ماذا يستفيد السوريون من عودة دمشق الى محيطها العربي ؟
الدكتور خيام الزعبي- جامعة الفرات
بعد محاولات عديدة إستمرت لسنوات بهدف عزل الدولة السورية وإسقاطها شهدت الساحة السياسية السورية تحولاً كبيراً في مواقف عدد من الدول نحو الأزمة السورية، حيث سعت الدول العربية إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، بعد أن تفهمت أن محاربتها للحكومة السورية لن تجدِ نفعاً، لتدرك أن قرار القطيعة مع سورية كان متسرعاً، لذلك هناك إتصالات مكثفة مع عدد من العواصم العربية، هدفها إعادة العلاقات بين دمشق والدول العربية إلى ما كانت عليه في السابق، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا يستفيد المواطن من عودة سورية الى الحاضنة العربية ؟
في هذا الخصوص، تعد خطى إعادة تطبيع الدول العربية علاقاتها مع سورية ذات أهمية كبيرة لسورية وعودة لشعلة الأمل وعنواناً لفجر جديد سيسهم في تعزيز العلاقات التجارية بين سورية والدول العربية، وتطوير الشحن عبر السكك الحديد وزيادة الترانزيت وتنمية الاستيراد والتصدير، بالتالي توفر هذه العلاقات فرصة لنقل النفط الخليجي والعراقي براً الى سورية، وهو أمر مهم لدمشق المحرومة من الوصول إلى حقولها النفطية في شمال شرق البلاد.
على خط مواز، إن التطبيع العربي مع سورية هو مكسب سياسي واقتصادي سيؤدي الى تفعيل الحركة التجارية والاقتصادية و زيادة الاستثمارات السعودية والاماراتية في سورية وهذا بدوره سيعزز تحسين الأوضاع المعيشية لدى المواطن و إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي علاوة على ذلك دعم المشاريع وتوفير فرص عمل كبيرة التي تشجع على زيادة الإنتاج والخدمات والمواصلات والنقل والسياحة والتسوق، وزيادة العرض والطلب.
هنا لا بد أن نذّكر بقدرة سورية على الإستشعار عن بعد فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأمريكية ضد سورية كونها تملك مجموعة كبيرة من الخيارات بهذا الشأن، بحيث لديها تجربة كبيرة في إعتماد سياسة الإكتفاء الذاتي يمكن الإستفادة منها وهذا كان له دور كبير في تدعيم صمود سورية، والأهم من ذلك، أن اللبنة الاقتصادية السورية، هي لبنة صخرية تقوم على أساسات اقتصادية متينة، استطاعت سورية أن تجذِّرها أكثر على مدى سنوات الحرب الكونية ، من خلال تحالفاتها الاقتصادية مع أصدقاءها، وإنطلاقاً من ذلك إن الشعب السورية الذي يُعد مركز الثقل السياسي المقاوم سيستمر بصموده في مواجهة هذه الحرب الشرسة ولن يقبل بالهزيمة وستبقى سورية قادرة على مواجهة كل التحديات القادمة كما واجهتها سابقاً، وبطبيعة الحال لن تقف دمشق مكتوفة الأيدي أمام العقوبات الأمريكيَّة، وستتوجه لاتِّباع مجموعة من الاستراتيجيات والخيارات من أجل إبطال فاعلية العقوبات الخطيرة، بخاصة تلك التي تتعلق بالتجارة والتبادلات المالية مع العالَم الخارجي.
في إطار ذلك ستنهض سورية وتنتفض وتُعيد ترتيب سلالم المجد، وتبث الثقة والأمان فى نفوس شعبها بفضل يقظة أبنائها المخلصين الذين يعرفون أن غرق سورية هو غرق للأمة العربية كلها، وأن تغييب سورية هو السبيل الأول لإعادة رسم خارطة المنطقة، وتقسيم دولها، وتوزيع الأدوار فيها.
مجملاً… إن سورية باتت اليوم مفتاح المنطقة وقلبها والطريق الوحيد لوضع الإقليم على المسار الآمن، بعد أن أدركت الدول أن سورية ليست معزولة وأنها دولة مركزية في المنطقة، وما يجرى فيها له إرتداداته على الإقليم بأكمله، فاليوم الجميع بات مقتنعاً بحاجتهم لتسوية الأزمة في سورية، فالذين كانوا يراهنون على الحل العسكري باتوا الآن يبحثون عن مخرج سياسي للأزمة فيها.
وأخيراً إن الحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين بأن هذه المرحلة ستكون مليئة بالمغامرات والمفاجآت، فالمنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة ستؤسس توازنات وتحالفات جديدة، وها نحن نعيش إنتصارات سورية وتراجع أعدائها بعد سنوات من الفشل والهزائم المتكررة.