مرضي الشيخ
مرضي الشيخ
سعدي الابراهيم
في كلية القادة بالولايات المتحدة الامريكية ، يذهب الطلبة بايعاز من اساتذتهم الى الغابات لمراقبة نوع معين من الطيور ، حيث يتولى احدها قيادة مجموعة كبيرة تتألف من المئات من ابناء جلدته ، عندما يطير يطيرون وعندما يهبط يهبطون ، وعندما يأكل يأكلون وعندما يشرب يشربون .
لقد بحث الطلبة كثيرا عن الأسباب التي تجعل هذه الطيور تطيع هذا الطائر وتتبعه وتقلده ، ولكنهم لم يجدوا اي سبب يفسر لهم هذه الحالة ، فهو مثل البقية له نفس الأعضاء ونفس الألوان ، ويأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون . ولكن السبب الوحيد الذي توصلوا أليه في النهاية ، هو ان ذلك الطائر يمتلك صفات لا ترى بالعين المجردة ، وهي مودعة في روحه وذاته ، وهذه الاشياء انما تتمثل بالهيبة والموهبة في نفس الوقت ، او ما يسمى بالكارزمة وسحر القيادة .
ان الذي دفعنا الى كتابة هذه المقالة هو احد المواقف التي صادفتنا قبل ايام ، وبالتأكيد انكم قد صادفتم مثلها ، ففي يوم بغدادي لا نذكر اسمه ، التقينا بذلك الشاب الوسيم ، الذي قص الكثير من لحيته وأبقى شنبه او شواربه ، وحزمة من الشعر التفت حول اسفل حنكه ، وهو طويل بما يكفي النساء لكي تعشقه ، وصوته الجهوري يجعلك تستمع الى كل كلماته حتى لو لم تكن ترغب بذلك ، وبدون مقدمات او اطالة افصحت له عن كل ما دار في مخيلتي ، وانا الذي ادعي التحليل النفسي والسياسي ، فقلت له : يظهر بانك من عائلة مهمة في البلاد ، او انك ابن لسياسي مشهور او انك تعمل في وظيفة مرموقة ، بل انك تشبه شخصية من شخصيات الدولة العراقية .
فضحك ذلك الشاب ، ولم يتعجب او ينبهر من كلامي ، بل قال لي : انا اعرف هذا الشيء ، ولقد سمعته كثيرا …
وعندما قصصت هذا الموقف على بعض الأشخاص الذين يعرفونه ، ضحكوا ايضا وقالوا : هذا الشاب هو الشيخ مرضي ممدوح ، او لنقل مرضي الشيخ ، وعندما سألتهم : لماذا تكنونه بالشيخ ؟ وما هو سر تميزه ؟ قالوا : لا نعرف فهو يمر بظروف صعبة للغاية : غربة ، بطالة ، واشياء اخرى ، ولكننا لا نعرف ما هو سر انجذابنا اليه ، ولا حتى عن السبب الذي يدعونا لئن نكنيه بالشيخ … وعندها تذكرت قصة ذلك الطائر الذي يتعلم منه الطلبة في الولايات المتحدة الامريكية ، فصرخت في وجوههم : انا اعرف ، انا اعرف : انها الكارزمة ، انها الهيبة ، انه سحر القيادة ، انها نعمة لا يعلم سرها الا الله ….