مطر وسماء صافية

جمال الهنداوي

ليس من الانصاف أن يكون المرء جاحدا تجاه التفاتات الحكومة المباغتة تجاه الشعب، فصدقا، لا أحد يقدر قيمة بضع ساعات إضافية في الفراش، إلا من عانى اضطرابات النوم خلال شهر رمضان.. وقد يكون هذا هو السبب وراء الإحساس المنعش بالراحة الذي انتاب جميع الموظفين، وأنا منهم، عند صدور تعليمات رسمية في أحد مساءات الشهر الفضيل ، باعتبار اليوم التالي عطلة رسمية بسبب توقع هطول المزيد من الأمطار وإمكانية تعذر حركة التنقل في العاصمة..ولكن وسط كل مشاعر الراحة والانتعاش التي انتابت الجميع ، أعتقد أن الجميع أيضا تساءلوا في اليوم الثاني، وأنا منهم، عن الأسس والمعلومات التي اعتمد عليها المسؤول الأعلى في إصدار هذا القرار، خاصة وهم يراقبون السماء الصافية والشمس الساطعة في يوم العطلة المنشود..
وهذا التساؤل يقودنا بالتأكيد إلى التفتيش عن السياقات المتبعة في تكوين الرؤى التي تسبق اتخاذ القرارات في الدولة العراقية..وخاصة مع تزاحم العناوين التي تحمل لقب المستشار أو الباحث التي تكاد تفيض بهم الدوائر والمؤسسات الحكومية وما هو دورهم في صناعة القرار.
فمن المعروف أن من أهم واجبات الجهات الاستشارية ومراكز البحوث والدراسات توفير المعلومات الأساسية والمفصلة حول المشكلة أو القضية المطروحة. مما يساعد في تحليل الحقائق والبيانات المتاحة لاتخاذ قرار أقرب إلى الصواب. وتقديم تقييمات شاملة للخيارات المتاحة والمزايا والمآخذ والتأثيرات المحتملة لكل خيار، مما يساعد في تحديد أفضل قرار ممكن. مع تقديم النتائج المحتملة للاتجاهات المختلفة، مما يساعد المسؤول في تقييم المخاطر وتوقع النتائج المحتملة لاتخاذ قرار مناسب. والأهم هو تدعيم التوصيات بالحجج والأدلة العلمية التي تمكن المسؤول من شرح حيثيات وجدوى القرار وتبريره والدفاع عنه أمام الجهات التي قد تعترض عليه، حقا أم باطلا.
طبعا هذ الكلام ينطبق على الدول والمجتمعات التي تحرص على أن تكون قراراتها محققة للقدر الأعلى من الانتاجية والمقبولية ، ولكننا لا نجد أي عسر في تشخيص ثانوية وظيفة المستشار والباحث ضمن الهيكل الإداري للدولة واقتصار وجود هذه العناوين على الإمكانيات العالية التي توفرها مثل هذه المكاتب في “إخفاء” بعض الموظفين في دهاليزها مع ضمان مردود مالي لا بأس به لذلك الموظف الذي غالبا ما يكون من ذوي الحظوة أو ممن يستحسن إسكاته عن طريق ملء فمه، والذين غالبا ما يقتصر عملهم على إراحة “ظهورهم” على المقاعد الوثيرة، وتكون أعلى مهامهم هو تقديم الولاء ولا شيء سواه والتزلف للمسؤول وتبرير سوء إدارته وفشله.. وهذا ما يمكن تلمسه بسهولة من خلال الفوضى –أو الخفة-التي تضرب عملية اتخاذ بعض القرارات التي نكتشف بعدها أنها كانت ناتجة استنادا إلى تقارير أو معطيات ملفقة او تسريبات صحفية لبعض وسائل الأعلام غير مأمونة الجانب ولا المصداقية.. أو مجرد انعكاس ساذج لبعض التقولات والشائعات.. كإمكانية سقوط المطر في جو صحو وصافٍ.
نقدر تماما المسؤولية الملقاة على عاتق المسؤول وهو يستعد لاتخاذ قرار يؤثر على انتظام الأمور في مناطق وقطاعات شاسعة من الدولة، ونحس بالضغوط التي قد يتعرض لها من يمتلك السلطة في اصدار التعليمات التي قد لا تكون ضمن السياقات المتبعة عادة في ادارة الامور، ولكننا يجب أن نشخص المآلات الخطرة للقرارات التي تستند على استشارات عاجزة أو شحة في المعلومات المطلوبة مما ينتج عنه اتخاذ قرارات بناءً على تخمينات أو افتراضات غير مؤكدة تكون بالضرورة بعيدة عن الصواب والمصلحة العليا للبلد، وما يحمله هذا السياق الخاطىء في إضاعة العديد من الفرص المتاحة للتطور والتحسين، بسبب سوء فهمها أو كيفية استغلالها بشكل فعال. وذلك بسبب النقص الخطير في التقييم الشامل للمخاطر المحتملة، وتبذير
الوقت والموارد وفقدان الثقة بين المسؤول والفرق العاملة أو الجمهور.
وطبعا أرجو أن لا يفهم هذا الكلام على أنه اعتراض على ” مكارم” الحكومة السخية بالإجازات الفجائية.. فالأمر مرحب به دائما.. صحوا أم مطرا.. وهو فرحة وعيد لجميع الموظفين.. وأنا منهم بالتأكيد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى