تعاليقرأي

هدفي من الكتابة

د محمود عباس

بغض النظر على إنني لم أتقيد بحدود ضيقة عند كتابة الكتب، وبعض المقالات الواسعة أو الدراسات، والتي احتفظ بهم ضمن أرشيفي، حرصت كثيرا على عدم تجاوز منهجية الحرص الوطني عند كتابة معظم مقالاتي اليومية، والتي لم أتخلى فيهم يوما عن تعويم قضيتنا القومية على المصالح الحزبية، ولم أعرض رؤية أو تحليل أو نقداً في الإشكاليات الكوردستانية، وخاصة المتعلقة بالخلافات الداخلية، قبل أن أسأل نفسي ما الهدف من النشر، والغاية التي أطمح إليها؟

 وما هي الإيجابيات المتوقعة من عرض المقال على العامة؟

هل تسودها سمات التهجم والطعن؟

 أم تطغى النصيحة والتوعية وتدرج كمحاولة لتصحيح وتنوير المسارات؟

هل ستساعد على التقارب الكوردي-الكوردي أم ستزيد من شرخ الخلافات؟ دون المبالاة بمدى اهتمام الحراك الحزبي بالمطروح حاضرا من عدمه، فما يهمني هو عرض المفهوم أو الإشكالية بدون تحيز حزبي، والذي قد يكون له تأثير على رؤية المجتمع في القادم من الزمن.

 منذ سنوات وأنا أتوجه إلى الداخل الكوردي وحراكه الحزبي أو الثقافي، وإلى الإدارتين، في كتاباتي وحواراتي بالدبلوماسية المرنة، وهي من سمات سياسة العصر، أرجح اللباقة في النقد حتى ولو كان حاداً على النقد السلبي، مع ذلك كثيرا ما أتلقى الردود الفجة والتهم من عناصر طرفي الاستقطاب الحزبي الكوردي بالانحياز أو دعم الطرف الأخر، والطرف الآخر يتغير حسب تناولي للإشكالية المثارة، أو عند نقد سلبية هنا أو دعم إيجابية هناك، وبذلك أكون قد بنيت، حسب مفاهيمهم، دار في الجهة المقابلة، وأهدمه  بعد عرضي لإشكالية أخرى لأبنيه في الجهة الأخرى، وهنا يتناسون القضية القومية والوطنية.

 حتى اليوم لم أنشر كتاب من كتبي المستلقية في أرشيفي، لأنني كما ذكرت لا أتعامل مع القضايا الجارية بتحفظ، على قدر ما أحرص عليه في مقالاتي اليومية. ففي الأولى أرجح القادم، وحيث بناء الركيزة الثقافية، وفي البعد الثاني أبحث عن الحاضر ومجرياته والذي لن يكون لنا مستقبل دونه، وأسأل ذاتي ما مدى فائدة كتبي لحاضرنا المدمر، مقارنة بما يتطلب منا إنجازه من خلال التعامل اليومي مع الواقع، لتعويم القضية الوطنية والقومية على الخلافات الحزبية الكارثية، الخلافات التي تدمر الحاضر والمستقبل معاً.

  فالعمل على كيفية مواجهة مؤامرات الأعداء الجارية لا تنتظر مجلدات لفضحها أو مواجهتها، بل كتابات ونشاطات يومية تنور الدروب السياسية المعتمة أمام مجتمعنا وحراكنا، ولا شك بأن ما تحتضنه الكتب القيمة من الأسس المتينة لبناء ثقافة عصرية تنور الشعب، هو الأفضل للأجيال القادمة على المدى البعيد، لكننا وبما أننا اليوم في مرحلة التحرر وحيث الصراع اليومي مع الداخل والخارج، فالكتابات اليومية لها سلطتها في هذه المرحلة الحرجة، والتي قد تزول بعد زوال المرحلة والإشكالية، ولذلك لا بد من التمعن في متنها وإلى ماذا تهدف قبل نشرها، وعدم التوقف على التهجم العشوائي من مريدي طرفي الاستقطاب، الـ ب ي د وأحزاب المجلس الوطني الكوردي.

 لا شك هناك بعض الأخوة من الحراك الثقافي والسياسي يشاركونني هذا الأسلوب في الكتابة، وعدم الانحياز إلى قطبي الخلافات المدمر للذات قبل القضية، والتي لها صوتها، علماً إنها الشريحة الأقل حضورا بين المجتمع، والأكثر رفضا وتجافيا من قبل أغلبية الحراك الحزبي. فجلنا ندرك أن قلة الاهتمام بهم وبما يطرحونه حالة طبيعية، لإن أصحاب الأقلام التي لا تجاري طرفي الاستقطاب، ولا تنحاز إلى معاركهم، ولا تحمل أسلحة أحد الأطراف ضد الآخر، تهمل إما عن عمد أو لبساطة المجتمع، لكنها الشريحة الناجحة على المدى الطويل ومفاهيمها هي الرابحة، إن لم تكن تنويرية اليوم فهي التي ستخلق الحركة التنويرية غداً، ومن المعروف أن جميع الحركات التنويرية في التاريخ كانت شبه منسية في بداياتها، لأن غاياتهم أسمى من أن تتأثر باعتراضات بعض الجهلاء.

 نقدت في الماضي، وبقساوة ودون دبلوماسية، وأحيانا هاجمت وبشكل مباشر أخطاء الحراك الحزبي الكوردي وبدون تحفظ، لكن تبين لي وبعد سنوات تبين خطأ الأسلوب فقد  كان يزيد من شرخ الخلافات ويعمق العداوة، وإن الفرصة تكاد أن تمر ونحن لا زلنا نتناول قضايانا بالأساليب الكلاسيكية الضحلة، التي تضر أكثر مما تنفع، كما وجدت بأن الأعداء يسبقوننا بمراحل في طرق معالجة قضيتنا ومحاربتنا، فعلى سبيل المثال: وضعهم المصطلحات الفضفاضة مكان النظام الفيدرالي، ونشروا مفهوم المواطنة لاحتضان الكورد ضمن الوطن السوري اللقيط، وغيرها من الطروحات المخادعة، ونحن بالمقابل أستمرينا نواجههم مثلما نتعامل بين بعضنا من على منهجية متخلفة ومهترئة.

 انتبهت وبعد سنوات بأنه لا بد من أساليب عصرية في معالجة قضايانا القومية والوطنية، تتلاءم والمرحلة، لنكون على مقدرة مواجهة المفاهيم المخادعة والتي يتم نشرها بين الكورد قبل المكونات السورية الأخرى، بشرط ألا يكون الهدم غايتنا إن كانت على مستوى سوريا أو الحركة التحررية الكوردية، بل التوعية والتنوير وتصحيح المسارات، وعدم الانحياز الأعمى لأية جهة من طرفي الاستقطاب الحزبي المفروضين على الشعب، والوقوف في وجه خلافاتهم الحزبية، ونشر الوعي السياسي. ولربما لا زالت أساليب المعالجة دون المطلوب لكن الرؤية واضحة، فليتنا نساعد بعضنا لخلق نقلة نوعية في طرق تناولنا لقضايانا.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى