متضادات الحوكمة العالمية
في تساؤل الابداع.. في ما هو ذاتي
أمين ثابت
اننا في زمن ضبابية المفاهيم. الناشئة عن استبدال العالمية الواحدة- كحتمية موضوعية حادثة على العالم المجتمعي البشري- الراهن- تحت مظاهر شبكات التقارب والتداخل بين شعوب الارض وثقافاتها- واستبدال ذلك بالعولمة الغربية المعممة على المجتمعات البشرية عالمياً. والذي لم يصبح امامنا لمجابهة ذلك المد سوى وضع لتساؤلات الكبرى لنبحث لها عن اجابات وعلى الصعيد الابداعي- بمفهومه الخاص والنخبوي- نضع هذه التساؤلات المحدودة والعمة لنحاول الاجابة عنها، وهي من حيث التتابع كالاتي:
1- هل يمثل الابداع معطى مجال محدود به.. وهل يستوجب انفصاله الكلي عن غيره من المجالات أو الانواع أو الاجناس من ذات المجال؟.
2- ما هو مفهوم الابداع كتعاط ممارس، وهل يمكن للمبدع ان يخلق ابداعا في ظل وجود مايعرف بالرقيب الداخلي.
3- ما هو التوصيف الحقيقي لظاهرة التناص، بين المشابهة أو المماثلة النصية- المقارنة افتراضا بحسن نية- وبين منحى السرقة الادبية؟.
ان محاولات الاجابة عن هذه التساؤلات لا تعد قطعية ولكن فيها ما هو محمول فيها من الحقيقة، وهي مبادرة فردية تحتاج للشراكة، في فعل المثاقفة الاصيلة الندية وعليه نوجز مشاركتنا حسب ما تفيض به السطور القادمة على النحو التالي- وبصورة مختزلة.
ان طبعة السؤال الاول إذا ما استبعدنا مفردة الاستفهام (هل) فانه يحمل وجها جوابياً افتراضيا لذات السؤال وهو مقابل (أي مضاد) لاحتمالية جواب الوجه الاخر مبنيا على النفي.. وكلتا الاجابتين كنسق لغوي وفكر- سائدتان في العقل العربي- حتى المعاصر- الذي لم يتجاوز بعد تحليله للظواهر والحكم عليها من خلال طبيعته الاستاتيكية بنيويا- غير العلمي- الذي يتجلى لديه التحليل بمعنى الفرز التصنيفي للرؤى الاحتمالية- افتراضا- وهو مفهوم وممارسة غاية في التسطيح لمعنى ودلالة مفهوم (التحليل) ولاذي على اساسه لا يجد مشقة في اقامة أو عرض الحكم كجواب شاف موثوق فيه لتعريف الظاهرة من خلال الحكم.
وبالنسبة لي ارى كلتا الاجابتين السابقتين- متقدم في الاولى نعم والاخرى لا- خاطئتين إذا ما كان ضرورة الجواب ان يكون نعم او لا- واحدة منهما فقط فهو نعم إذا ما قصد بصيغة السؤال فرادة البناء النسيجي- اللوني وخصوصية ما يقوم عليه ذات المنتج المبدع من خصائص بالضرورة ان تفرقه عن غيره من المنتجات الابداعية، اكانت من نفس المجال أو بعيدة عنه.
ومثال على ذلك كان يفرق بين الشعر والقص، بان الاول يخضع للغة شعرية (مموسقة) لا يتمثل المتلقي للشعر الصورة الفنية وكافة الابعاد والدلالة والمضامين الا عبر تلك الموسقة الايقاعية- وهي الاشكالية التي تعانيها قصيدة النثر المعصرة باستمرارية ارتباط الذائقة العريبة لشعر عبر خانة الاسر للشعر القديم المبني على التقعيد الجمالي للايقاع الصوتي وفق مااعتادت عليه الا رغم نثرية قصيدة الشعر المعاصرة، تظل شعراً لاقصاً نثرياً.. ورغم ابنناء الاشكالات الادبية- الفنية المنتمية مجازاً لحقل القصة- كالاقصوصة.. الومضة مثلاً، على لغة شاعرية.. وعند بعض المبدعين المتمرسين يجعلها لغة شعرية لا شاعرية- الا انها تظل مصنفة كملحق بفن القصة.. لا الشعر.. وبالمثل بين الشعر والقص يقف مجال اخر وعليه يمكن الاجابة بلا إذا اتفرضنا ان صيغة السؤال توميء لدلالة مفادها- بوحيد نسجه- بمعنى الانعزال الكلي والمطلق بين الوان وانواع الابداع- الادبي أو الفني على السؤال- أي ان كل ابداع فردي قائم بذاته ليس له أي رابط مع غيره من الابداع- حيث ان أي ابداعكان- القصة مثلا- بالضرورة ان تقوم على مرجعيات تاثيرية- فكرية ذوقية، عاطفية وعبييه- تحكم بنية مصوغات المنتج الابداعي- القصة قبل تحليقها في عقل ونفس وخيال المبدع وتحكم المنظومة التخليقية للنص خلال المر حلة الكلية التي تعرف بـ(الحالة الفنية) وان كانت الولادة الابداعية للنص تلقائية لا تدخل فيها لعبة التخطيط الذهني- الصناعي- للنص.
وعليه فمصدر تلك المرجعيات التاثيرية كل مجالات الابداع البشري التي يقع تحت طائلة تاثيرها مبدع النص.. ويظهر بوضوح تلك المؤشرات المرجعية- غير المعلن عنها في النص الابداعي- إذا ما امتلنا ثقافة وذوقا رفيعين واعادة تركيبه بصورة ابداعية- في ما نسميه بالمنهج العلمي النقدي- المستحدث وعليه لا يمكن ان يكون هناك انفصالا اطلاقيا في بين الوان واجناس وانواع الابداع لمختلفة- قريبة أو بعيدة- رغم الفرادة (النوعية) لكل مجال ابداعي ضيق عن سواه.
اما في مجال الاجابة على التساؤل الثاني، فانه يمكن القول:
بان أي إنسان محترف في الممارسة المجالية- في أي مجال كان- والاحتراف هنا لا نقصد به التعيش على ما يجود به احترافه المجالي، ولكن نقصد بالاحتراف طول الخبرة الممارسية وعمقها- لا يمكن الاان يتعاطى مفهوم الابداع والتعاطي هنا يعني توظيف الاحترافية- في المجال- وقيامها على ثقافة مجالية وجمالية نظرية عميقة وذائقة عالية، وصهر هذين المعطين بخصوصيته الفردية يكون هدف منتج ذلك هو خلق الجديد، المفارق، النوعي، الذي يمتلك فرادته غير المتكررة- وهو معنى الابداع في حقيقته القيمية (الجمالية والوظيفية) ال المفهوم الشكلي الاعتيادي الميكانيكي المسطح (المتداول لمفهوم الابداع، بان كل ما مارس في المجال اصبح مبدعا ان ينقل عبر التاثر أو يصنع قصة يصبح قاصاً.
فدون الفهم الذي عرضناه سابقا لا يمكن تمييز ما هومنتج ابداعي أو منتج زائف أو هابط أو ضعيف.
المبدع الحقيقي لا يمكن على الاطلاق ان ينتج ابداعاً فردياً (حقيقا) وهو مغلول لرقيب داخلي أو خارجي، فاحد العناصر التي يختل فيها الابداع ليصير المنتج منتجاً اعتياديا أو مفككاً أو مهزوزاً أو غائما إذا ما قامت عملية تخليق المنتج أو النص تحت قيود من التحريم يكون المبدع غير قادر على التحرر من هذه القيود وهو ناتج مماثل الاثر- معيق للابداع.. كتلك العناصر الاخرى التي عند الافتقار لتوفرها ينهزم الابداع- فالاستلاب تحت طائلة الرقيب الداخلي أو الخارجي كالاتكاء على ثقافة سطحية أو ذائقة اعتيادية كضعف خاصة التخيل والتخييل، وضعف المقدرة على التجربة والتسامي السايكو- ذهني وكضعف الخبرة في الممارسة أو دونية الادراك ووضح الغايات أو ضعف اعادة خلق الصور.. الخ فجميعها تقود إلى ان يكون ناتج اية ممارسات مجالية اعتيادية لا ابداعية وعليه فالباحث منوط به البحث الدائم عن الفرادة في كل ممارسة ابداعية منسوبة اليه وهو ليس بحثا عن الفرادة في الممارسة المجالية الابتكارية فقط بل حتى في كل مسلك حياتي بسيط يومي يجد نفسه فيه دوما غريبا عن الاخرين غريباً عن فهمهم ومنطقهم ومسلكياتهم وحكميتهم- وليس من منا هو على حق ولكن تظل المسألة مغايرة عن المألوف.. السائد.
وان اهم ما يخلق تشويشاً على مفهوم الابداع بصورته المجرد والعملية قائم في ظاهر الصناعة الزائفة للابداع في ا يروج له راهنا عبر مرتزقة النقد الادب المعاصر، والذهانيين الاخرين منهم عبر مسألة ما يعنونه بـ(ظاهرة التناص9 وعليه يمكن القول ان التناص مسألة قائمة كحقيقة ثابتة.. دوما كون أي ابداع جديد يقوم على ارث بشري قبله.
وهذا التناص بين منتجات باداعية (فنية وادبة فنية) متباعدة في الزمن، والاتكاء المبدعين المتواجدين في بلدان وثقافات مختلفة في زمن واحد على ارث بشري يتسم بحرية التداول الانساني لا العرفي- أو الارثي القومي أو الجنسي المحدود فقط- فبالضرورة ان يحدث تناص أو مناصة بين منتجات بابداعية انتجت في بلدان مختلفة في نفس الزمن- فمهما اختلف الحضارات المعاصرة- تقدما أو تخلفا فهناك ارث مرجعي متداول بين الجميع، وهناك المتماثلات الزمنية- القيمية والمتقاربات العوامل والشروط المنتجة لحدوث صيغ تناص متعدد بن المنتجات الابداعية مختلفة مهبط- مكان- الابداع هذا ايماني بالتناص اما ظاهرة التناص المعاصرة والاكثر معاصرة التي تسود الساحة العربية- كما يتقول بها الكثير فانا لا اؤمن بها فثقافة السندويتش (العربية المعاصرة) وتخلف النقد وسيادة الروح الطفيلية للربح السريع بما فيه الابداع الفني والادبي- الفني التي اصبحت تحكم اخلاق وقيم الواقع الثقافي- العربي الزائف عممت استسهال الابداع- كالكتابة الادبية- الفنية- لسهولة مرور الغث والسمين كابداع منتج لا يفرق بينهما وسهولة سطوع نجوم مبدعين (غير مبدعين9 واندثار مبدعين حقيقيين بفعل موجة الهبوط الثقافي والذوقي والعرفي العربي.. السائد راهنا فالتناصات- الخداعية- السائدة في الحياة الثقافية- العربية بين ما هو عربي- عربي أو عربي- اجنبي ليست الا سرقات علنية لغير مبدعين. اطلاقا يدعون الابداع ويروج له من اخرين أو جهات لها اغراض نفعية ضيقة، لا تخدم الابداع ابدا بل تزيد عليها ان تنخر في بقايا الاصالة العربية- الثقافية، وتدمر جوهر الانسان- اولئك المتفردين لرفد التاريخ بما هو اضافي نوعي- لتصبح العطاءات غير محكومة بعظمة قيمتها ولكن تحكم وفق سباق اللهث المميت لكسب المال أو الوجاهة التي بدرجة هذه أو تلك يقيم الابداع.. الزائف جوهرا.. فللتناص وهو ماليس حادثا مطلقا الان في حركة الابداع العربية..
والتناص يمكن ان يكون في الفكرة أو جزئيات متقاربة أو مختلفة بالتضاد عبر جزئيات من التصوير التشكيلي الفني واحيانا يكون التناص في بعض الاستعارات الرمزية أو الدلالية أو الارشادية اكانت الاستعارة استخداما في المماثلة الاستقطاعية بين النص المنتج والنص المأخوذ منه أو تكون تلك الاستعارات مستخدمة في صناعة المضادة أو التوليد التخليقي من ذلك المستعار، كما وقد يكون التناص حادثا في جزئيات من المضامين أو الايقاعات الموسيقية او الصورية أو الحديثة أو في الاقنعة (اكان في استعارتها أو توليد اقنعة اخرى منها أو انتزاعها مع متغير في فيزيائيتها أو دلالتها…الخ) أو يكون التناص في مركبة لغة المجال- صناعة أو تأثرا ذوقيا وحرفيا.. الخ ولتحديد المنتج (الابداعي) المسوم بالتناص كمنتج متناص (من ضمن الابداعات.. الاصلية) التي يكون ذلك الجديد متشابها معها باية درجة كانت وتحتاج القراءة المقارنة لثقافة ومنهج علمي نقد تحليلي.. دقيق- وحقيقة لا نحتاج لما سبق ذكره في كشف إذا ما كانت المتشابهة بين المنتجات الابداعية- مختلفة المرجعية بين افراد لا رابط بينهما في خصوصية الذات لافردية- متناصة ام مسروقة من بعضها لا نحتاج لها الا إذا ما وقفنا ين مبدعين حقيقيين- عمالقة مشهود لهم- مثل إذا كان الحديث يدور بين جبران خليل جبران ووليير أو السياب واليوت أو عبد الله البدوني والمتنبي اوبينه وبين الحيطئة في هجاء الذات- فالمشابهة النصية في زوايا أو باعاد أو استعارات- نادرة أو قليلة يمكن لها ان تكون عبرا عنها بالتناص فالنص الاصلي يمثل خلفية ثقافية (روحية) مرجعية تاثيرية قد سكنت ف يالعمق التاثري المعرفي القيمي والجمالي والبعيد كل البعد عن لاقعل الظاهري- المخطط صناعة ولذا فعند المبدع الاصيل- حسب توصيف عرضناه سابقا- تصعد جزئيات من ذلك العمق التاثري بشكل عفوي اثناء تخلق النص عفويا، عبر التدفقات الشاعرية أو الاجنبية- وحقيقة انه وفق الوضعية الرخوة والزائفة المسطحة للحياة الثقافية العربة- الراهنة وانحلال القيم الثقافية فان التناص الجاري ليس الا سرقات.. ساذجة لا يتعب ادعياء الابداع انفسهم مشقة التطهر الذاتي (تجشم معاناة التثقيف الطويل وصقل التجريب الذاتي في الممارسة للبحث عن التفرد) فكل ما يعتمدونه في تجاربهم في صناعة نص ليس عليهم سوى تقليب صفحات المجلات أو مشاهدة اللوحات أو الافلام أو سماع موسيقى أو اغان اصلية ليس لهدف انماء المعرفة والذوق والتسامي. بل لغرض انتقاء ما يصادف امامه يحاول التاثر والمحاكاة مع تغيير بنيوي للنص، هروباً من اتهام السرقة وحقيقة لا ينتج الا مسخاً سطحياً ساذجا عند الانسان العارف المنهجي والمتذوق سهولة ادراك ذلك دون حاجة للبحث عن الاصل المنسوخ عنه أو يكون من الحقارة اقامة مقارنة نصية بن اصلي واخر مسخي لا يستحق تعب البحث.
وعليه فان السرقات الادبة أو الفنية أو الفكرية من السهولة بمكان معرفتها فمتناقضات مفردات البناء المعماري للمنتج (أو النص) ومتناقضات العناصر والخصائص والبيئات الجزئية ف يالنص الواحد ومتناقضات ضبابيات الخيال مع البيئات الحسية في النص (الواضحة والبسيطة الاعتيادية) والمتضادات بين التراكيب اللغوية (لمجال النص الواحد) ان يكون بعضها ذات لغة قوية واخرى ركيكة، أو بين المتضاد المضموني الباهت مع السطوع الاسلوبي للنص أو في التهويم التركيب للخيال التصويري (الزئبقي) مع مقدرة المسك بزمام اداة التركيب اللغوي- التمكن أو استقراء دونية ذات الكاتب المختفي وراء سور النص- انعدا الثقة بما يصنعه- وبن استمرارية تداعي التصوير- والذي يكتشف ذلك عبر تفكك البناء المنطقي- الفني مثلا- بين الصور الفنية الجزئية والمختفي وراء رطانة اللغو أو اصطناع تركي غرائبي ياسر الفراغ الثقافي عند مثقفي هذه الايام ليقروه ابداعا مفارقا، لا ليروه كما في حقيقته لا يعبر عن شيء أو عن أي جمال بقدر ما يكشف عن اهتزاز وركة في بنية النص لا اقل ولا اكثر.
ويمكن توضيح ذلك اكثر بشكل ملموس إذا ما كان بن ايدينا نصوص نريد قراءة صدق اصالة التجربة- تناسبها مع مؤلفها- ام انها مبنية على كذبة ابداعية- اصلها استعارة تجربة اكبر نم حجمه فقدمها مسخاً للاصل ولكوننا لن نستطيع توفير النص الاصلي المقول عنه الا بالبحث والهد البحثي المضني- الا إذا ما خدمتنا الصدفة- ولكنه مع ذلك تظهر السرقة واضحة مع نصوص سابقة ولاحقة لذات المؤلف وتزداد المعرفة يقيناً إذا ما كانت الظروف قد هيأت لنا معرفة ذلك المؤلف شخصياً.