أخبارثقافة

جعلتني تائها معك في التائهين يا معلوف

جعلتني تائها معك في التائهين يا معلوف
بقلم المحامي وليد عبدالحسين جبر
في صباح التاسع من ايار من هذا العام (2023) كنتُ في دمشق لغرض الاستجمام
، وكعادتي في اغلب اسفاري أذهب الى مكتبات الدولة التي ازورها ، وبعد تناول
وجبة الطعام صباحاً ذهبتُ الى مكتبة المعرفة في وسط دمشق لأتصفح الكتب فيها
واذا لاحت لي عدة روايات للأديب اللبناني ” أمين معلوف ” الذي سمعتُ باسمه
الا انني لم اقرأ له سابقاً ، فقلتُ مع نفسي لأجرّب الدخول الى عالم هذا الروائي
العربي المقيم في فرنسا منذ سبعينات القرن الماضي ، فاقتنيت له عدة روايات و في
احدى المقاهي القريبة من المكتبة بعد جولة في الاسواق وعلى صوت اكواب الشاي
هرعتُ مباشرة الى روايته ” التائهون ” وبعد اولى صفحاتها سرقتني من المكان
والزمان الذي انا فيه و شدتني اليها فأخذتُ ارافق ( ادم ) بطل الرواية المقيم في
فرنسا ايضا ككاتبه من فرنسا الى لبنان لغرض عيادة صديقه الذي يحتضر ” مراد “
وتردده في الحضور من عدمه ، وتابعت حركته منذ انطلاقه من باريس للسفر الى
بيروت ومن ثم اقامته في فندق ” سمير اميس ” ولقاءه بصاحبة الفندق التي هي
احدى زميلات الكلية ايضا له و للمحتضر وبقية الاصدقاء التائهون الذين جمعتهم
الجامعة وفرقتهم الحرب الاهلية في لبنان بعد تخرجهم الى شتى الدول، علما انهم
كان لهم برنامج يومي للقاء والاجتماع في بيت الصديق المحتضر مراد وزوجته
وبعد وصول ادم الى لبنان ووفاة صديقه مراد الذي طلب ان يراه في ساعة
احتضاره الا انه توفى قبل وصوله اصبحت فكرة لدى زوجة المتوفى ” تانيا ” ان
يجتمع شمل الاصدقاء مجددا لإحياء ذكرى زوجها و اعادة عادتهم القديمة في اللقاء
لأنها كانت زميلة معهم في الكلية ايضاً ، وهكذا قُسّمت الرواية حسب احداثها
وصفحاتها ال(555) الى ستة عشر فصل، عنونها الروائي بأيام وجوده في لبنان
بعد عودته من فرنسا ( اليوم الاول ، اليوم الثاني ، وهكذا الى اليوم السادس عشر
) ليتنقل بنا معلوف طيلة هذه الايام الروائية بين اصقاع العالم ومدن لبنان و يثريك
بمختلف الآراء والحوارات و النقاشات حول موضوعة العرب والدين والاحزاب
والفكر والحرب والادب والجنس الى غير ذلك من الموضوعات ، لتنتهي الرواية
في يومها الاخير وقت انعقاد لقاء التائهون الذين جاءوا من مختلف الدول التي
يقيموا فيها ليعقدوا لقاءهم في فندق سمير اميس الا ان ادم ونعيم يذهبان الى حيث
يقيم صديقهم الراهب الذي واعدهم بالحضور في يوم الاجتماع وبالفعل وجدها
مستعد لذلك الا انهم عند عودتهم في الطريق حصل حادث مروري اودى بحياة
البعض وجعل ادم مغمى عليه طيلة الوقت بين الحياة والموت ، انها تحفة رائعة
تستحق ان تكون من مفضلات قرّاء الروايات ، وانني طالعتها بروية وعلى مهل

فاخترت لها بعض اوقات الفراغ في الصباح قبل الدوام وفي المساء قبل النوم
لأنتهي منها قبل وقت كتابة هذه السطور بيوم، و بصراحة جعلتني ادخل عالم
معلوف من اوسع ابوابه ، وبالتالي اتعرف على الرواية اللبنانية عن قرب، واعجابا
بهذه الرواية العظيمة رحت اتابع اخبار كاتبها ، ومن جميل المصادفات ان اقترن
انتهائي من روايته الجميلة بخبر انتخابه أمينا عاما دائما للأكاديمية الفرنسية العريقة
، حيث كان هو والكاتب الفرنسي جان كريستوف روفان المرشحين الوحيدين
لمنصب الأمين العام الدائم للأكاديمية الفرنسية خلفا للمؤرخة إيلين كارير دانكوس .
وفاز معلوف بهذا المركز بأغلبية 24 صوتاً مقابل 8 لروفان. علما انه من مواليد
بيروت في 1949، ويقيم في فرنسا ، و له العديد من المؤلفات في الرواية والتاريخ
والمسرح الشعري والسياسة، لكن شهرته كانت في الأعمال الروائية، وقد ترجم
بعضها إلى نحو 40 لغة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى