في الواجهة

كيف نفهم ما يحدث الآن …سمات المرحلة الراهنة

سمات المرحلة الراهنة

خالد بطراوي

بعد أن عصفت بهذه الدولة أو تلك من دول العالم ما عصف بها من أحداث ومتغيرات على امتداد السنوات الأخيرة وبضمنها الحرب الروسية الأوكرانية والنزاع الداخلي المسلح بين طغمتين عسكريتين في السودان وتبعات إنشاء سد النهضة الاثيوبي والعدوان على قطاع غزّة والأحداث التي عصفت على الساحة اللبنانية والضربات في العمق الإيراني ومسلسل التصفيات الجسدية ومؤخراً الأحداث على الساحة السورية، بات جلياً، أن سمات المرحلة الراهنة قد اتخذت منعطفاً جديداً.
أولى هذه السمات هو تغول الإمبريالية في الدفاع عن مصالحها في كافة أنحاء المعمورة على نحو أكثر شراسة ووضوح دون أي “ديكور أو تجميل” أو تصريح دبلوماسي منمق يتعلق بحقوق الإنسان أو الحياد أو الاحتكام إلى القانون الدولي أو الشرعية الدولية أو الأجسام الدولية أو غير ذلك من الشعارات الرنانة التي كان يجري ترديدها لذر الرماد في العيون.
ثاني سمات المرحلة الراهنة أنه وبدرجات متفاوته فإن التحركات الايرانية أو الروسية أو التركية أو الصينية والتي كانت الآمال والأنظار تتجه نحوها بوصفها قد تشكل الحد الأدنى من التصدي للنظام القطبي الأحادي في العالم قد برهنت بما لا يدع مجالا للشك أنها لم تكن تخدم الشعوب بقدر ما كانت تستخدم هذه الشعوب وقواها كأداة للحصول على مكتسبات وتحقيق توازنات في العالم، وخير دليل على ذلك صمت – إن لم يكن مشاركة- كل الدول المؤيدة لنظام الحكم في سوريا على ما جرى هناك حيث تم الاتفاق بين كل الأطراف اللاعبة على الساحة السورية على ” توزيع الكعكة”.
ثالث سمات المرحلة الراهنة، ونظراً للظروف الذاتية والموضوعية، فقد تراجعت حركات التحرر تراجعاً كبيراً بل ودراماتيكياً على نحو أصبح الانعتاق من الاحتلال أو التبعية والإلحاق أمراً غير منظور في الأفق القريب، ويحزنني أن أقول ولا حتى المائة عام القادمة.
وبالتناوب، ونظراً لذلك كله، فإن رابع سمات حركات التحرر هو أزمتها الذاتية الداخلية والتي سبق وأن شخّصها الحزب الشيوعي اللبناني ( وغضبت لها المدرسة البكداشية في العالم العربي) عام 1979 في مؤتمر الأحزاب الشيوعية العربية في العاصمة التشيكية “براغ” عندما شخّص الحزب وبكل جرأة أزمة حركة التحرر الوطني آنذاك بالقول أنها ليست أزمة في الفكر القومي الضيق، أو في الفكر السياسي الديني بل أزمة في البديل الثوري.
لقد أخفقت أحزاب اليسار على اختلاف مشاربها ومنذ ما بعد “استقلال” الدول في أن تشكل بديلاً ثورياً حقيقياً، ويعيش بعضها هذه الأيام فقط على إرثها وتاريخها دون رؤية المتغيرات وحقائق الكون وتكنولوجياته. ففي الوقت الذي تأرجح فيه البعض نحو اليسار المغامر وظل حبيساً للمقولات مثل “حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد” و ” حرب العصابات” و ” سياسة اضرب واهرب” والظن بأن المأثرة الفردية هي طريق التحرير والانعتاق، تأرجح البعض الآخر من اليسار ومضى نحو ” الأنجزة” ومنظمات المجتمع المدني الممولة غربياً لأهداف جلّها ليس بريئاً.
وطالما أن توصيف الحال هو على هذا النحو، فما العمل؟
طالما لا يوجد لدى حركات التحرر هذه الأيام قوى طليعية تقودها، ينبغي إعادة النظر في تشكيلات هذه القوى الطليعية استناداً إلى تحالفات أيدولوجية وليس فصائلية عددية، وبرامج تحاكي روح العصر ومعطايات الواقع ومعادلاته.
أولى مهام هذه القوى الطليعية المستحدثة هو المراكمة على التجربة التاريخية والبناء عليها، والتخلص من معادلات الصراع الطبقي إبان الحقبة التاريخية المنصرمة والتقسيم الكلاسيكي للطبقات والشرائح، وثاني المهام المحافظة على مكتسبات ما بعد “الاستقلال” الذي تحقق بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 وتحديداً مطلع خمسينات القرن المنصرم حتى ولو كانت هذه المكتسبات بسيطة، وثالث المهام – وهي غاية في الأهمية – أن تركز القوى الطليعية المستحدثة لا على مسألة تقلّد مقاليد الحكم في الدول لأن ذلك لن يلقى تصفيقاً من الإمبريالية وأذرعها بل تصفية جديدة لها وساعدها لم يشتد بعد، بل على تبني قضايا الجماهير والشعب تبنياً حقيقياً والعمل في ” البرلمانات الأشد رجعية” وتأمين الحياة الحرة الكريمة للشعوب في جو من إشاعة الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي دون ملاحقة “أمن الدولة”، كي يتم الانتقال الى القضايا الأكبر كقضية فلسطين. إذ لا يمكن أن يستوعب العقل البشري الثوري – مثلا – أن نظاماً أو بلداً يؤيد القضية الفلسطينية وفي ذات الوقت يتربع على عرش الحكم فوق جماجم ومعاناة أبناء البلد.
إن أحد أهم المهام يتجسد في الثبات والصمود على أرض الوطن في كافة البلدان حيثما تجري محاولات ومساعي حثيثة للتهجير الطوعي أو القصري، ولأجل ذلك كله على قوى البديل الثوري في هذه المرحلة أن تعي جيداً أن ” التراجع خطوتين إلى الوراء” هو بغية أن تتحقق مستقبلاً ” خطوة إلى الأمام”، لذا وجب عليها أن لا “تكبّر حجرها” حالياً.
أقول قولي هذا …. وأستغفر الله لي ولكم … فيا فوز المستغفرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى