كرة القدم – مرض؟!
سليمان جبران
كثيرا ما أسأل نفسي موبّخا: هل كرة القدم مرض لا شفاء منه فعلا؟ في الآونة
الأخيرة لا أكاد أهتمّ بالأخبار السياسيّة، رغم كثرتها، وجاذبيّتها أحيانا. أقرأ العناوين
فحسب. لا أعرف من أين جاءني مرض كرة القدم. أكاد أشاهد معظم المباريات!
في الماضي سكنتُ في عسفيا على جبل الكرمل. كنّا نفاخر معظم البلدات، لأنّنا
نشاهد كرة القدم المصرية، وإن بصعوبة. قبل الأقمار الصناعيّة كانت عسفيا
محظوظة. والكبابير أيضا. نشاهد فيها مباريات كرة القدم المصرية على أنتينة
عادية. أذكر ولا أنسى: في مرّة من المرّات لم تظهر الصورة على التلفزيون. تبرّع
صاحب البيت بتوجيه الهوائيّة/ الأنتينة وهو واقف.. ظلّ يحاول حتّى ظهرتِ
الصورة واضحة. خليك هيك، صاح به الجميع! أمّا اليوم فتغيّر كلّ شيء، بفضل
الأقمار الصناعيّة كما أسلفنا.
كنتُ أكتفي بمشاهدة كرة القدم وأنا جالس مع الأصدقاء على الكرسي عند أحدهم.
لكني رافقتُهم مرّة لمشاهدة مباراة بين هبوعيل ومكابي حيفا في كريات حاييم..
معظم الأصدقاء كانوا من الدالية، يؤيّدون مكابي طبعا، ويكرهون هبوعيل ولباسه
الأحمر أيضا! فجأة ارتفع صوت أحدهم عاليا: يا كلاب، يا كومونستيم! عندها فقط
عرفتُ أنّي في المعسكر الخطأ. لونيّا على الأقلّ!
في مصر كان تأييدي صائبا أيديلوجيّا. أيّدتُ النادي الأهلي، مثل معظم الأصدقاء
من حولي في عسفيا. كيف يمكن تأييد ريال مدريد، ويسمّى عادة بالفريق الملكي؟
هذه وحدها تكفي لتأييد الأهلي، ومعارضة الزمالك! أنجدني القاموس في هذا التأييد
أيضا. الأهلي تعني الوطني، من أهلنا، منّا وفينا! أمّا الزمالك، وهي اسم حيّ
& أرستوقراطي& في القاهرة، عاصمة مصر، فتسميته غير عربيّة. من حسن حظّي
أيضا أنّي وجدتُ في القاموس أنّ الزمالقيّة تعني عدم الرجولة أيضا. أيّدتُ الأهلي
عفوا، وكلّ ما اضافه القاموس، كما تبيّن لاحقا، كان لصالحي أيضا!
في الرياضة العالميّة، الأوربيّة يعني، وجدتُ في تأييد برشلونة كلّ العوامل السابقة.
إلّا أنّهم يطمحون للاستقلال أيضا، ليتخلّصوا من إسبانيا والملكيّة في إسبانيا. هذه لم
يكنْ من السهل عليّ تأييدها.
لكنّ الرياضة اليوم، وكرة القدم طبعا، يحكمها القرش! فريقك ممتاز طالما كان جيب
إدارته ممتازا. تسمع المبالغ المتداولة فتأخذك الدهشة. تجاوزوا الملايين، فكيف
للبسطاء تأييدهم، ولم يتجاوزوا المليون في المدرسة، كيف يمكنهم تأييد هذه الفرق
وجيوبهم فاضية؟! ما دام الجيب ملآن، والوسائل كثيرة متاحة، فكلّ شيء جائز.
حتّى إجراء المونديال في الصحراء!
تقرأ عن الأموال التي دفعتها قطر فتقف مشدوها. أنا لا أقصد الملايين التي أنفقوها
في بناء الملاعب المحلّية فقط. أقصد الملايين في البرطيل أيضا. هناك ملايين،
ألوف على الأقلّ، لاقوا حتفهم في بناء هذه الملاعب. وكأس العالم نقلوا توقيته من
الصيف إلى الخريف، إلى الشتاء أيضا، في بلد صحراويّ، لا يعرف الفصول ولا
المطر!
كيف يمكننا الاستمتاع بكرة القدم، إذا تذكّرنا أثمان اللاعبين، وما دفعه المضيفون
أيضا! يقولون إنّ النسيان نعمة. في هذه الحالة طبعا!!