ماذا يريد كبار العالم من الدول المنتجة للطاقات الأحفورية والنظيفة ؟ .. حروب الطاقة
عبد علي عوض
في ظروف ألإقتصاد ألحر، تتحدد أسعار مختلف السلع بالعرض وألطلب بصورة منفصلة في البلد الواحد أو في عدة بلدان، أي أنّ تقلبات تلك ألأسعار لا تؤثر على عموم ألإقتصاد العالمي، بإستثناء سلعة واحدة هي[ النفط] ألتي تؤثر مباشرةً بتأرجح أسعارها على إقتصاديات جميع الدول، ولكون النفط سلعة ستراتيجية ليس فقط للبلدان المنتجة، إنما للبلدان المستهلكة أيضاً، فإنّ المعروض النفطي في السوق العالمية، تتدخل عوامل مختلفة بتحديد أسعاره: دولية سياسية تناحرية كألحروب وجغرافية طبيعية كتعرّض المناطق المنتجة للنفط إلى زلازل أرضية.
تُعتبَر روسيا ثاني أكبر منتج للنفط في العالم من خارج دول منظمة أوبك، تلعب دوراً أساسياً بتحديد أسعار النفط من خلال التنسيق مع أوبك … والمهمة الحقيقية لروسيا في الحرب” الباردة” و” ألساخنة” في مجال الطاقة، تتمثل ليس بتواجدها العسكري – السياسي في المناطق المختلفة، بَل بألتنمية السريعة لإقتصادها.
إنَّ صندوق النقد ألدولي ومنظمة التعاون ألإقتصادي والتنمية، تتكهن بأن ألناتج المحلي ألإجمالي العالمي في العامين 2018 و2019 سيزداد بنسبة 3,9 ، وإذا حافظ ألإقتصاد العالمي مستقبلاً على نسبة 3% من النمو سنوياً، سيتضاعف الناتج المحلي ألإجمالي العالمي بمرتين في عام 2040 بألمقارنة مع ألقيَم الحالية. هذا التقييم لآفاق التنمية ألإقتصادية في العقدين القادمين، تمَّ وضعه في تنبؤات غالبية وكالات الطاقة وشركات النفط وألغاز ألعالمية.
إنّ النمو ألإقتصادي وإرتفاع الرفاهية بصورة متناسبة، يؤدي إلى زيادة ألطلب ألعالمي. عند ذلك، فإنّ ألإحتياجات البشرية المتزايدة في مصادر الطاقة والمواد الخام في صناعة الطاقة الكهربائية، النقل، الصناعة، البناء وإستهلاك الطاقة المنزلية، ستكون قانعة وراضية عن الوقود ألأحفوري التقليدي ألذي يتضمن النفط والغاز الطبيعي والفحم. ووفقاً للبحوث من قِبل وكالات الطاقة، بحلول عام 2040، سيوفر النفط والغاز 57% من الطلب المتزايد على الطاقة. إنّ إدخال قدرات المحطات ألكهروذرية ستكون قليلة وغير متناسبة بألمقارنة مع المقاييس ألمستقبلية لتوليد الكهرباء، وتمثل الطاقة النووية 7% فقط من إجمالي رصيد الطاقة خلال 20 عام.
أما بألنسبة للطاقة ألخضراء، وعلى الرغم من تطورها بوتائر متسارعة، لكن مصادر الطاقة ألمتجددة( م ط م) لن تكون قادرة على تغطية ألإحتياجات المتزايدة للبشرية بألكامل: حصة ( م ط م) في رصيد الطاقة” بضمنها المحطات الكهرومائية” ستكوّن 16% فقط بحلول عام 2040، خاصةً وأنّ البلدان النامية ستخلق الطلب الرئيسي على الطاقة، بيدَ أنها لن تستطيع إدخال واسع النطاق لـ ( م ط م) لعدم إمتلاكها ألأموال ألكافية.
أمّا بألنسبة للبلدان ألمتقدمة، فهنالك نمو إقتصادي وحتى تقدم تكنولوجي يُحسِّن كفاءة الطاقة ويجعل نمو إستهلاك ألطاقة أعلى على المستويين ألجزئي وألكلّي. في النظرية ألإقتصادية، يتم توصيف العبث لجهود الحفاظ على الطاقة من خلال ما يُسمى بـ « مفارقة جيفونس» ومُسلّمَة« هازوم – بروكس».
وفقاً لتقديرات الحاجة إلى الطاقة ألأولية، في العشرين سنة القادمة، لن تتمكن الحضارة البشرية من ألإستغناء عن النفط ألذي سيزداد إستهلاكه بنسبة 20% من المستويات الحالية، ويعود ذلك أساساً إلى قطاع النقل، وكذلك الغاز الطبيعي، حيث سيصل نمو ألإستهلاك إلى 38%.
ألحرب بدلاً عن ألقوة ألناعمة!
لسوء ألحظ، إنّ ألإقتصاد العالمي وألطاقة ألعالمية لن يستطيعا ألتحرر والخروج من إطار الجغرافية ألسياسية. فألإنسحاب ألأمريكي أحادي ألجانب من الصفقة النووية مع إيران، ألذي يهدد بخفض إمدادات النفط بمقدار مليون برميل يومياً هو عامل واحد فقط من مراحل زعزعة ألإستقرار في الشرق ألأوسط.
إنّ إحتمالات توسيع منطقة الصراع في المستقبل ألقريب يمكن الحكم عليها من خلال بيان وزير الدفاع ألأمريكي” جيمس ماتيس” ، ألذي قال أنّ ألبنتاغون يطلب من الكونغرس زيادة ألتمويل للعمليات ألعسكرية في منطقة الشرق ألأوسط لعام 2019، وتنص ميزانية ألبنتاغون لعام 2019 على الزيادة المستمرة لشراء ألأسلحة المفضلة والحديثة ألتي تحتاجها العمليات الجارية في ألشرق ألأوسط.
ألإنتعاش ألإقتصادي لجنوب وجنوب شرق آسيا وتعزيز موقع روسيا دولياً والتغيّرات في ألإتجاهات لمنطقة ألشرق ألأوسط، جميعها تساهم في تغيير النظام العالمي الحالي، والعولمة ألأمريكية تتباطأ ولم تعد تجلب ألأرباح كما كانت في السابق.
في كانون ألأول/ ديسمبر من العام الماضي 2018، وقّع الرئيس ألأمريكي دونالد ترامب وثيقة فقهية رفيعة المستوى « إستراتيجية ألأمن القومي للولايات المتحدة»، ألتي تهدف إلى الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة وإستعادة ألميزة ألتنافسية لأمريكا بما في ذلك من خلال ألمبدأ المُعلن« ألسلام من خلال ألقوة».
من أجل ألحفاظ على تفوقها في العالم، تضطر الولايات المتحدة إلى ألإعتماد على القوة العسكرية، وليس على إستمرار ألتكامل ألإقتصادي لمختلف ألبلدان تحت قيادة ألشركات ألعابرة للوطنية وجاذبية المفهوم ألأمريكي للعالم.
عندما تتحول« القوة الناعمة» إلى « قوة قاسية»، يكون ذلك التحوّل محفوف بالصراعات على المستويين ألإقتصادي والسياسي وحتى الحروب ألإقليمية. ومما لاشك فيه أنّ إستخدام القوة من قِبَل الولايات المتحدة أو حلفائها، سوف يثير ردود أفعال.
إنّ صراع أية دولة للحفاظ على مكانتها في العالم هو صراع ” بما في ذلك الطاقة” مَن يتحكم في طاقة العالم ألتي بدورها تتحكم بألعالم كله: بدون الطاقة لا تستطيع البشرية العيش والوجود. وهذا يعني أنّ العالم سيشهد خلال العقد القادم صراعاً بين الدول الرائدة للسيطرة على مصادر الطاقة والثروات الهايدروكاربونية. وخلافاً للحروب التجارية والمعلوماتية – ألإعلامية والعملات الصعبة، فإنّ حروب الطاقة ستؤدي إلى سفك دماء حقيقية.
ألصـراعـات سـتمُـسُ مَن؟
ألمنطقة ألأولى ألمعرضة لخطر ألإنخراط في صراع عسكري هي الشرق ألأوسط، لكونها تؤمِّن ثلث حاجة ألسوق العالمية من النفط.
إنّ ألأزمة ألإقتصادية وألإضطرابات ألسياسية في فنزويلا ألتي تمتلك أكبر إحتياطي نفطي مثبَّت في العالم – 301 مليار برميل، بزيادة 35 مليار برميل على إحتياطي السعودية، ستؤدي أيضاً إلى ارتفاع ألأسعار.
وبنتيجة العمليات الجارية، ستشارك جميع ألدول ألرائدة في الصراع من أجل النفوذ في مناطق النفط والغاز.
لم يصبح ألعالم في القرن الحادي والعشرين أكثر أماناً، ولم تختفِ معضلة الطاقة ألأمريكية ألمزعومة، والشعب ألأمريكي يريد وفرة من الطاقة الرخيصة من دون أن يقدم تضحيات بشرية. وأية أزمة في قطاع الطاقة أو إنقطاع إمدادات الخامات الهايدروكاربونية، ستؤدي بسرعة إلى أزمة إقتصادية وتؤثر سلباً على ألأمن القومي ألأمريكي.