ماحدث في السّنة الرّابعة
ماحدث في السّنة الرّبعة من خلال من كتاب نور اليقين 22- معمر حبار
هروب بني أسد، ونصر دون حرب:
قال الكاتب: “في بدء السنة الرابعة بلغ رسول الله أن طليحة ابني خويلد الأسديين يدعوان قومهما بني أسد لحربه عليه السلام فدعا أبا سلمة ابن عبد الأسد المخزومي وعقد له لواء وقال له: سر حتى تنزل أرض بني أسد ابن خزيمة فأغر عليهم… فأغار عليهم فهربوا من منازلهم … ولم يلق حربا”. 145
أقول: لايتساهل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم باعتباره رئيس الدولة، والقائد الأعلى للجيش مع كلّ من يهدّد أمن، واستقرار المجتمع ولو كان قليل العدد، وضعيف العدّة. وتعامل معه بقوّة رادعة له، ولغيره، ودون تردّد، ولا تراجع.
من ناحية ثانية: لم يعد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينتظر قدوم العدو لدولته، وحدوده بل انتقل إلى مرحلة السّير إلى دار العدو ليقتصّ منه ولا يترك له فرصة الاستعداد، وجمع الأعداء، والأعداد فيبغته في حينه، ويجتثّ شرّه، ويفرّق جمعه.
السرية الثّانية:
قال الكاتب: “وفي بدئها أيضا (أي بدء السنة الرّابعة) بلغه عليه السلام أن سفيان بن خالد بن نبيح الهزلي المقيم بعرفة (موضع قريب من عرفات) يجمع الجموع لحربه فأرسل له عبد الله بن أنيس الجهمي وحده ليقتله… وقتله ثم ارتحل حتى أتى المدينة ولم يلحقه الطلب وكفى الله المؤمنين القتال”. 145
أقول: لاتسامح مع من يسعى لزعزعة أمن، واستقرار الدولة، والمجتمع عبر قتل رئيس الدولة، والقائد الأعلى. وكلّما كانت طريقة قتل القاتل المعتدي مضمونة النتائج، محدودة العواقب، تعني فاعلها المجرم، وتحمي الأبرياء كانت أفضل وأحسن.
السّرعة، والسّرية، والدهاء، وقوّة من قام بتنفيذ أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واختيار الرجل المناسب لتنفيذ أمر القائد كلّها من عوامل قبر جريمة قتل الرئيس، والقائد في حينه، وقبل أن يجمع قواه، ويتعاظم شرّه. وهذه من عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكلّ من رزق صفات القائد العظيم الذي يحافظ على أمن، واستقرار الدولة، والمجتمع.
سرية الثّلاثة الذين قتلهم الكفار بالرجيع
قال الكاتب: وفي صفر من السّنة الرّابعة “أرسل عليه الصلاة والسلام عشرة رجال عيونا على قريش مع رهط عضل والقارة الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلّملى الله عليه وسلم يطلبون من يفقههم في الدين (…) حتى إذا كانوا بالرجيع غدر بهم أولئك الرهط ودلو عليهم هذيلا قوم سفيان ابن خالد الهزلى الذي قتله عبد الله بن أنيس فنفروا إليهم فيما يقرب من مائتي رام (…) فلما أحس بهم رجال السرية لجأوا إلى جبل هناك فقال لهم الأعداء. انزلوا ولكم العهد ألا نقتلكم (…) ولما رأى الثلاثة عين الغدر امتنع أحدهم فقتلوه، وأما الاثنان فباعوهما بمكة ممن كان له ثأر عند المسلمين وهناك قتلا، وقد قال حبيب ابن عدي حين أرادوا قتله…”. 146
أقول: حقد بعض الكفار على المسلمين لاينتهي، والتّربص بهم لاينقطع. والقتل، والغدر صفة كلّ حاقد على المسلمين، واسغلال الأبرياء المتعاهدين لقتلهم، وبيعهم، والغدر بهم طبيعتهم التي لايتخلون عنها.
جاء الكفار لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من باب “يطلبون من يفقههم”. فوجبت الحيطة، والحذر منهم.
تمثّلت خطورة غدر الكفار في أنّهم حرموا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العيون العشرة التي أرسلها لقريش. مايعني أنّه صلى الله عليه وسلّم مازال في حالة حرب. وأصبح الكافر الغادر طرفا في الحرب ضدّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعونا لعدوه قريش ضدّه صلى الله عليه وسلّم.
والخطورة الثّانية أنّهم قتلوا أصحابه، ومكّنوا أعداءه قريش من قتلهم بأبشع صورة.
سرية القراء الذين قتلهم الكفار ببئر معونة:
قال الكاتب: في نفس الشهر من صفر، “وفد على رسول الله أبو عامر بن مالك. قال: لو بعثت معي رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال عليه السلام: إني أخشى عليهم أهل نجد. فقال أبو عامر: أنا لهم جار فأرسل معهم المنذر بن عمرو في سبعين من أصحابه كانوا يسمون القراء لكثرة ماكانوا يحفظون من القرآن (…) حتى إذا نزلوا بئر معونة أحاطوا بهم: وقاتلوهم حتى قتلوهم عن آخرهم بعد دفاع شديد لقلة عددهم وكثرة عدوهم (…) وكان وصول خبر هذه السرية والرجيع في يوم واحد فحزن عليهم صلى االه عليه وسلم حزنا شديدا وأقام يدعو على الغادرين بهم شهرا في الصلاة”. 146
أقول: تكمن الضربة الشّديدة التي تلقاها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في كون الغدر، والخيانة، والقتل كان مضاعفا لأنّه وقع في نفس الشهر، وجاءه الخبر في نفس اليوم.
من النّاحية الزّمنية: كان قتل العلماء، والقرّاء في السّة الرّابعة من الهجرة. أي الدولة يومها كانت فتية، طرية، وليست بالقوية وقد خرجت للتّوّ من غزوة أحد.
من ناحية الأشخاص: فإنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم تعرّض لخيانة، وغدر الأخ. فهم عرب وليسوا روم، ولا فرس. ولذلك لم يرفض لهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم طلبهم، واستجاب له.
خيانة الأخ: المتأمّل في طبيعة الأخ، والجار أنّ غدره، وخيانته تفوق في الحجم، والضرر غدر، وخيانة العدو الكافر. لأنّه يأتيك باسم الأخ، ومن أفضل الأبواب إليك. وهؤلاء الخونة دخلوا من باب طلب تعليمهم، وتدريسهم، وحفظهم للقرآن الكريم. فارتكبوا أفضع الجرائم حين كذبوا، وقتلوا، وخلفوا الوعد، واستغلوا تعظيم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم للعلم، والقرآن الكريم، ونشره، وتدريسه، وحبّه للعلماء، والحاملين لكتاب الله عزّوجل. فجمعوا كلّ خصال الغدر، والجرم ليحاربوا كلّ خصال الرّفعة، والسّمو، والطهر، والبياض، والعظمة.
دعاء القنوت: تعلّم المسلمون من هذه الحادثة الأليمة من النّاحية الفقهية سنّة القنوت. لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أوقف الدعاء على الدعاء على الكفار الذين غدروا بأصحابه صلى الله عليه وسلّم. لكنّه ظلّ يدعو دعاء القنوت في الصّلاة حتّى لقي ربّه راضيا عنه. وما زلنا على سنّة سيّدنا رسول الله صلى الله المتعلّقة بالقنوت إلى أن نلقى ربّنا.
الأربعاء 3 رمضان 1445هـ، الموافق لـ 13مارس 2024
الشرفة – الشلف – الجزائر–