لماذا أكتب ؟

شوقية عروق منصور

كان سؤال إحدى الصحفيات لي ، لماذا تكتبين ؟
لماذا أكتب : سؤال ينفجر ليس كبالون هواء، إنما ينفجر كينبوع يبوح بكل عشق لتراب الكلمات وحصى الحروف، حينما أكتب تتحول الأوراق تحت أصابعي إلى أقواس قزح تتلون حسب حالتي النفسية، وتصبح العلاقة بين الحبر والبياض كأنها عواصف المد واحتضان الجزر ، ثم تولد الكلمات التي تدخل في سباق مع شهوة النشر، أحياناً تمارس الكلمات الحب العذري مع الواقع، وأحياناً تنتفض وتعلق على جدران الأوراق الرؤوس والحناجر وساحات المشاكل والقضايا الوطنية والحروب والسجون والملاعب ونوافذ الذكريات وليالي الأحلام.
لماذا أكتب : الكتابة العباءة التي ألفها حول عقلي واحاسيسي التي ترتجف أمام الأحداث ، وأيضاً أحاول أن أخزن صور وحكايات الماضي التي سمعتها من أمي وأبي وأجدادي، أكتبها خوفاً من هروب الزمن والركض المتوحش نحو جزر النسيان .
لماذا أكتب : لكي أتأمل العابرين في حياتي وسنواتي، أقف على رصيف الحياة ، لا أتوسل الرغيف بقدر ما أتوسل قوافل القراء التي تغازل كلماتي وتضيء دهاليز وممرات وأنفاق الروح ، وتعيد للحكايات التي أكتبها توهج الطيران نحو المستقبل .
لماذا أكتب : حتى تبقى حقائب سفر عمري مفتوحة ولا أصاب بمرض السهرات الاجتماعية والتثاؤب على ضفاف حكايات الناس والتنهد في شوارع القال والقيل .
لماذا أكتب : على حدود قارات الاسرار وجغرافية المعرفة ورعشات الخوف من المجهول، أكتب كي لا أعيش في مستنقعات الركود والغوص في وحل الواقع، دون تحريك العشب اليابس وبقايا المستحيل .
لماذا أكتب : لكي أفتح صناديق بريد الروح يومياً وأوزع بطاقات الحب على أشعة الصباح وعند الغروب أغلق الصناديق ويجلس قلبي حارساً للمفاتيح لكي لا تهرب .
لماذا أكتب : أكتب لأصدق أن في مدن الغربة هناك وطناً نحمله في أعماقنا ، هناك ومضات خاطفة تهمس في الروح ثم تستوطن العقل وتنادي الحروف لتخرج إلى العلن شجراً مثمراً ، وطناً قابضاً على حد السيف ، شهاباً يسامر العتمة ويثقب جمجمة الواقع المر .
لماذا أكتب : لكي لا أصاب بالصداع وفقدان الذاكرة ، لكي لا أصاب بالعمى أو قصر النظر ، لكي أظل سائحة مشردة ، لاجئة في الدورة الدموية للحياة، لكي أصرخ وأصيح وأدق أبواب الخزان المغلق ، لا أريد أن أبقى كساعة غبية تدق دون أن تعلن عقاربها الملل من الدق .
لماذا أكتب : لكي أطارد الأرق وقبضة اليد التي تخنقني، أريد أن ارتدي أفكاري أنا لا أفكار الأزياء التي اختارتها أمي وجدتي وقبيلتي ، أريد محو إشارات التعجب والاستفهام ولا أقضي عمري عصفوراً يتشاجر مع القفص ، بل عصفوراً يحلق ويشعل الفضاء بأضواء جناحيه .
لماذا أكتب : لكي أبقى على قيد الحياة عندما أرحل ، لا أغادر بلاط العيون وقصور الاهتمام ، أريد أن أهيم في فوق السطور وأقطف الاعجاب من الأجيال ، فأعيد لعمري مهرجانات الوجود .
شوقية عروق منصور – فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى