كيف تنظم حياتك المالية؟
سوسن شاكر مجيد
يسعى الإنسان باحثاً عن الطُرق المُؤدِّية إلى حالة الاستقرار في مختلف شُؤون حياته، بدءاً بالأساسيَّات، كالصحَّة، والتعليم، والأمان، وضمان الحُرِّيات، والحقوق، والمُستوى المعيشيّ الكريم، والمكانة الاجتماعيّة، وانتهاءً بالكماليّات المُتنوِّعة، عِلماً بأنَّ هذه المُكوِّنات كلّها تُشكِّل سلسلة مُترابِطة لا تنفكُّ حلقاتها، ولا تتعارض، ومن الجدير بالذكر أنَّ بعض نواحي الحياة مُرتكزٌ على بعضها الآخر، ولعلَّ حجر الأساس في هذا السياق هو ضمان الدَّخل المُمتاز على المُستوى الشخصيّ، والأُسَريّ، والسَّعي المُستمِرّ لزيادته، وترشيد استهلاكه؛ ولذلك فإنَّ التخطيط الماليّ يتطلَّب أوّلاً المعرفة في قوانين الإدارة الماليّة، ومهارات التخطيط، واتّخاذ القرار بحكمة، ومَسؤوليّة، وتأنٍّ.
إنّ التخطيط الماليّ ليس ضرباً من ضُروب الترَف المعرفيّ، وليس خُطوَة اختياريّة للوصُول إلى النجاح الماليّ على المُستوى الشخصيّ، أو الأُسَريّ، بل إنَّه بمثابة الملفّ الشخصيّ الذي يضع الشخص في صُورة وضعه الماليّ حاليّاً، وهو يسير به نحو تطوير المُستوى الماليّ مُستقبلاً بمُؤشِّرات، وأهداف واضحة، وقابلة للقياس ضمن جدول زمنيٍّ مُحدَّد، وبذلك يكون التخطيط الماليّ أشبه ما يكون بخارطة واضحة المعالِم من نقطة بدايتها في الحاضر حتى نهايتها في المستقبل المُحدَّد بموعد تحقيق أهدافها، مروراً بنقاط التقييم، والقياس الدوريّ لحجم المصروفات، ونسبة الدَّخل، والمُدَّخرات، والديون، ومن الجدير بالذكر أنَّ تطبيق مفهوم التخطيط الماليّ هو أساس نجاح كلّ استثمار نراه من حولنا.
خُطوات تنفيذ الخُطَّة الماليّة الشخصيّة وتحقيق نجاحها:
قد يظنُّ البعض أنَّ كثرة الإيرادات الماليّة، والالتزام بصرف النفقات دون زيادة، أو إسراف، تُساهم وحدها في تحقيق اكتفاءٍ ذاتيّ، وأنَّ الفائض عنها بالتأكيد سيتمّ ادّخاره، أو استثماره، إلّا أنّ المُفارَقة واضحة؛ إذ يُشير بحثٌ عن الاحتياطيّ الفدراليّ في الولايات المُتَّحِدة الأمريكيّة إلى أنّ ثُلث الأمريكيّين الذين يصل دَخلُهم السنويّ إلى أكثر من 100 ألف دولار، يُنفقون دَخلهم السنويّ كلّه دون أيّ ادّخار، وأنَّ واحداً من بين كلّ عشرة منهم يُنفق أكثر من مُستوى دَخله السنويّ، ولذلك فإنَّ وَفرة المال لا تعني بالضرورة حُسن استثماره، وإدارته، والاكتفاء به، وعدم مُجاوزته في الإسراف، والتبذير، على الرغم من أنَّ العكس صحيح؛ إذ إنَّ حُسن إدارة الإيرادات، والمصروفات، والتخطيط الماليّ الجيّد، يُنبئ بتحسُّن مُستوى المَعيشة، وزيادة نِسبة الدَّخل، عِلماً بأنَّ هناك بعض الخُطوات المُهمّة التي تُساهم في تنظيم الحياة المادّية، وهي على النحو الآتي:
التوقُّف عن زيادة المصروفات حتى وإن نَمَت الإيرادات الماليّة:
حيث تزداد الرَّغبة في الإنفاق على الكماليّات بزيادة الدَّخل، وإذا انصاع الشخص إلى تلك الرَّغبات، فإنَّه لن يتوقَّف عن الإنفاق على الكماليّات إلّا بانتهاء الدَّخل، والمُدَّخرات، ممَّا يعني الرُّجوع إلى نقطة الصفر؛ ولذلك يجب على الشخص تدوين مصروفاته، والالتزام بعدم تجاوزها.
الحرص على الادّخار من كلّ إيراد ماليّ: فالادّخار هو أولى خُطوات الاستثمار، ولا بُدّ من البدء به قبل صَرف الإيراد؛ إذ لا يجب التصرُّف بالإيرادات الماليَّة إلّا بعد حفظ نِسبة الادّخار، والتي يُنصَح بأن لا تتجاوز نسبة 15% من كلّ إيراد.
الادّخار من المُكافأة قَدر الإمكان: عندما يحصل الشخص على مُكافأة ماليّة ما؛ تقديراً لإنجازه في العمل، أو سواه، فمن الطبيعيّ أن يُنفقها في عطلة نهاية الأسبوع، أو في السفر، إلّا أنّه لا بُدّ من التذكُّر بأنَّ هذه المُكافأة قد لا تتكرَّر مرَّة أخرى؛ ولذلك يجب الحرص على اغتنامها، والادّخار منها قَدر الإمكان، وبالتالي فإنَّ هذا يضمن نُموّاً حقيقياً لمُدَّخرات الشخص. تحديد نسبة التكاليف المُخصَّصة للترفيه: لا بُدَّ أن يكون للترفيه نصيبٌ من الإيرادات الشهريّة، إلّا أنّ الأهمّ من ذلك هو أن يتمّ ضبط هذه المصاريف، وتقنينها، ويُنصَح أن لا تتجاوز التكاليف المُخصَّصة للترفيه حاجز الـ 20% من الدَّخل الشهريّ، كما تجدر الإشارة إلى أنَّ الترفيه لا يقتصر على الرحلات العائليّة في إجازة آخر الأسبوع، وإنّما يشمل مُستلزمات العناية الشخصيّة، والملابس، والهوايات، وشراء المأكولات من المطاعم، وارتياد المقاهي.
استشارة المُختصِّين: يجب ألّا يتردَّد الشخص في استشارة المُتخصِّصين، أو من يرى فيهم حُسن تقديرهم، وتصرُّفهم في تنظيم حياتهم المادّية عندما يكون في حيرة من أمره فيما يخصُّ شُؤونه المادّية، فصاحب المعرفة، والتجربة المُسبَقة، سيختصر الطريق بنصيحته. تقسيم الدَّخل الشهريّ حَسب الخُطَّة: يجب توزيع الدَّخل الشهريّ حسب المصاريف الأساسيَّة بمقدار 50% من إجماليّ الإيراد؛ وذلك لضمان ضَبط المصروفات، عِلماً بأنَّ هذه المصاريف تشمل دَفعات الإيجار، والقروض، وأجور المواصلات، واستهلاك الماء، والكهرباء، والوقود، وحاجيّات البيت من أغذية، ومُستلزَمات منزليّة أُخرى، كما يجب تخصيص 30% من الدَّخل الشهريّ للأولويّات الماليّة؛ نصفها للادّخار، والنصف الآخر للمصاريف الطبّية، والتأمينات، والتقاعُد، أمّا المُتبقِّي من الدَّخل الشهريّ، والذي نسبته 20%، فهو مُخصَّص للترفيه، ومُستلزَمات العناية الشخصيّة، والملابس، والرحلات العائليّة، وزيارة الأماكن السياحيّة، والترفيهيّة، وارتياد المطاعم.
فوائد التخطيط الماليّ الشخصيّ :
لا تختلف قواعد التخطيط الماليّ بشكلها العامّ بين من يمتلك ثروَة طائلة، ومن لا يزال في بداية طريقه لتحقيق ذلك؛ فالخطوط العريضة تتمثَّل بالأهداف الواضحة، ومُحدَّدة المُدَّة، والقابلة للقياس، مع الضمانات الموثوقة؛ لاستمرار تزايُد المُمتلكات، أو الدَّخل الشهريّ، وفي المقابل عدم تآكلها، وانهيارها، وهذا المبدأ يُؤكِّد أنَّ أهمّية التخطيط الماليّ تكمُن في جدواه، ونتائجه العمليّة، بغضّ النظر عن حجم الثروة الحاليّة، أو طبيعة مُستوى المعيشة، والدَّخل، عِلماً بأنَّ من أهمّ فوائد تنظيم الشؤون الماليّة، والتخطيط الماليّ ما يلي:
تنظيم المصروفات، والإيرادات الماليّة وِفق مواعيد مُحدَّدة حَسب الالتزامات، كمواعيد تسديد أقساط التعليم، أو تسديد مُستحقَّات القروض، أو دفعات الإيجار، وغيرها، وهذا يُتيح للفرد ضَبطاً أكبر للمصروفات الخارِجة عن هذا النِّطاق، فتُستثمَر في الادّخار مثلاً.
المقدرة على التعامُل مع الظروف الطارئة التي قد تتطلَّب مصاريف كبيرة؛ وذلك لوجود المرونة في التخطيط الماليّ، إذ تُعَدُّ نقطة قوَّة لا ينبغي الاستغناء عنها، فلكلّ مرحلة عمريّة مُتطلَّبات خاصَّة بها ينبغي الاستعداد لها، ومن المُتغيِّرات الطارئة تلك التي تحدُث في السُّوق العالَميّة، والمَحلّية، في العقارات، والوقود، ومصاريف الصحَّة، والتعليم، وعند توفُّر المرونة في إعداد، وتنفيذ الخُطَّة الماليّة؛ يتمّ التأكُّد من حُسن التعامُل مع كلّ تلك المُتغيَّرات.
أسباب فشل الخُطَّة الماليّة وقوع بعض الأخطاء، أو اتّخاذ قرارات غير مدروسة، قد يُسبِّب فشل النظام الماليّ مهما كانت الخُطط الماليّة مُحكَمة ودقيقة، ومن الواجب دراسة البدائل المُتاحة، والاحتمالات المُتوقَّعة في المُستقبل القريب؛ كي لا يقع الشخص في فَخِّ التسرُّع، خاصّةً عندما تسوّق له فكرة استثماريّة ما، وهذه بعض الأمثلة على القرارات، والإجراءات التي ينبغي تجنُّبها؛ لضمان نجاح الخُطَّة الماليّة:
التعجُّل وعدم التروِّي: تُعتبَر زيادة المُمتلَكات، والأُصول، من أهمّ ضمانات استقرار الخُطَّة الماليّة، ودليلاً على نُموِّها، إلّا أنّه لا بُدّ من عدم التعجُّل لتحقيق ذلك في البدايات، فشراء منزل جديد، أو البدء بمشروع كبير، قد يُثقِل كاهل الشخص على المَدى البعيد، أو قد يوقف ادّخاره من فائض الدَّخل، وهذا يُعيق استمرار خُطَّته الماليّة؛ ولذلك فإنَّ من الضروريّ دراسة الفُرَص جيّداً قبل اتّخاذ القرار، مثل: الإحاطة بزمان المشروع، ومكانه، والفئة المُستهدَفة منه، والعائد على الاستثمار فيه، وغيرها.
التفريط في الادّخار: من الجدير بالذكر أنَّ طريق الألف ميل في الاستثمار يبدأ بخطوة الادّخار، والتخلّي عن ذلك يُساهم في خسارة الخُطَّة الماليّة، عِلماً بأنَّ أهمّية استراتيجيّة الادّخار تكمن في أنَّه يُمثِّل احتياطيّاً ماليّاً يُمكن الرُّجوع إليه في حال خسارة مَورد الدَّخل الرئيسيّ، وهو أيضاً قد يكون رأس مال أيّ مشروع استثماريّ يُريد الشخص المُباشَرة في تنفيذه، وبالتالي فإنَّ هاتين المشكلتين هما أكبر المخاوِف، والعقبات التي يمكن للادّخار أن يكون الحلُّ النهائيّ لهما، وذلك بوَضع الإيرادات الماليّة كلّها في حساب بنكيّ واحد، ممّا يُسهِّل القدرة على الصَّرف منها، إلّا أنّه من الأفضل أن يُفتَح حساب للمصروفات الدوريّة، وحساب توفير مُخصَّص للادّخار.
إهمال الاستثمارات: إنَّ التوقُّف عن مُتابعة الاستثمارات الخاصَّة، أو اليأس منها، يُؤدّي إلى خسارتها تدريجيّاً، ومن الجدير بالذكر أنَّ التخطيط الجيّد، والمُتقَن يُساهم في نجاح أيّ مشروع استثماريّ.