ما وراء قانون “مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي” ( 3-4)

ما وراء قانون “مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي” ( 3-4)

التحديات أمام إرساء نظام استبدادي و قروسطي في العراق

سمير عادل

العراق على مفترق طرق، المشاريع الاقتصادية التي تطمح لها الطبقة الحاكمة في العراق، وبدعم المؤسسات الرأسمالية العالمية، بحاجة الى بيئة خصبة ومغرية لجذب الاستثمارات، تتمتع بالاستقرار الأمني والسياسي وقوانين تمنع اية احتجاجات عمالية واي حريات نقابية واية معارضة سياسية.

إن الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق تعاني من معضلتين رئيسيتين، أحدهما مرتبطة بالبنية السياسية للطبقة الحاكمة نفسها، والثانية وجود معوقات وتحديات لخلق بيئة اقتصادية واجتماعية وقانونية لطمأنة حركة الرأس المال. إن المعضلة الأولى هي تاريخية، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، ومن يقرأ تاريخ مرحلة ما بعد تأسيس الدولة العراقية، فسيشهد انقلابين عسكريين وسقوط عشرات الوزارات خلال الفترة الملكية، واربعة انقلابات عسكرية في التاريخ العراقي، ولم يشهد العراق الا فترة واحدة من الاستقرار السياسي والأمني، وهو بعد انقلاب البعث عام ١٩٦٨. وجاء هذا الاستقرار نتيجة فرض حكم استبدادي ودموي، استقرار عبر الحديد والنار. ودون هذا الاستقرار وهذا النوع من الحكم الدكتاتوري، لم تكن للطبقة البرجوازية التي مثلها سياسيا البعث الاستمرار بالسلطة طوال أكثر من ثلاثة عقود، تعمل على تأمين كل مستلزمات رأس المال والدفع بآليات عمل السوق الرأسمالية. ولم يكن وضع العراق استثنائيا، بل هو نموذج تكرر في المنطقة والعالم في القرن المنصرم، مثل نظام شاه إيران وبعد ذلك نظام الجمهورية الإسلامية في إيران التي تستمر إلى الان، ونموذج سورية وليبيا واليمن والسودان والجزائر ومصر وتشيلي والأرجنتين والبرازيل. وهذه المعضلة تنقلنا الى المعضلة الثانية، اذ ان مستلزمات رأس المال المحلي في العراق، كما نوهنا بحاجة الى أفضل الشروط للعمالة الرخيصة والخاملة، والتي تتكون من رخص الأيدي العاملة وساعات عمل طويلة وضمانات اجتماعية قليلة لا تخدش جيوب الشركات الرأسمالية بغض النظر عن جنسيتها ولا تعكر مزاج أصحابها بسبب احتجاجات عمالية مرتقبة ضدها. وهذه الشروط بحاجة الى حزمة من القوانين تؤمنها منها، مثلما نشاهدها الآن في مشروع قانون الحريات النقابية التي تفوض الحكومة بالتدخل بشؤون العمال وتشكيل نقابات صفراء، ومشروع قانون حرية التعبير التي تقمع أي حق بالتعبير والقانون الأخير بعنوان “مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي” وجميعها تعطي حزمة متكاملة لتأسيس نظام استبدادي من اجل منح الفرصة لجلب الاستثمارات. وهنا تأتي الحزمة الاقتصادية لتشجيع تلك الاستثمارات، منها تخفيض قيمة العملة المحلية وهي ما تشجع توظيف عمالة بأجور رخيصة عبر تخفيض قيمة العملة. أي على سبيل المثال عندما كانت الشركات الرأسمالية تصرف ١٠٠ دولار ب ١٢٠ الف دينار وتعطي اجرة للعامل مبلغ قدره ٣٦٠ ألف دينار، فبعد تخفيض العملة المحلية الى ١٥٠ الف دينار ل مائة دولار، فإن الرأسمالي عندما يصرف ١٠٠ دولار ب ١٥٠ الف دينار مع بقاء نفس الأجرة وهي ٣٦٠ ألف دينار، فسيكون الفائض في الفرق ٩٠ الف دينار يدخل الى ميزانية الشركات الرأسمالية، هذا ناهيك عن رفع سعر المحروقات وفرض الضرائب على السلع إضافة الى انخفاض القيمة الشرائية للدينار التي بها تمول الالة القمعية للدولة وفي نفس الوقت رمي الفتات منها لتأسيس دواوينية من جيش من الموظفين المرتبطين مباشرة بالنظام مثل المستشارين و١٢ الف مدير عام ووكلاء الوزراء الذي يجملون وجه النظام  ويدافعون عن أسسه. كل هذه العوامل ستؤدي الى اندلاع احتجاجات عمالية وجماهيرية تحول دون استباب استقرار اجتماعي ومن ثم سياسي. وستكون الطبقة البرجوازية امام خيارين اما الاستبداد وقمع الحركات العمالية والاحتجاجية من اجل شروط عمل وحياة أفضل أو التنازل عن قسم من أرباح الشركات الرأسمالية لصالح العمال والكادحين للحيلولة دون انفلات الأوضاع، واندلاع انتفاضة جديدة ولكن بسيناريو مختلف هذه المرة.

وفي النهاية فشلت الطبقة البرجوازية الحاكمة مع اكثر تياراتها انحطاطا سياسيا واجتماعيا الذي يمثلها الإسلام السياسي لحد الان في خلق الانسجام السياسي في صفوفها. وان ما تحتاج اليها هي الأيديولوجية الإسلامية بلباس طائفي، تتناغم وتنسجم مع حزمة من القوانين التي تعبر عن تلك الأيديولوجية في ترسيخ سلطتها، والمتمثلة بالقوانين المشارة اليها، لتصفية أي معارض ومخالف سياسي، وقمع أية حركة احتجاجية أو أي صوت تحرري تحت عنوان الدفاع عن الدين والطائفة والتقاليد مثلما هو موجود في ” الترويج للفيديوهات الهابطة” ومكافحة البغاء والشذوذ الجنسي” ومسودة قوانين حرية التعبير والحريات النقابية.

ويتقدم  جناح من الاطار التنسيقي المتمثل مثلما قلنا -المالكي والخزعلي والعامري- وتتعاطى معه حكومة السوداني هذا المشروع و يتطابق مع رؤية “التيار الوطني الشيعي” الصاحب الأصلي للقانون ” مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي” واعتبار “الغدير” عطلة رسمية. 

وبشكل اخر نلخص المعضلة الثانية التي فصلنا بشرحها قليلا كي نبسطه للقارئ، ان الطبقة البرجوازية الحاكمة التي تمثلها اليوم الاطار التنسيقي غير منسجمة كي تؤهلها بممارسة القمع المطلق، وبناء نظام استبدادي بشكل ديمقراطي لا يتعدى صناديق الانتخابات، وهي من تغلقها وبعد ذلك تقوم بفتحها، ومن يعترض هناك قوانين تقتص منه.  ومن جهة أخرى ان انتفاضة أكتوبر فتحت صفحة جديدة في وعي الجماهير بشكل عام وهو وعي تحرري، وتم اسقاط الهويات الطائفية، إضافة الى نمو وعي عمالي مطرد، فلذلك نشهد تاريخ جديد من حركات احتجاجية في قطاعات عمالية مختلفة.

واخير علينا ان لا نبلع الطعم، لما تروج لها الأحزاب الإسلامية من تلك القوانين، ومحاولات الاسقاط السياسي والأخلاقي لأي  شخص يعترض على قانون ” مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي”، فالمجتمع العراقي يقف في منعطف طريق، وهناك أرضية لانعطافة على مسار الإنسانية والتحرر واختيار جبهة التطور والمدنية والتحضر، ولكن بحاجة الى قوى جريئة وجسورة، تواجه المشاريع القروسطية للاسلام السياسي وهذه الجماعات التي عاثت بالأرض فسادا. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى