تقاريرتقارير وأخبارقانون تشريع و ادارة

محاضرة قضائية عن مرض الموت

هكذا وصفت قرار محكمة بداءة كربلاء المؤيد تمييزا من قبل محكمة التمييز بموجب قرارها بالعدد ( ١٣٨١) والصادر باتفاق الآراء بتاريخ (٥ / ٢ / ٢٠٢٥) في دعوى تلخصت بطلب احد الورثة ابطال قيد العقار المسجل باسم شقيقه واعادة تسجيله بالقيد السابق المسجل باسم مورثهما المتوفى كون نقل الملكية باسم شقيقه كان بناء على هبة غير مشروطة عندما كان مورثهما مريضا مرض الموت كما جاء في ادعاءه، وقد ذكرت وقائع الدعوى وادلتها المذكورة في قرار محكمة البداءة على شكل نقاط بارزة كي يسهل على القارئ الالتفات لها ووفق ما يلي :
اولا : ان المورث توفي بتاريخ ۲۰۲۳/۱/۳ وحيث ان نقل الملكية قد جرى قبل وفاة المورث بحوالي اربعة اشهر وان المدعيات لم يقدمن ما يثبت مرض المورث بأمراض تفقده أهليته او انها تعد مرض موت.
ثانيا: ما بينه الخبراء المختصين المنتخبين من قبل هذه المحكمة والذين بينوا بانه يتعذر البت في مرض مورث الطرفين فيما اذا كان هو مريض مرض الموت وفيما اذا كان المرض يفقده ادراكة من عدمه وهذا ما بينة الخبراء الخمسة ايضاً في محضر جلسة يوم ٢٠٢٤/١٠/١٦.
ثالثا : ما بينه مدير التسجيل العقاري المدونة اقواله ضبطاً في محضر جلسة يوم (۲۰۲۳/۱/۳۱ في الدعوى المرقمة ٢٧٦٤ / ب / ۲٠٢٣ من كون مورث الطرفين حضر امامه بالذات بتاريخ ۲۰۲۲/۸/۲۳ وجرت معاملة هبة غير مشروطة باسم الموهوب له ولدة المدعى عليه الاول وكان تحت إشرافه وكان بحالة صحية جيده وتم توجيه الاسئلة اليه والذي قام بالإجابة عليها من دون اي تردد ولم يلاحظ ما يؤثر على اهليته.
رابعا: ان مسألة اثبات مرض الموت هي مسألة طبية بحته يكون اثباتها وبيان صحة ذلك الادعاء من قبل الاطباء المختصين بهذا المجال وحسب ما متوافر من ادلة واوليات ووصفات طبية ولما كان الخبراء ابدوا خبرتهم بتعذر البت في ثبوت مرض الموت لمورث الطرفين وفيما اذا كان يفقده الادراك والارادة وحسب ما جاء بتقاريرهم المرفقة بالدعوى لذا تكون دعوى المدعيات لا اساس لها من القانون وتكون واجبة الرد.
خامسا : السوابق القضائية :
وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية في العديد من قراراتها ومنها القرار التمييزي بالعدد (١٨٤٢ / الهيئة الاستئنافية عقار / ٢٠٢٤) في ٢٠٢٤/٧/٩ و ٥٥٤ / الهيئة الاستئنافية عقار / ٢٠٢٤) في ۲۰۲٤/٥/١٩) و (٦٢٩٥ / الهيئة المدنية / ٢٠٢٤) في ۲۰۲٤/٧/٩
سادسا : ان المدعيات اقمن دعواهن بمبلغ مليون دينار ودفعن الرسم عن المبلغ المذكور ولان قانون تعديل قانون المرافعات المدنية رقم 10 لسنة ۲۰۱٦ وفي المادة (٤) منه فيما يتعلق بالمادة (١٨٥) من قانون المرافعات المدنية اجاز للخصوم الطعن بطريق الاستئناف في احكام محاكم البداءة الصادرة في الدعاوى التي تتجاوز قيمتها مليون دينار ولان المدعيات اقمن دعواهن مبلغ مليون دينار لذا يكون قرار هذه المحكمة يصدر بدرجة اخيرة وليس بدرجة اولى.
فكان قرار المحكمة” ولما تقدم من اسباب قانونية تكون دعوى المدعيات فاقدة لسندها القانوني وواجبة الرد عليه ولما تقدم قررت المحكمة الحكم برد دعوى المدعيات”
وهكذا كان مقالي عن القرار مقال وصفي لا يعدو ان يكون قراءة ايضاحية للحكم ، غير وردتني تعليقات مهمة لعدد من الزملاء تستحق ان تكون ضمن هذا المقال استعرضها تباعا.
حيث علّق استاذنا وليد الشبيبي حول الحكم قائلا :
“احسنت للنشر استاذ وليد لكن الذي تعلمناه من ايام كلية القانون ان الغاية من الاعتداد بمرض الموت واشكاليته الشرعية ان صح التعبير ان (طلاقه) مثلاً لا يقع لأنه يعتبر (طلاق الفار) وبالتالي يعتبر طلاقه باطلا وعلى الزوجة ان تعتد عدة الارملة البالغة اربعة اشهر وعشرة ايام لذا حالة الادراك والوعي لا علاقة لها بمرض الموت لان غاية المريض (مرض الموت) تستند كليا على الادراك (الفرار) وعليه لا يوجد رابط بين الادراك او فقدانه وبين مرض الموت بل بالعكس اساس عدم الاعتداد به هو (الادراك) لان المريض مرض الموت كان متعمدا القيام بهذا التصرف ! عموما اتجاه القضاء محترم أكيد ولكن لا يعني انه راسخ وثابت مستقبلا بحسب خبرتنا بالمحاكم وبشكل متواصل منذ عام 1999”
وبصراحة لا املك الا ان اتفق مع رأي الشبيبي لأنه منطقي وموافق للقانون.
وكتب احد الزملاء قائلا : ” بالنسبة لإفادة موظف التسجيل العقاري حيث قال بأنه حضر أمامي وكان يتمتع بصحة جيدة !! سؤالي هنا وهل أن الموظف يتذكر جميع مراجعيه وكيف يعرف بأنه كان يتمتع بصحة جيدة ؟؟ وكلنا نعرف بأن من البديهي أن يقول الموظف بأنه كان يتمتع بصحة جيدة حتى لا يكون محاسب أمام القانون ، اعتقد أخذ إفادة الموظف لا فائدة ولا جدوى منها” قلت له ربما دون ذلك في اقرار المتنازل في السجل العقاري وبيان المعاملة .
احدهم علق على سبب صدور حكم البداءة بدرجة اخيرة كون ان المدعي قدّر منفعة العقار بمليون دينار وبالتالي لا تقبل المطالبة بهكذا مبلغ الاستئناف، فقال لماذا لم يتم تطبيق احكام المادة( 14 ) من قانون الرسوم العدلية النافذ بخصوص قيمة الدعوى رغم ان النص آمر والتي تنص على ” اذا كانت القيمة المقدرة للدعوى لا تمثل القيمة الحقيقية, فتحال من قبل المحكمة الى جهة مختصة او خبير لتقدير قيمتها. ويكون هذا التقدير اساسا لاستيفاء الرسم” ويدور هكذا تساؤل في داخلي ايضا ولكن اسدلت محكمة التمييز الستار عن ذلك وأيدت الحكم البدائي جملة وتفصيلا !
اخيرا تساءل طالب كلية القانون في جامعة اربيل الاخ ديار الزهاوي قائلا ” القرار اذا صادر من محكمة البداء بدرجة الاخيرة كيف يميز امام محكمة التمييز ومحكمة التمييز قبلت ذلك، فإذا محكمة التمييز تبقى مختصة بنظر الدعوى رغم صدور الحكم من البداءة بدرجتها الاخيرة ، فما الفرق حينما تنظر محكمة البداءة الدعوى بدرجة اخيرة ويطعن بحكمها ام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية وبين ان يكون بدرجة اخيرة ومع ذلك يطعن به امام التمييز الاتحادية”
وبلا مجاملة كان تساؤله ذكي ويعبر عن طالب كلية يحمل في طياته شغف جميل في تعلم احكام القانون والتفكير فيها .قلت له ان الفرق بين الامرين يكمن في النصوص التشريعية لا في مبلغ الدعوى ، فاعتبار حكم البداءة بدرجة اولى او اخيرة وان كان قائما على اساس مبلغ الدعوى الا ان جهة الطعن بالأحكام محددة تشريعيا استنادا الى نصوص آمرة وليس وفقا لمقدار مبلغ الدعوى ، فمثلا القرار ١١٩٨ لسنة ١٩٧٧ حدد ان محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية هي المختصة بنظر التمييز في الاحكام الصادرة وفق القرار المذكور ، بينما في نصوص اخرى حددت محكمة التمييز جهة الطعن في احكام دعاوى معينة وان نظرتها محكمة البداءة بدرجة اخيرة ، وبالتالي فتبقى دعوى ابطال قيد عقار يطعن في حكمها تمييزا امام محكمة التمييز وان كان مبلغها مليون فاقل ادى بمحكمة البداءة نظرها بدرجة اخيرة ، فكأن تقليل قيمة الدعوى من قبل المدعي يعني سلفا انه تنازل عن طريق الطعن الاستئنافي وان كان الاصل في دعواه قبولها الطعن بهكذا طريق طعن ، ولكن كما ذكرت آنفا كان حري بالمحكمة ان تكلف المدعي بتقدير القيمة الحقيقية لدعواه لأن في تقليل القيمة حرمان منه لخصمه من طريق طعن يعتبر تكملة لحق التقاضي المحصن دستوريا وقانونيا وعدم جواز ذلك بأي شكل من الاشكال .
ولكن يبقى مرض الموت وكمال افصح عن ذلك الحكم في نهايته واقعه مادية يجوز اثباتها بكاف الطرق ومنها البينة الشخصية والقرائن والاقرار وغيرها ، وبالتالي ممكن اقوال ممثل التسجيل العقاري احد مكونات قناعة المحكمة وممكن البينة وممكن المحكمة تستنبط المرض من الوقائع وبالتالي يخضع للأثبات طبعا للقواعد العامة في قانون الاثبات إضافة الى ما ورد بأحكام المادة( 1109) من القانون المدني التي اشارت لمرض الموت، وهكذا كانت حواراتنا القانونية حول الحكم القضائي ممتعة قلبت احكام قانون المرافعات والمدني وكانت فعلا محاضرة قضائية من قبل محكمة بداءة كربلاء يُشكر عليها استاذنا القاضي صفا السلطاني ويسمح لنا ان نكتب على هامش محاضرته الممتعة بعض الآراء الفقهية ان صح التعبير.

وليد عبدالحسين : محامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى