أحوال عربيةأخبارأخبار العالم

لماذا لا تنجح الهدنة في غزة؟

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري

لا تزال المفاوضات عبر الوسطاء الدوليين، مصر وقطر، بالتعاون مع الولايات المتحدة، للتوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل يفضي لوقف النار بغزة وإطلاق الأسرى والمحتجزين، عالقة ولم تفلح حتى اليوم في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار .

الملفت هنا أن حركة حماس رحبت باقتراح السلام الأميركي الجديد ، لكنها تصر على أن أي اتفاق يجب أن يضمن إنهاء الحرب، وهو مطلب لا تزال إسرائيل ترفضه. ووصفت إسرائيل رد حماس على هذا الاقتراح بأنه رفض تام.

بموازاة ذلك تحتاج الحركة موقفاً إسرائيلياً واضحاً بقبول وقف إطلاق النار، وقبول شروط حماس بانسحاب إسرائيل من غزة، وترك الفلسطينيين يقررون مستقبلهم بأنفسهم وإنهاء الحرب ورفع الحصار.

في هذا السياق طالبت حماس إضافة روسيا والصين وتركيا إلى قائمة الدول الضامنة للاتفاق المرتقب، إضافة للولايات المتحدة ومصر وقطر، بالمقابل إن هذا الطلب رفضته اسرائيل، كما رفضته الولايات المتحدة، خاصة بسبب إدراج روسيا والصين ضمن الدول الضامنة للمفاوضات والاتفاق الذي سيتمخض عنها.

مما لا شك فيه إن الفجوة التي تمنع الانتقال لمفاوضات أكثر جدية هو أن حماس تطالب بالإفراج عن عدد سجناء فلسطينيين “أكبر من العدد الذي تم الإفراج عنه خلال التهدئة السابقة”، كما تطالب حماس بتقديم عملية إعادة إعمار قطاع غزة من المرحلة الثالثة إلى الأولى المخصصة لإطلاق الأسرى، كما تريد تعهداً من إسرائيل بأنها لن تستأنف إطلاق النار بغض النظر عن عدم التوصل لتوافقات على المراحل التالية بعد المرحلة الأولى، وهنا يرى نتنياهو أن مطالب حماس خيالية ووهمية.

جميع المعطيات تشير الى أن نتنياهو يختلق الذرائع لمواصلة العدوان على قطاع غزة وعدم الذهاب لصفقة تبادل مع حركة المقاومة الإسلامية ( حماس) ،لأن نتنياهو واليمين المتطرف لا يريدان أي صفقة مع حماس بل يريدان استسلامها، بالمقابل نتنياهو يوسع عملية رفح ويعمقها وفق المستجدات الميدانية العسكرية، حيث إنه ينفذ العملية حاليا بشكل بطيء وتدريجي وينتظر نتائج الميدان بهدف إطالة الحرب، فهو يختلق الحجج ويخدع الرئيس الأميركي بايدن ويتلاعب به، كما يمارس الخداع مجددا للمجتمع الإسرائيلي “الذي لم يعد يثق به”، في هذا السياق تواصل قوات الاحتلال شن مئات الغارات والقصف المدفعي وتنفيذ جرائم في مختلف أرجاء قطاع غزة، وارتكاب مجازر دامية ضد المدنيين، وتنفيذ جرائم مروعة في مناطق التوغل، وسط وضع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 90 % من السكان.

نتنياهو يعلم أنه لو تمت التسوية السياسية فهو فاشل في حرب أعلنها بهدف واضح وهو القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى، وفي ظلّ حماقاته وإجرامه ضحى بحياة الكثير من الأسرى والرهائن في سبيل تنفيذ الوهم الذي يتمسك به وهو القضاء على المقاومة الفلسطينية، لذلك ليس قادراً على التراجع أو الانسحاب رغم دخوله في مرحلة نهائية من التصعيد أشبه بالمقامرة.

مما لا شكك فيه، إن فئة كبيرة من الإسرائيليين باتت على قناعة أن عملية رفح شنت لتحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية لليمين الإسرائيلي وليست لها تداعيات عسكرية، بذلك أثبت نتنياهو مجدداً أنه لا يعبأ بحياة الأسرى وقتلهم حتى لا يوقف الحرب مفضلاً مصالحه السياسية على وقف إطلاق النار وإنقاذ الأسرى، في حين أدارت حماس المفاوضات بحكمة وذكاء وقدمت بعض المرونة لحماية الفلسطينيين ووقف الإبادة الجماعية، كما أنها وضعت نتنياهو على المحك أمام الإسرائيليين والعالم وكذلك الولايات المتحدة.

من الواضح أن نتنياهو والأحزاب اليمينية التي تحيط به وتمنع سقوط الحكومة متمسكان بمواصلة الحرب مهما كلف الأمر حتى تحقيق كامل أهدافها، بما فيها استرجاع جميع المخطوفين والقضاء على قدرات حماس، وقلب المعادلة السياسية والأمنية في قطاع غزة بالكامل، ويعرف نتنياهو من خلال مختلف التقارير بأنه يقود “إسرائيل” نحو طريق دموي مسدود وأن المقاومة الفلسطينية فضحت حقيقة ضعفة وهشاشته، فكانت الصفعة مجلجلة بعثرت ساسة الغرب وسماسرة أمريكا لتتخبط الأخيرة بالصمود الفلسطيني.

اليوم نتنياهو غير قادر على ما يبدو، على فهم الحقيقة وهي بأن المقاومة تقاوم السقوط، وترفض الاستسلام ، بعد أن أصبح لديها حلفاء جدد في اليمن، بالإضافة الى المقاومة الإسلامية في العراق التي قصفت مواقع حيوية في تل أبيب، وبالمقابل تجمدت الجهود الدبلوماسية لتطبيع العلاقات الإسرائيل العربية، وفي الوقت نفسه أصبحت اتفاقيات أبراهام ميتة، وبذلك تلاشى حلم نتنياهو بتحقيق كتلة إقليمية اقتصادية معها التي كان يسعى الى تحقيقها.

إن الرهان على إضعاف المقاومة وإسقاطها فشل وهي ترفع شارة النصر، فالتطورات الميدانية والقتالية تفيد بأن خطاب النصر الذي ستلقيه المقاومة قد بات قريباً جداً بغض النظر عن التوقيت، فالمؤشرات كلها اليوم في هذه الحرب تؤكد أن إسرائيل العدوانية ومن ورائها على عتبة النهايات. لذلك من المأمول آن تدرك تل أبيب حجم مغامرتها اليائسة في غزة ورفح، وتبادر الى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع الفلسطيني.

أمام هذا الواقع يمكن القول، إن الكرة الآن في ملعب رجال المقاومة، وباتت بيدهم أي مبادرة هجومية قادمة على الكيان الصهيوني بإسناد حلفاؤهم من محور المقاومة، بالتالي شكلت غزة لوحة إنتصار فلسطينية متكاملة الجوانب، ساهمت بشكل كبير في دحر إسرائيل وإدخالها نفق الهزيمة، وهي معركة ستكون لها تأثيراتها في معركة تحرير المناطق الأخرى التي أرى بأنها دخلت قيد التنفيذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى