كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَباً

———

رشيد مصباح (فوزي)

كما أن لكل إنسان بصمة خاصّة، تميّزه عن غيره ويختلف فيها عن ملايير البشر، فكذلك الأمر بالنسبة للأهداف والغايات من وراء القصد والتصرّفات. وهو – الإنسان -بتميّزه هذا يختلف كثيرا عن الحيوان الذي تحرّكه جملة من الأفعال الآلية. وكل شخص وفرد في المجتمع؛ وبغض النظر عمّا إذا كان المجتمع متخلّفا منغلقا أو متفتّحا وراقيّا، مطالب بهذا التميّز والاختلاف.

بعض الأشخاص يريد أن يجعل من نفسه نسخة لأبيه، وهو يعلم أن الإنسان ومهما حاول لن يكون نسخة طبق الأصل لغيره. ومن البديهي المعروف لدى كل الناس أن البصمات لا تتشابه؛ على الرّغم من تعرّضها لبعض العوامل الخارجية كالأمراض الجلدية والحوادث التي تشوّه الجلد وتتسبّب في تغيير ملامح البصمة. ولكن بشكل مؤقّت، ثم تستعيد البصمة شكلها الأصلي بمرور الوقت ومع تماثل الجلد للشّفاء.

كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَباً

يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ

فَلَيسَ يُغني الحَسيبُ نِسبَتَهُ

بِلا لِسانٍ لَهُ وَلا أَدَبِ

إِنَّ الفَتى مَن يُقولُ ها أَنا ذا

لَيسَ الفَتى مَن يُقولُ كانَ أَبي

وفي هذه الأبيات التي تُنسب إلى (عليّ) -رضي الله عنه- يكمن الجواب.

ومن المعلوم أن لكل أسرة طوطمها الخاص. أين كانت ومهما كانت ديّانتها ومكانتها الاجتماعية.

هذا ”الطوطم المقدّس“ بالنسبة لبعض الأسر يأتي في المرتبة الأولى، قبل أيّ شيء آخر و فوق كل معبود. لأنّه يمثّل بعض المسائل المتثّلة في الأوامر والنواهي التي لا تقبل النّقاش.

وحتى ونحن في هذا العصر المتميّز بانتشار العلوم والمعرفة عبر الوسائل الحديثة التي نتواصل بها، إلّـا أن هذا لا يعني شيئا بالنسبة لبعض الأشخاص ”المهوسين“ الذين لا يستطيعون التخلّص من الكابوس وهذه القيود التي تكبّل عقولهم و تسيطر على مشاعرهم.

لن ينفع مع هؤلاء ”المرضى“ المعتلّين نفسيّا واجتماعيا، نصح ولا نصيحة. لأنّهم كلّما أرادوا إبراز صورهم الحقيقيّة، تجلّى لهم ”الإله المعبود“ يجرّ ثوب الكبرياء فيسجدون﴿ ويَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾.

الآن وقد عرفنا أن هناك من لا يستطيع مقاومة الإله ”البعبع“ الذي مذ خرج إلى هذه الدنيا الحقيرة وهو تحت تأثير أوامره ونواهيه. لأن هذا البعبع اتّخذ من لبّه وعقله حديقة خلفية يتغوّط فيه، ثم يعود إلى مكانه الطبيعي لاستعادة السيطرة على الوعي والإرادة. فهل يوجد من هو أحقر منه؟

نعم هناك من لايعيره أن يدافع عن المجرم الظّالمى ويتملّق الجلاّد، لأنّه بطبعه جبان. ومهما بلغ هذا الجبان من مراتب العلم والجاه في حياته، أو كان لديه من المال، فلن يرفعه ذلك، ولن يزيده سوى ذلاّ وحقارة وهوانا. لأن مراتب الشرف لا تؤخذ بالعلم وأهله، ولا بكثرة مال ولا ببتملّق أصحابه.. بل بالكلمة الطيّبة والمعاملة الحسنة والخلق الكريم. وصدق شاعر النّيل إذ يقول:

فَإِذا رُزِقتَ خَليقَةً مَحمودَةً

فَقَدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ

فَالناسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا

عِلمٌ وَذاكَ مَكارِمُ الأَخلاقِ

وَالمالُ إِن لَم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً

بِالعِلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ

وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ

تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ

لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ

ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى