لماذا تتزايد الضغوط الداخلية لتغيير السياسة الأمريكية تجاه إيران؟

لماذا تتزايد الضغوط الداخلية لتغيير السياسة الأمريكية تجاه إيران؟

عمرو عبد العاطي
تحولات دولية

تشهد إيران موجة من التظاهرات الحاشدة على خلفية وفاة الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق في ١٦ سبتمبر الماضي بعد اتهامها بانتهاك قواعد ارتداء الحجاب، حيث احتج المتظاهرون على قمع الحريات بصورة أساسية، وانتقلت الاحتجاجات لعدد من الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة، للضغط على إدارة الرئيس جو بايدن لإجراء تحولات في سياستها تجاه النظام الإيراني، التي تركز على الأداة الدبلوماسية للعودة مجدداً إلى الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، عبر منح أولوية لقضية حقوق الإنسان في إيران.

ومع إخفاقات الجهود الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي، مارس عديد من المشرعين الأمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ضغوطاً على الإدارة الأمريكية لمزيد من التحول في مقارباتها الدبلوماسية تجاه إيران، ولا سيما بعد أن أضحت منخرطة بصورة مباشرة في الحرب الروسية-الأوكرانية بتقديمها طائرات من دون طيار لروسيا. وستتزايد تلك الضغوط مع فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعد مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت في 8 نوفمبر الجاري.

نهج مختلف

ترددت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في دعم “الحركة الخضراء” المناهضة للحكومة الإيرانية علناً في عام ٢٠٠٩؛ خوفاً من أن تدعي طهران أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تثير الاضطرابات سراً. ولكن بعد 13 عاماً، وفي ظل ظروف مماثلة بشكل ملحوظ، اتخذ الرئيس جو بايدن- الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس بإدارة أوباما- نهجاً مختلفاً بشكل كبير. وتتمثل أبرز الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية لدعم المتظاهرين ‏الإيرانيين فيما يلي:

١- دعم الاحتجاجات الإيرانية علناً: أيد الرئيس بايدن وأعضاء إدارته خلال لقاءات متعددة الاحتجاجات الإيرانية. فقد قال خلال خطابه أمام الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢١ سبتمبر الماضي، وكذلك في زيارته لكلية إيرفين فالي بولاية كاليفورنيا، التي تضم عدداً كبيراً من المهاجرين الإيرانيين، في ١٤ أكتوبر الماضي، أن “الولايات المتحدة تقف مع الإيرانيين والإيرانيات اللاتي يقدن الاحتجاجات التي لن تهدأ لفترة طويلة جداً من أجل ضمان حقوقهن الأساسية”. وانتقد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، في ١٤ نوفمبر الجاري، استمرار قمع النظام الإيراني للمتظاهرين، وأكد أن الإدارة الأمريكية لا تزال تقف بقوة مع الشعب الإيراني ومطالبه.

٢- فرض عقوبات على شرطة الأخلاق: أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في ٢٢ سبتمبر الماضي، فرض عقوبات على شرطة الأخلاق الإيرانية و7 من المسئولين الأمنيين والعسكريين الإيرانيين للإساءة والعنف ضد المرأة الإيرانية وانتهاك حقوق المتظاهرين الإيرانيين السلميين. وفي ١٦ نوفمبر الجاري، فرضت عقوبات على 6 أفراد يعملون لصالح أو نيابة عن إذاعة جمهورية إيران الإسلامية، وهي مؤسسة إعلامية إيرانية تديرها الدولة، وقد سبق أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الإذاعة ذاتها لتورطها في أنشطة الرقابة الحكومية الإيرانية.

٣- مساعدة الإيرانيين على الوصول للإنترنت: يقطع النظام الإيراني خلال فترات الاضطرابات والمعارضة الإنترنت، بهدف تعطيل التواصل بين منظمي الاحتجاجات على الأرض وخنق المعارضة. فخلال احتجاجات عام ٢٠١٩ انقطع الإنترنت لمدة ١٢ يوماً وفقاً لمنظمة العفو الدولية. ولتعزيز تدفق المعلومات الحر للشعب الإيراني، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في ٢٣ سبتمبر الماضي، إصدار الرخصة العامة D-2 لتعزيز جهود الولايات المتحدة والتزاماتها بضمان تمكين الشعب الإيراني من الوصول بحرية إلى المعلومات المتوفرة على الإنترنت. ويسمح هذا الإجراء لشركات التكنولوجيا بتزويد الشعب الإيراني ‏بمزيد من الخيارات للمنصات والخدمات الخارجية الآمنة.

وقد أشار تقرير لشبكة “سي إن إن”، في ٢١ أكتوبر الماضي، إلى أن البيت الأبيض تحدث مع إيلون ماسك حول كيفية عمل نظام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارلينك” التابعة لشركة “سبيس إكس” في إيران، حيث ترى الإدارة أن تقنية “ستارلينك” المدمجة وسهلة الاستخدام هي حل محتمل لمواجهة جهود النظام الإيراني لتقييد وصول النشطاء إلى الإنترنت والاتصالات. ولكن تلك الجهود واجهت عقبات عدة بعضها يرتبط بالحاجة إلى أجهزة معينة يصعب نشرها في إيران، وتكلفتها العالية نسبياً.

٤- لقاءات مع نشطاء أمريكيين من أصول إيرانية: في محاولة للتعرف على رؤية الأمريكيين من أصول إيرانية حول ما تستطيع الإدارة الأمريكية القيام به لدعم الشعب الإيراني، فيما تقوم الحكومة الإيرانية باستخدام العنف ضد المتظاهرين والمرأة وازدرائها لحقوق الإنسان؛ اجتمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ونائبته ويندي شيرمان، ووكيلة وزارة الخارجية للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان عزرا زيا، والمبعوث الأمريكي الخاص لإيران روب مالي، والقائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى يائيل لامبرت، في ١٤ أكتوبر الفائت، بعدد من الحقوقيين المدافعين عن النساء وحقوق الإنسان في إيران. كما عقدت مساعدة الرئيس الأمريكي ومديرة مجلس السياسات الجندرية جينيفر كلاين، ومسئولين كبار من مجلس الأمن القومي، في ٢١ من الشهر نفسه، اجتماعاً مع ناشطين وخبراء إيرانيين للاستماع إلى وجهات نظرهم حول سبل مواصلة الإدارة الأمريكية دعم الشعب الإيراني. وقد ناقش الاجتماع الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية التي تسعى الولايات المتحدة إلى استخدامها لدعم المتظاهرين الإيرانيين ومحاسبة الحكومة الإيرانية.

آليات متعددة

مع استمرار التظاهرات في الشوارع الإيرانية، وتزايد انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان والمتظاهرين، والتحركات العدائية الإيرانية في الخارج لتخفيف الضغط الداخلي؛ تصاعدت الدعوات والضغوط على الإدارة الأمريكية لإحداث تحولات في مقارباتها تجاه طهران، وتقديم مزيد من الدعم للمحتجين، حيث تمثلت أبرز الآليات التي استندوا إليها في هذا الصدد في:

١- الربط بين الاحتجاجات والاتفاق النووي: استغل بعض المشرّعين الجمهوريين الاحتجاجات التي تشهدها إيران على خلفية مقتل مهسا أميني لمهاجمة الإدارة الأمريكية، وجهودها المستمرة للعودة إلى ‏الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في 8 مايو ٢٠١٨. فقد دعا ‏السيناتور الجمهوري توم كوتون الرئيس بايدن للتخلي عن جهود إحياء الاتفاق إذا كانت لديه الرغبة الحقيقية لدعم المتظاهرين الإيرانيين؛ لأن من شأن عودة خطة العمل الشاملة المشتركة الإفراج عن مليارات الدولارات للنظام الذي ينتهك حقوق مواطنيه، والذي سيستخدمها في مزيد من السياسات القمعية والديكتاتورية ضد هؤلاء المواطنين.

لكن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان نفى أن تؤثر المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي على استعداد الإدارة وشدتها في التحدث عما يحدث في شوارع إيران، حيث أشار إلى الخطوات التي اتخذتها الإدارة لمعاقبة شرطة الأخلاق التي تسببت في وفاة أميني، وكذلك الخطوات التي هدفت إلى تمكين الإيرانيين من الوصول إلى الإنترنت وإلى تقنيات الاتصالات التي ستسمح لهم بالتحدث مع بعضهم بعضاً والعالم.

٢- دعوات أكاديمية لمزيد من الدعم للمتظاهرين: كتب أكثر من ٢٠٠٠ أكاديمي من جامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ومن بينهم ١٠ من الحائزين على جائزة نوبل، رسالة إلى الرئيس بايدن يحثونه فيها على بذل المزيد من الجهد لدعم المتظاهرين المناهضين للحكومة في إيران. وقد دعوا بايدن إلى الاهتمام العاجل بالوضع المزري في الجامعات الإيرانية، واتخاذ إجراءات ملموسة أخرى بما في ذلك إنهاء المفاوضات مع إيران وعدم تخفيف العقوبات المفروضة عليها. وقد تخرج معظم الموقعين على الرسالة في الجامعات والمدارس الإيرانية.

٣- إنهاء العمل بسياسة استرضاء طهران: تصاعدت دعوات عديد من المشرعين الأمريكيين والمحللين بضرورة تبني إدارة الرئيس بايدن سياسة أكثر حزماً تجاه النظام الإيراني الذي يصعد عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط، لتخفيف الضغط الداخلي عليه. وترى أن سياسة الاسترضاء التي اتبعتها الإدارة الأمريكية لدفع طهران للعودة مرة ثانية للاتفاق النووي كانت “انتصاراً كبيراً” للقادة الإيرانيين، ومُحفِّزاً لمزيد من السياسات العدوانية في المنطقة، لا سيما تجاه حلفاء وشركاء الولايات المتحدة.

٤- استعادة استراتيجية “الضغوط القصوى”: يرى بعض منتقدي السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بايدن أن استراتيجيتها تجاه إيران فشلت، وأنه قد حان الوقت لتغييرها. وفي هذا الشأن، بعث مشرّعان جمهوريان رسالة لوزير الدفاع لويد أوستن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن؛ للرد على الهجمات التي تشنها إيران على المصالح الأمريكية في العراق. ويدعو عدد من المشرعين الأمريكيين إلى استعادة الإدارة الأمريكية حملة “الضغوط القصوى” التي طبقتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في أعقاب انسحابها من الاتفاق النووي، لوقف السلوك العدائي للنظام الإيراني، وردع الهجمات الإيرانية المستقبلية.

٥- عزل إيران على الساحة الدولية: مثلما قادت الإدارة الأمريكية الجهود الدولية لعزل روسيا دولياً في أعقاب عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا، دعت تقارير أمريكية إلى قيادة الولايات المتحدة التحرك لعزل إيران سياسياً من خلال ممارسة ضغوط لاستبعادها من المنظمات الدولية أو توجيه اللوم إليها، مع ممارسة ضغوط أخرى على الحلفاء لقطع علاقاتهم الدبلوماسية الثنائية معها أو خفضها.

٦- إمداد المحتجين بمعلومات استخباراتية: مع استمرار الاحتجاجات ضد النظام الإيراني، دعا تقرير لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، أحد مراكز الفكر والرأي الأمريكية المؤثرة، في ٣٠ أكتوبر الفائت، الإدارة الأمريكية لمشاركة المعلومات الاستخباراتية التي تملكها مع المتظاهرين الإيرانيين لتحذيرهم من حركة جميع الأجهزة الأمنية المتورطة في قمع المتظاهرين، وإبلاغهم بنقاط ضعف النظام الإيراني ومصادر قوته.

سياسة حازمة

تدفع جملة من التحولات الأمريكية والإيرانية وكذلك الإقليمية إلى تغيير في سياسة إدارة الرئيس بايدن تجاه إيران، والتي كانت تركز على العمل الدبلوماسي لتعزيز فرص عودة الأخيرة إلى الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ مجدداً، ولا سيما مع الدعم العسكري الذي تقدمه إيران لروسيا من خلال تزويدها بطائرات من دون طيار، وتشكيل بنيامين نتنياهو حكومة يمينية في إسرائيل، ونتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أُجريت في 8 نوفمبر الجاري. ولذلك يُتوقع أن تتبنى الإدارة سياسة أكثر حزماً تجاه إيران خلال العامين المتبقيين لها في البيت الأبيض مع إخفاق جهودها الدبلوماسية، واستمرار السياسات العدوانية التي ينتهجها النظام الإيراني داخلياً وإقليمياً، وكذلك عالمياً. ومع فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعد مجلس النواب يتوقع أن يقدموا موجة من التشريعات المستقلة، بجانب بعض التدابير في قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي، بهدف دفع إدارة الرئيس بايدن لتبني سياسات أكثر حزماً لانتهاكات النظام الإيراني حقوق مواطنيه، وإعاقة رفع العقوبات عن طهران، لمنع حصوله على أموال يستخدمها في تعزيز قبضته ضد الإيرانيين، ودعم الوكلاء المنتشرين في المنطقة. بل ستكون هناك مشاريع قوانين تدعو لفرض عقوبات إضافية تتعلق بحقوق الإنسان والإرهاب، وعقوبات على الكيانات والأفراد المرتبطين بالحرس الثوري والبنك المركزي وشركة النفط الوطنية الإيرانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى