أحوال عربية

كلفة الفساد

محمد رضا عباس

الفساد في دوائر الدولة لا ينتهي وهو يشمل الدول الفقيرة والغنية , الصناعية والزراعية , في الديمقراطيات العريقة والجديدة , وفي نظم الاقتصاد الموجه والمنفلت . كثيرة هي أسبابه ودرجات حجمه .جميع الدول لديها قوانين صارمة ضد الفاسدين , ومع هذا لم ينتهي الفساد فيها.
على العموم وبالمعنى الواسع , فان الفساد الإداري يعني الإساءة في استخدام الوظيفة الحكومية للحصول على منافع شخصية . الفساد قد يكون ثنائي عندما يحاول الموظفين الحكوميين تأخير إنجاز معاملات المراجعين او تمشيتها مقابل الحصول على مكافئات مالية , رشوة.
في بعض الأوقات تصل الكلف الاقتصادية لفساد المتنفذين في الدولة الى المليارات من الدولارات ,مثل اصدار صكوك مزورة , او على شكل غض النظر عن استيراد سلع تضر الصحة العامة وتسبب الوفيات مثل تمرير أدوية فاسدة او المخدرات او الأغذية المنتهية الصلاحية .
وقد يكون الفساد عن طريق غض النظر عن شروط بناء جسر قد يؤدي الى سقوطه او انهيار عمارة على المارة . او عن طريق تمرير عقود وهمية مثل عقود التسليح والكهرباء التي عانى منها العراق بعد التغيير.
الفساد الإداري الحكومي لا يعفي أحدا من تأثيراته , ومن بعض هذه التأثيرات هي:

  1. الفساد الحكومي قد يؤدي الى انتفاخ في ثروة رجال الاعمال . رشوة موظف حكومي تسمح بإدخال بضاعة لا تطابق المواصفات الحكومية يعني الربح الوفير للمستورد.
  2. الفساد الإداري يمثل ضرائب غير مباشرة على كاهل المواطنين . دفع رشوة من اجل الإسراع بتسريح بضاعة مستوردة الى موظفي الموانئ , يعني زيادة كلفة البضاعة والتي في الأخير سيتحملها المستهلك.
  3. الفساد الإداري يقتل روح المنافسة في السوق. منع استيراد سلعة معينة بحجة حماية الإنتاج الوطني , يعني قتل المنافسة بين المنتوج الوطني والعالمي , وفي الأخير احتكار السوق لصالح المنتج الوطني بنوعية رديئة وسعر اعلى.
  4. الفساد الاداري قد يؤدي الى زيادة الفقراء في البلد . تعطيل مشروع حكومي معين يعني تقليص فرص العمل في السوق. هذه المشكلة عانى منها العراق خاصة في مشاريع البنى التحتية التي تعطل العمل عليها بسبب منح المشاريع الى مقاولين غير مؤهلين .
  5. والفساد الإداري يقلص واردات الدولة من الضرائب . وهذه المشكلة هي الأخرى عانت منها الحكومات العراقية بعد التغيير , وربما لحد الان , حيث كشفت التحقيقات من ان المسؤولين على تعيين الضرائب يتلاعبون بحجم الضريبة مقابل رشوة معينة.
  6. معروف ان الشركات الأجنبية العملاقة تحاول دفع رشاوى لموظفين كبار في الدول المضيفة من اجل ربح مشروع معين , قد يكون اكثر ربحا للدولة لو أعطوا المشروع لشركة أخرى . وفي حالة أخرى , قد ترفض الشركات الكبيرة المحترمة الاستثمار في بلد يكثر فيه الفساد خوفا على سمعتها او خوفا من زيادة كلفة انتاجها.
    لا يمكن سرد جميع تأثيرات الفساد الإداري الحكومي على بلد , ولكن بكل تأكيد فان الفساد الإداري يؤدي الى التراجع الاقتصادي وقتل الروح الوطنية عند المواطنين و انتقاص من هيبة الدولة , وهذا ما عانى العراق منه بعد التغيير .
    الفساد الإداري كان موجودا منذ تأسيس الدولة العراقية ولم تستثنى منه الا حكومة الراحل عبد الكريم قاسم , ولكن الفساد انفجر بعد التغيير الى درجة اضطر رئيس الوزراء نوري كامل المالكي الاعلان من ان الفساد اصبح يهدد استقرار البلاد حاله حال الإرهاب المسلح , فيما وصف مكتب رئيس المفتشين لإعادة اعمار العراق الأمريكي , بان الفساد في العراق اصبح ” صعب السيطرة” عليه , ووضعت منظمة الشفافية العالمية العراق في خانة 175 دولة من مجموع 178 دولة في عام 2011.
    أسباب عديدة أدت الى اندلاع الفساد بعد التغيير , ومنها:
  7. ارث النظم السياسية السابقة والحصار الاقتصادي العالمي الذي كسر عظام العراقيين.
  8. دخول أموال ضخمة لإعادة بناء العراق في وسط اضطراب امني وسياسي هائل.
  9. انهيار الجهاز الأمني والقضائي بعد التغيير بعد انتشار الإرهاب فيه.
  10. لم يكن النموذج الأمريكي لإدارة الاقتصاد العراقي بالنموذج النزيه. James burchوكيل المشرف العام لوزارة الدفاع الامريكية للتحقيقات ذكر ان مكتبه يحقق في 67 قضية احتيال في عام 2010, ومقابل 69 قضية في عام 2009. المحققون ادانوا مسؤول عسكري وذلك بسبب تحويل مبالغ كبيرة باسمه داعيا بانه كان يدفعها الى مليشيات عراقية وقبول رشاوى من ثلاثة مقاولين لسماح لهم سرقة مئات الالاف الدولارات من البانزين من احد القواعد العسكرية في بغداد .
  11. استهداف مسؤولي الدولة من قبل المسلحين وتعطيل دور الدولة التنفيذي.
  12. جهل القادة الجدد بادرة شؤون الدولة . وضع الإنسان غير المناسب في مكان مناسب يؤدي إلى شلل وتخريب في المكان , وهذا الإنسان غير الكفؤ عند تعيينه سيحرص على إحضار أناس غير أكفاء أقل منه ليتمكن من التحكم، فينحدر المستوى ككل ومن ثم تستمر الدائرة هكذا دواليك وتخرب المنظومة كاملة (صفوق الشمري)
    وفي الأخير , التجربة العراقية تقول : اقضوا على الفقر والتخلف يتراجع الفساد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى