ما هي الحاجات الإنسانية ؟

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي

بكلية الاقتصاد – جامعة دمشق

من المعروف أن الحاجات الإنسانية متعددة ومتنامية ولكل إنسان احتياجاته من السلع والخدمات كما أن للمجتمع احتياجاته. والتنوع والتنامي في الحاجات الإنسانية يعني تعدد وتزايد كميات ما يحتاج إليه الإنسان من السلع والخدمات، كما يعني تجدد وتنامي هذه الاحتياجات مع مرور الزمن.
علم الاقتصاد هو العلم الذي يبحث في سلوك الإنسان المتعلق باستخدام الموارد الاقتصادية المتاحة لتلبية وإشباع الاحتياجات والرغبات الإنسانية المتنامية، أي سلوك الإنسان المتعلق بإنتاج وتبادل وتوزيع واستهلاك الخبرات المادية في المجتمع.
يشعر الإنسان الذي يعيش في مجتمع ما وفي مرحلة معينة من التطور التاريخي، بحاجته إلى أشياء مختلفة. فهو يحتاج إلى المأكل والملبس والمأوى، وأشياء عديدة أخرى. وبعض هذه الحاجات “Needs” طبيعي وضروري، لا بد من إشباعه للمحافظة على الحياة، أما بعضها الآخر فينشأ عن حقيقة كون الناس يعيشون بشكل جماعي “المجتمع”، وتقرره مجموعة من العوامل المعقدة التي تكون ما يسمى “الثقافة” لمجتمع معين. وقد تكون حاجات الإنسان فردية “Individual” أو جماعية “Collective”. (وعلى الرغم من أن الحاجات الإنسانية مستمدة أصلاً من الضرورة الحياتية، فإنها ناتجة عن وجود المجتمع ومتكيفة حسب مرحلة التطور التي بلغها ذلك المجتمع).( )
وإذا كان فقدان الشيء والحاجة إليه يحدث ألماً في النفس، فإن الحصول على هذا الشيء وتلبية حاجة الإنسان يورث اللذة والارتياح. لذلك نلاحظ أن الإنسان حريص على تلبية حاجاته، وتحقيق مأربه بأقصر الطرق.
الحاجة: هي الشعور بضرورة الحصول على شيء ما غير متوافر، والاحتياج هو المحور الذي تدور عليه جميع الأمور الاقتصادية وبسببه يقوم الإنسان بالعمل والإنتاج. والشعور بالحاجة ليس مختصاً بالإنسان وحده، بل إنه يشمل كل ذي حياة في هذا العالم كالنبات والحيوان. والحاجات البشرية متنوعة لدرجة يصعب حصرها، ومع ذلك يمكن تصنيفها حسب موقعها من تلبية الطباع البشرية إلى حاجات مادية وحاجات أدبية (فكرية)( ).
وبذلك تكون الحاجة عبارة عن إحدى الضرورات الطبيعية والاجتماعية اللازمة لاستمرار الحياة المادية للإنسان. (هي الشعور الغريزي أو العقلي الذي يدفع الإنسان إلى إحراز ما لا غنى عنه من الأشياء إما لأجل بقاء حياته أو لحفظ صحته أو لاستكمال أسباب أمنه وسعادته سواء أكان ذلك الشعور ناشئاً عن الرغبة أو منبعثاً عن الضرورة).( )
يحتاج الإنسان في حياته اليومية إلى عدد كبير من الحاجات منها ما هو ضروري لاستمرار حياته، عندما يشعر بالحاجة إلى الغذاء، أو لحفظ حياته من غوائل الطبيعة، عندما يشعر بحاجته للمأوى، أو لحماية صحته من تأثير الحر والبرد ويدرأ عنه الأمراض. والآلام. بالإضافة إلى حاجات أخرى للدفاع عن النفس والحصول على أسباب الراحة والسعادة وهي ما تسمى الحاجيات الفكرية والثقافية وغيرها مما قضت به تطورات الحياة والمدنية، وهي دائماً في تزايد مستمر، ولا تقف عند حد. لذلك لا توجد حدود للحاجات الإنسانية. فإذا أشبع الإنسان حاجة معينة، فسرعان ما تظهر حاجة أخرى.
وتلبية حاجة واحدة للإنسان قد تحتاج إلى أكثر من سلعة واحدة (إذا أراد الإنسان الكتابة يحتاج إلى الورق والحبر والقلم). لذلك تكون السلع متكاملة في بعض الأحيان لإشباع حاجة الإنسان. وهذا ما يسمى صفة (التلازم Complementarity) للحاجة. كما تتنافس السلع فيما بينها لتلبية حاجة الإنسان عن طريق وجود السلع البديلة التي يمكن أن تلبي الحاجة نفسها. وتقوم بالمهمة ذاتها الصفة التنافسية.
وتختلف الحاجات في أهميتها وفي حدتها، كما تختلف بحسب الزمان والمكان والأشخاص. وللحاجات صفة اللامحدودية “Unlimited” .( ) ومن الصعب تقسيم الحاجات إلى صنوف محدودة لكثرة عددها وتنوعها، ولكن من الممكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات رئيسة هي: الحاجات الضرورية، الحاجات الثانوية، وحاجات الترف. وذلك وفقاً لأحوال الإنسان المادية والمعنوية والاجتماعية.
المجموعة الأولى – حاجات مادية ضرورية لا يستغني عنها أحد كالطعام، والشراب، والكسوة، والمسكن. وتظهر الحاجة للغذاء والملبس والمسكن لدى الإنسان البدائي وكذلك لدى الإنسان في أكثر المجتمعات تقدماً ومدنية، والاختلاف هنا يظهر في طرق إشباع هذه الحاجات نفسها، مثلاً الإنسان البدائي يشبع حاجته للغذاء عن طريق أكل اللحم النيء، ولحاجته للملبس عن طريق جلود الحيوانات البرية وفروها، وحاجته للمنزل عن طريق المسكن في المغاور، في حين نرى أن الإنسان المتحضر وبخاصة في المجتمعات المتقدمة والغنية يلبي حاجته للغذاء عن طريق أغذية مختارة، ويلبس أزياء مدنية مختلفة، ويسكن في منازل مؤثثة جيداً، ومع هذا نرى الإنسان هذا أو ذاك يلبي ويشبع الحاجات نفسها التي تسمى الحاجات البيولوجية، وهذه هي المجموعة الأولى من حاجات الإنسان.
المجموعة الثانية – الحاجات الثانوية منها ما هو كمالي كالسياحة ومشاهدة المسرح، والسينما، والقراءة، والثقافة. وتظهر بصورة متفاوتة أو على درجات وهذا مرتبط بتطور الإنسان وعلاقاته مع بقية الأفراد وتبدل الظروف المحيطة به. بكلمة أخرى نستطيع القول إن مجال هذه المجموعة من الحاجات ونوعها يكونا مرتبطين بالمستوى الثقافي للمجتمع ويمكن تسميتها حاجات ثقافية، من هذا الحاجات مثلاً المسرح، الكتاب، السجاد، اللوحات الرحلات خارج البلد والسيارة، ومن السهل هنا ملاحظة أنه كلما ارتفع المستوى الثقافي لمجتمع معين ازداد حجم هذا النوع من الحاجيات.
المجموعة الثالثة – وهي حاجات التـرف والبـذخ مثل تأسيـس النوادي والجمعيات (أدوات اللهو).

التفريق بين المجموعات الثلاث سالفة الذكر مسألة نسبية، وتختلف بحسب البنية، والعمر، والزمان، والمكان. ( ) ويمكن أن تكون الحاجة هي عادة مستمسكه في النفوس فلا بد من تلبيتها كالتدخين، كما تنتشر الحاجات بين الناس بعاملي التقليد والاقتباس، وقد تكون الحاجة موروثة.
إن عملية تقسيم الحاجات إلى حاجات بيولوجية (طبيعية ضرورية) وحاجات ثقافية (كمالية) إنما هي عملية نسبية أي أنه لا توجد حدود واضحة بين هذين النوعين من الحاجات في أي بلد سواء أكان غنياً أم فقيراً. بالإضافة إلى ذلك فإن بعض الحاجات الثقافية قد تتحول إلى حاجات طبيعية بيولوجية في مجتمع ما مع نمو الإمكانات في هذا المجتمع وتطورها.
وإذا نظرنا للأمور من زاوية أخرى نستطيع أن نقسم الحاجات إلى حاجات فردية وحاجات جماعية، على سبيل المثال الحاجة للملبس حاجة فردية يشبعها كل فرد بطريقته الخاصة، وتعد حاجة الأمن وحاجات التسلية، الطرق، وسائل النقل …إلخ حاجات جماعية. إن ظهور الحاجات الجماعية جاء نتيجة للحياة المشتركة التي يعيشها الناس في المجتمعات، وتزداد هذه الحاجات مع ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة تعقيداتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى