي والمكشوف، والتكنولوجيا المتطورة والمتجددة، وعوامل الربح الفاحش للرأسمال المتوحش، يحمل كلٌّ منها إمكانات الخير والشر معًا مليئاً بالتناقضات الصارخة بصراع متواصل.
لكنْ، لا رباّن على متن هذه السفينة ولا بوصلة كي توجهها نحو غد أفضل للمجتمع العالمي. فهل هي تسير في الطريق الصحيح؟ ألسنا ذاهبين نحو المجهول الكارثي؟ هل من الممكن تغيير الاتجاه نحو الأفضل؟ إن أسوأ العواقب هي الأكثر احتمالاً.. أنها كارثة نراها محتملة، ولبربما قادمة لا محالة، أن لم يتم درئها وتجنبها فوراً، حباً بالبشرية ومستقبلها المعافى.
فتشخيصَ المجرى الحالي والمستقبلي للعولمة: واضح لنا تماماً، كيف حدثت أزماتٌ متعددة تتشابك وتتداخل مع الأزمات الكبرى، التي تتخبط فيها بشريتنُا المناقضة للأنسانية الحقة. ويبُيّن لنا الواقع العملي، صرنا نتخبط في السراء والضراء معًا. المستقبل الجديد بات غامضاً تماماً لم نتحسسه بعد نعتقده للمجهول. لكن الطريقٌ الجديد ليس غائباً، فهو يولد من التحامِ مجموعةٍ من طرقٍ إصلاحية قد لا تعُدّ ولا تحصى، وقد تؤدي بنا إلى تحوّلات عميقة، قد تذهلنا أكثر مما أذهلت البشريةَ، تلك التحوّلاتُ التي غيّرت قديما مجتمعاتِ بدائيةً صغيرة قائمة على الصيد والقطاف، باستغلال الانسان البدائي للطبيعة، وتمخضت عنها مجتمعات تاريخية في نهايًة المطاف منذ بداياتها تحت مسمى المشاعية البدائية (الشيوعية البدائية).
أن شرور عصرنا الحالي هو عسير للغاية، لم تفده علوم السياسة ولا الاقتصاد ولا الدين ولا الأخلاق ،كون السبل السالكة لمستقبل البشرية غامضة للغاية، مستقبل مليء بالتشاؤم، والسبب هو غياب القيم الأخلاقية الأنسانية وحتى الدينية الموروثة وراثياً في غياب الوعي الفاعل، ناهيك عن غياب الضمير الأنساني لقسم من البشرية.
جميع الأحتمالات قائمة سلباً أم أيجاباً، لكن الأولى هي الغالبة في غالبية الأحتمالات القائمة عملياً، كما نحن نرى الأشياء على حقيقتها الواضحة، ممكن أم غير ممكن!!، فذلك من المسلمات البشرية في أوجه صراعاتها النفعية دون وعي، ففي فقدان الأنسان لحقيقته الواضحة المؤلمة، بموجب عدد سنينه المعدودة، والتي لا يتجاوز معدلها 60-70 عاماً، فيرى نفسه يعيش أبد الدهر بعيداً عن الموت المحقق لا محالة! وهنا الخوف للبشرية بات قائماً لا مفر منه، بسبب جشع متوحش قائم في أستغلال الأنسان لأخيه الأنسان، حفاظاً على ممتلكاته الرأسمالية وبأي ثمن!، بلا وازع ديني ولا ضميري، خارج القيم القانونية والنظامية الأنسانية.
عالم اليوم يشهد تدهورًا حيوياً أنسانياً، بالأضافة لانتشار السلاح التقليدي المتطور والنووي والكتلوي المخيف بشرياً، وأزمة مزدوجة: أزمة التطور التقليدي الحضاري من خلال التنمية في ظل العولمة، أزمة الحضارة الغربية خارج الرقابة المطلوبة، حفاظاً على جنونِ وجنوح الربح الفاحش، والمنفعة الرأسمالية على حساب الغالبية العظمى للبشرية.
نهاية النظام الأشتراكي العالمي كما يتصوره الغرب وما بعده، أستأسد الرأسمالي المجنون، فهذا سيقود نحو كوارث خطرة على البشرية في نهاية المطاف.
أما الديمقراطية باتت كذبة واضحة لا قيمة لها، بسبب التجاوز العملي عليها دون حساب ولا رقيب، بفعل الرأسمال الغبي، سببه الأستثمار السياسي القائم، فهل يمكن للأنسان المتواضع النظيف الفاقد للقدرات والأمكانيات الرأسمالية، أن يصل لموقع صنع القرار، خارج أستثماره النقدي لحملته الأعلامية؟! بالتأكيد لا والف لا!!، كون النتيجة الحتمية ستكون لمن يملك المال والجاه والسلطة والقوة، فأين هي الديمقراطية الحقيقية العملية؟!.
أننا نرى بأن عالمنا اليوم يمر بأزمة فكرية مرده سيء ومستقبله أسوأ وأردأ، وعليه يتوجب علينا أن نستوعب درساً صارخاً في الزيادة السكانية للعالم، كونه يربك الرأسمالية العالمية المتوحشة، كونها لا تملك عوامل معالجة الاوضاع الحياتية، ناتجها نقيض الأنسانية المطلوبة، بزيادة الجهل والأمية والتخلف في المجتمعات العالمية عموماً، مقارنةً بالتطور العلمي التعليمي، في غياب المؤسسات التعليمية على مختلف مراحلها الدراسية، والدليل هو ما يحدث في البلدان النامية والمتخلفة، وحتى الرأسمالية المتقدمة نسبياً، بحرف الشبيبة عن مسارها العلمي الخلاق ومستقبلها المنشود، ضمن مغريات خارج الأخلاق، من ضمنها ظواهر المخدرات والقمار والمغامرات الطائشة والمثلية الفاقدة للأنتاج البشري، والأمراض المفتعلة منها كوفد 19 ( كورونا) مثالاً.
فما أحوجنا لمفكرين جدد يتوجب أحترامهم، خصوصاً المفكرين الاشتراكيين للفائدة العامة، بغية معالجة الأوضاع الأنسانية الأستثنائية المعقدة للغاية، وخاصة الفكرين الماركسيين واليساريين المتجددين والمتطورين، دون أقتصاره على ماركس وأنجلس ولينين وجيفارا، وبقية الفلاسفة والمفكرين الماديين، بما فيهم فورباغ وعمانوئيل كانت وآخرين، بعيداً عن الحمق النفسي، والتعصب الاعمى، والتكلس الفكري العقيم.
علينا أن نعترف بأن الرأسمالية في ظل العولمة، حالة متطورة ومتقدمة عن سابقاتها للنظم الأقتصادية المتخلفة، مقارنة بالنظم الأقطاعية وشبه الأقطاعية والعبودية الأنسانية والعشائرية، التي دمرت البشرية في مراحلها السابقة.
سيبقى الصراع قائماً بين خير البشرية ومستقبلها ودمارها، والشر المستفعل والمستنفل بين البشرية، منها العمل والبطالة والبطالة المقنعة، والأمل واليأس، والتفائل والتشاؤم، والأنغلاق والأنتعاش، والتحضر والتخلف، والنهوض والتقوقع، والأستقامة والأنحراف، والكذب والصدق، والأنفتاح والتقوقع والخلق واللاخلق، والشفافية والفساد، والنزاهة والأبتزاز وووالخ.
يجب أن يكون عصرُنا عصرالنهضة والتقدم والتطور للأنسانية الحيّة، بمراجعة النفس البشرية، وفي دراسة المنتج وغير المنتج، والفعل وردة الفعل، بتواضع أنساني بعيداً عن النرجسية والفوقية واللامبالات للأنسانية المطلوبة، بأنتشالها من براثين الوحش الرأسمالي، الفاتك لمستقبل الشبيبة المتطلعة نحو الأبداع والتطور والتقدم.
فالذين يملكون أفكارًا لا يملكون سلطة، والذين يملكون السلطة لا يملكون في الغالب أفكارًا، لذا علينا أن نبحث عن مَخرج لإنقاذ البشرية من كوارثها المحتملة، في الحروب الطائشة الدولية القائمة حالياً، والتي تطحن الشبيبة العالمية، وفق مخطط مرسوم سلفاً لأنقاص القوى العددية البشرية، بعد عوقها نفسياً وخلقياً وأجتماعياً وسياسياً وأقتصادياً.
الطبقة السياسية الرأسمالية القائمة، راضية مرضية بقناعة تامة بالتقارير والدراسات والإحصائيات، والاستطلاعات المتكررة للرأي، فكل شيء يجري من حولنا وكأننا ما زلنا نجهل منذ نحو قرن من الزمن، أنّ كل شيًء قد تغيّر، في الأفكار التي كنا نحملها عن العالم في الزمن البعيد.
عليه هناك إفلاس حاصل قائم في الفكر السياسي، لذا يتوجب تجدده وتجديده وتطوره، بما يخدم الأنسان في العالم. اليوم .. العمل السياسي المقتدر، لا يبالي ولا يهتم بالأعمال التي تنجز حول مصير العالم. كونه لم يجد مكاناً في فكْر الطبقة الرأسمالية السياسية.
إن هذه الطبقة المبتزة للشعوب، تكتفي بتقارير الخبراء، والإحصائيات، واستطلاعات الرأي نكاية بالعقول بعد تخديرها. فلم تعد تملك فكرًا وثقافةً، ولا يعنيها علماً متطوراً متقدماً، ما يعنيها هو الربح المالي فقط. كل هذا وذاك هو مناقض للفكر الماركسي العلمي الخلاق المنقذ للبشرية لا محالة.
العولمة في غياب الفكر الماركسي وتطبيقه عملياً على أرض الواقع، يتعثر أدائها لا محالة، بالرغم من محاسنها وايجابياتها في التقاء العالم، على قواسم مشتركة للشراكة الأقتصادية بأنفتاحها على دول العالم، وخاصة الوعي والتقنيات التكنولوجية العلمية الحديثة.
يتوجب على الجميع دعم ومساندة الوعي الثقافي لخير وتقدم البشرية، بغية ترقية الحياة نحو الأفضل، في ظل تفعيل وتطبيق العدالة الأجتماعية، التي لابد من تحقيقها وفق المنهج الماركسي العلمي المتجدد والمدروس سلفاً، ضمن برنامج متقدم ومتطور.
وهنا يتطلب قلع رواسب الحقد والكراهية والضغائن والغباء والكذب والفساد والقساوة والرعونة والأنانية والفردية والأمراض الأخلاقية والنفسية، تلك هي المباديء الخلاقة التي لابد منها، في معالجة مجمل أمورالمجتمع العالمي، لخلق أصلاح جذري أخلاقي تتبنى الأنسانية الحقيقية في معالجة اخفاقات الحياة بسلاسة سلمية سليمة، كل هذا يأتي بتبني، مبدأ نقد الذات، وتحليله ومراجعته دوماً، فيتم تشخيص السلبيات لأزالتها وصولاً للأيجابيات، مع أحترام الرأي والرأي الآخر، وفق مبدأ (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)، يجب تفعيله وتنقيته بالحوار والحوار ومن ثم الحوار الخلاق بين البشر، بنكران الذات من أجل العام، وصولاً لفائدة المجتمع العالمي.
علينا أن نعترف بأن البشرية في خطر، سببها المصاعب الأجتماعية والسياسية والأقتصادية، ناهيك عن التعصب الديني والفكري، وزيادة تقنيات الأسلحة الهدامة المدمرة للحياة الأنسانية، لذا يتطلب الحيطة والحذر بأستخدام الثقافة الأنسانية المتطورة الخلاقة، لمعالجة الأخفاقات الحاصة بأسرع وقت ممكن، بأستخدام العقل المنتج المدبر لصالح البشرية وأنقاذها مما هي عليه الآن.