أحوال عربيةأخبارأمن وإستراتيجية

ماذا يحدث بين حزب الله و اسرائيل ؟

الجبهة الشمالية…. الرد والرد على الرد

راسم عبيدات

عمليات الرد التي قام بها حزب الله اللبناني على قيام الجيش ” الإسرائيلي ” بإغتيال القائد الميداني في الحزب عبد الله طالب ” ابا طالب” ورفاقه الثلاثة في بلدة جويا اللبنانية، والتي أطلق فيها الحزب اكثر من 400 مقذوف خلال يومين، أمس الخميس 13/6/2024 وأول أمس الأربعاء 12/6/2024،ما بين صاروخ
متوسط وثقيل وصواريخ مضادة للدروع والمسيرات الإنقضاضية،ضد اهداف ” اسرائيلية” عسكرية وحيوية في الجولان المحتل والشمال الفلسطيني …والتي تشكل 20% من المقذوفات ال 2000 التي أطلقها الحزب خلال 8 شهور …هذه الإطلاق الكثيف والواسع،جعل الحزب يسيطر على الحياة والأمن والوضع والأجواء في المنطقة الشمالية،حيث اشعل رد الحزب حريق شامل في المناطق الشمالية من الجليل…وليدفع هذا الوضع برؤوساء وسكان المستوطنات الشمالية الى توجيه انتقادات حادة وإتهامات للحكومة والجيش بالتخلي عنهم،وترك مصيرهم وعودتهم الى مستوطناتهم تحت رحمة زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله….وكذلك وسائل الإعلام العبرية ،كانت تجمع على أن الدولة في حالة من التراجع والتفكك والإنهيار غير المسبوق .
تصريحات السيد هاشم صفي الدين الرئيس التنفيذي لحزب الله ومسؤول جناحه العسكري،التي ادلى بها اثناء تشييع جثمان الحاج ” ابا طالب ” الذي اغتالته “اسرائيل” ورفاق ثلاثه آخرين له في بلدة جويا اللبنانية،التي قال فيها بأن على المجتمع “الإسرائيلي” أن يتحضر ل” البكاء والعويل”،كانت تعني بأن حزب الله سيرد على اغتيال قادته بشكل قاس وعنيف ….ويبدو بأن الخطابات النارية و”العنتريات” التي كان يطلقها قادة ” اسرائيل” عسكريين وأمنيين وسياسيين بردود”مزلزلة ” ومجلجلة” تعيد لبنان الى العصر الحجري،وتمسح الضاحية الجنوبية عن الوجود،لم تعد قائمة،او تثير الخوف والهلع عند اللبنانيين،حيث بات واضحاً بأن هذه العنتريات واللغة ذات ” الدوزان” والنبرة العالية، تم التخلي عنها،لقناعة القائلين بها،بأن الحزب لديه من القدرات العسكرية والتسليحية والصواريخ بأنواعها المختلف بما فيها الدقيقة والبعيدة المدى،وذات القوة التدميرية الهائلة،وكذلك الأجهزة والقدرات الإستخبارية والأمنية والوسائل التكنولوجية وأجهزة الرصد والمتابعة والإستكشاف ..الخ،ما يمكنه من ان يلحق ضرراً كبيراً في البنية التحتية ل” اسرائيل” من طرق ومحطات وقود وقطارات وكهرباء وماء ومنصات غاز والمناطق الحيوية والإستراتيجية عسكرية وأمنية واقتصادية ،وليس لبنان المدمر بالأساس،هو وحده من يتضرر من مثل هذه الردود أو الذهاب الى حرب شاملة مع الحزب …ولذلك بقي الأمريكي يحرص على القول، بأن المدخل لوقف التصعيد على الجبهة اللبنانية،وقف الحرب في قطاع غزة،وأي انزلاق لحرب شاملة على الجبهة الشمالية، من شأنه ان يشكل مخاطر جدية على القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة في العراق وسوريا والخليج العربي وحتى تركيا واليونان،وهذا الهاجس لا يسيطر على بايدن والإدارة الأمريكية فقط،بل فرنسا ودول الغرب الإستعماري تعيش هذا الهاجس،ولذلك على هامش قمة الدول السبع التي عقدت مؤخراً في ايطاليا، دعت فرنسا لتشكيل لجنة ثلاثية أمريكية – فرنسية – “اسرائيلية” لبحث الوضع على الجبهة الشمالية …وقد رفضتها ” اسرائيل”.
المستوى العسكري أوصى المستوى السياسي بوقف الحرب على رفح ونقلها الى الجبهة الشمالية،من خلال سحب المزيد من الألوية العسكرية العاملة في القطاع الى الجبهة الشمالية،وكذلك الحديث عن المناورات في الشمال واستكمال الإستعدادات لشن حرب شاملة على حزب الله ،وبأن الحرب على لبنان باتت قريبة،ولكن التصريحات والتهديدات شيء والترجمة على أرض الواقع شيء اخر، فنتنياهو يدرك تماماً بأن حرباً شاملة على لبنان،وما سيكون لها من تداعيات،قد يكون منها التهديد الوجودي ل” اسرائيل”،وكذلك قد يفرض عليه دولياً وقف لإطلاق النار بدون شروط،والتفاوض على إطلاق سراح الأسرى بدون حرب،ولذلك هو يفضل أن يستمر في الحرب على قطاع غزة،والتفاوض على مصير الأٍسرى تحت النار،بدل من شن حرب شاملة على لبنان،ولذلك هو ارجأ اجتماع مجلس الحرب بصيغته الجديدة حتى يوم الأحد،حيث دعا له قادة الأجهزة الأمنية ورئيس اركان جيشه هيرتسي هليفي ، للبحث في التطورات على الجبهة الشمالية،والردود على التصعيد الذي يقوم به حزب الله اللبناني،ويبدو بأن تأجيل اجراء هذا الإجتماع،يقول بأن نتنياهو يريد ان يستوعب رد حزب الله على اغتيال القائد عبد الله طالب” أبا طالب” ،وكذلك أرسل وفد ” اسرائيلي” الى واشنطن على عجل للبحث في التطورات على الجبهة اللبنانية،وهذا لا يعني بأن نتنياهو قد وصل الى قناعة التسليم بشروط الهزيمة،ولكن هو يدرك تماماً بأن ذهابه لحرب شاملة مع حزب الله،غير ممكن بدون موافقة ومشاركة أمريكية،ليس فقط لجهة التغطية السياسية والقانونية،بل لجهة المشاركة العملياتية واللوجستية والمشاركة في هذه الحرب ،ولقناعة أمريكا بأن هذه الحرب ، سيكون لها تداعيات كبيرة جداُ تطال الإقتصاد العالمي وتدفق الطاقة ،ومصير ووجود “اسرائيل”،ولذلك هي تعمل على كبح جماح نتنياهو وحلفائه من المتطرفين،الذين يريدون خلط الأوراق والهروب نحو الأمام بإتجاه توسيع الحرب نحو الجبهة الشمالية.
قادة ” اسرائيل” يقرون بالهزيمة ويحذرون من الزوال، وأن ” اسرائيل” قد خسرت على الجبهتيْن الشماليّة ضدّ (حزب الله) والجنوبيّة ضدّ (حماس)، وتُطالِب تلك القيادات علنًا بالاعتراف بالإخفاق الإستراتيجيّ والهزيمة على الجبهتيْن والتوجّه لانتخاباتٍ عامّةٍ مبكرّةٍ لمنع الكارثة، كما أكّد رئيس الوزراء الإسرائيليّ سابقًا، إيهود باراك، في مقالٍ نشره اليوم الجمعة في (هآرتس) العبريّة، في حين قال اللواء المتقاعد غادي شيمني، القائد السابق لمنطقة الوسط ومنطقة غزّة، في مقابلةٍ مع إذاعة (103 إف.إم) العبريّة، إنّ ردّ حزب الله على اغتيال القائد، طالب سامي عبد الله (الحاج أبو طالب)، يؤكّد إنّ ردّ الحزب بشكلٍ غيرُ مسبوقٍ، على عملية الاغتيال وعدم الردّ من الجيش الإسرائيليّ، يؤكِّد أنّ قوّة الردع الإسرائيليّة انتهت،وبأن حزب الله منذ ال 8 من اكتوبر أدخل ” اسرائيل” في حرب استنزاف لا تبدو نهاية لها،وأضاف بأن الحديث عن النصر والنصر المطلق ما هي إلا أكاذيب ونتنياهو يعرف الحقيقة.
أما جنرال الإحتياط العقيد اسحق بريك،وهو من المقربين لصناع القرار،فهو يقول أنّ الحرب على غزة ولبنان تذكّرنا بالحرب العالمية الأولى حين قفز الجنود من الخنادق وركضوا مكشوفين وأجسادهم عرضة لنيران قاذفات اللهب القاتلة ورصاص البنادق، وسقطوا جماعات.وفي مقالة مطولة له في جريدة “معاريف” العبرية نشرت اليوم الجمعة 14/6/2024،يصف بريك قادة “اسرائيل” نتنياهو وغالانت وهليفي بالمستبدين الذين يريدون فرض افكارهم ورغباتهم على الغير،وهؤلاء لو كانوا في دولة ديمقراطية لكان مصيرهم السجن.
أمّا نائب قائد المنطقة الشماليّة، الجنرال إسحاق غرشون، الذي قال بمقالٍ نشره اليوم الجمعة بموقع القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ :”خدمت في منصبي منذ بداية الحرب في أكتوبر وحتى اليوم على الجبهة الشماليّة، إسرائيل تركض بشكلٍ هائجٍ نحو اللا معروف، ورأسها سيصطدم حتمًا بالحائط”، لافتًا إلى أنّه “من الناحية الإستراتيجيّة ما زالت دولة الاحتلال في ارتباكٍ شديدٍ وخطيرٍ”، ولذا، أضاف، “يتحتّم علينا وقف الحرب في الشمال والجنوب فورًا وإعادة التفكير من جديد، والاستعداد للحرب الإقليمية الشاملة حسب قوله ،اللواء احتياط في الجيش الإسرائيلي يفتاح رون طال قال: إن “حزب الله أنشأ منطقة أمنية داخل البلاد، فبدلًا من أن تكون في جنوب لبنان هي الآن في شمال إسرائيل، نحن نخسر الجليل، معظم الناس لن يعودوا.
صحيفة “معاريف” الإسرائيلية قالت أنَّ “إسرائيل واقعة في أخطر خطر وجودي لها منذ تأسيسها عام 1948”.
وفي إشارة إلى سياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (بيبي كما يسميه أنصاره)، قالت الصحيفة إن “البيبية بكتيريا مفترسة تأتي على كل ما هو جيّد، فهي آلة سموم، فككتنا من الداخل، وحولت إسرائيل من مجتمع متكتل، إلى سفينة تبحر نحو جبل الجليد”.
هذه التصريحات والأراء والتحليلات التي تصدر عن قادة وخبراء “اسرائيليين” تعكس حالة التخبط والإرباك التي تعيشها ” اسرائيل”،وعدم القدرة على خوض حرب شاملة على الجبهة الشمالية، لنقص في عنصرها البشري وتأكل في معنويات جنودها وتراجع دافعيته نحو القتال ،وتفكك في مؤسستيها العسكرية والأمنية،ولذلك ستبقى الحرب على الجبهة الشمالية في إطار الرد والرد على الرد بعيداً عن الحرب الشاملة،التي قد تشكل تهديد حقيقي لوجود ” اسرائيل” ،بلسان قادتها وخبرائها ومحلليها العسكريين والأمنيين وصناع الرأي.

فلسطين – القدس المحتلة
14/6/ 2024
[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى