كيف تم القضاء على الحياء داخل الأسرة الجزائرية
*
رشيد مصباح(فوزي)
الجزائر
*
قبل الاستقلال، كان المجتمع الجزائري المسلم محافظا على هويته وأخلاقه، وحتى كلمة محافظ لا تعكس الحالة النفسية الغالبة على شعب سواده الأعظم من البدو الرحّل غير المستقر. والأمر ذاته بالنسبة إلى المقيمين في الحضر، من الأسر التي ظلّت تحافظ على أصولها رغم الظروف المحيطة بها، والتي حاولت فرنسا من خلالها فرض ”نمط عيش“ على الطريقة الغربية.
بعد الاستقلال، لم يكن من السّهل التّخلّص من كل المظاهر التي عرفتها الجزائر خلال عقود من الاحتلال، مظاهر لا تعكس ثقافة الشّعب الذي ظلّ مستميتا يدافع عن أصله؛ ولغته، ولهجاته، وعن دينه بصفة خاصّة. ولم ينصهر في الثقافة الغربية ”الماجنة“ على الرّغم من كل هاته الظروف.
لكن الفراغ الذي تركه المحتل الذي ظلّ لعقود يحاول طمس هوية الشّعب الجزائري وتغريبه قدر الإمكان، كان لابد من ملئه بأيّ وسيلة، ولأن: ”الطبيعة ترفض الفراغ“ -كما قال أحدهم-، لذلك بات اللّجوء إلى الدوّل العربية الشقيقة لتعويض النقص الكبير في شتّى المجالات، سيما في المجال الفكري والثقافي الأدبي، لملء هذا الفراغ.
لكن، وكما لا يخفى على أحد، فإن الدوّل التي كان بإمكانها مساعدة الجزائر في النّهوض واستعادة هويتّها بعد عقود من التغريب، مثل مصر التي أُريد لها أن تكون القدوة أو ”الأنموذج“ في العالم العربي والاسلاميّ، كانت قد تعرّضت بدورها لنفس المؤامرة من قبل. ولم تكن هذه الريّادة مستحقّة، بل تم التخطيط لها كما تم التخطيط بعد ذلك لدولة مثل الإمارات العربية المتّحدة كي تكون أداة الغرب الليبرالي الطويلة في العالم العربي، وبالتاّلي يكون المحتل قد ضمن سيطرته الكاملة فكريا، وأدبيّا، وثقافيا… على الشعوب ”المغلوبة على أمرها“، التي ظلّت لعقود تعاني من التخلّف والجهل والحرمان بسبب احتلال غاشم، لكنها وعلى الرّغم من ذلك، بقيت متمسّكة بهويّتها ولم ينجح الغرب المحتل في اجتثاثها من جذورها. ما دفع به إلى تغيير قواعد اللّعبة بتوظيف الأساليب النّاعمة بدلا من القوّة المفرطة.
ولأجل ملء هذا الفراغ، قام النظام في الجزائر بفتح الباب على مصراعيه أمام الدول العربية الشقيقة، خاصة منها مصر التي لم تبخل بإقامة ”جسر ثقافيّ“ تم من خلاله تزويد التلفزيون الجزائري بأنواع من الأغاني والأفلام الرّومانسية والعاطفية وحتى ”الماجنة“ التي قضت على ما تبقّى من حشمة وحياء داخل الأسرة الجزائرية. وبذلك تكون مصر الشقيقة قد أدّت ما عليها وحتى وصل بنا الأمر إلى ما نحن عليه الآن من غزو شنيع هتك بمعتقداتنا الفكرية والأخلاقية في ظلّ هذه العولمة ووسائلها الخبيثة.