قمة الأكفان والخشب المسندة

قمة الأكفان والخشب المسندة

الدكتور خيام الزعبي-استاذ العلاقات الدولية بجامعة الفرات السورية

راهن الصهاينة كما في الحروب السابقة على بث الرعب في شعب غزة ومحاولة دفعهم للتخلي عن الفصائل المقاومة، ورغم فداحة الخسائر وبشاعة الجرائم خاب ظن الصهاينة إذ إزداد ولاء شعب غزة للمقاومة قوة، خاصة في ضوء أدائها العسكري النوعي والمُبهر، فقد تكبد الجيش الصهيوني خسائر جمة في الأرواح والسمعة، لكن الحرب المستعرة ضد غزة ومقاومتها كشفت إلى أي مدى وصل حجم تآمر بعض الأنظمة العربية مع الصهاينة، فلم تكتف هذه الأخيرة بنفض يدها من قضية العرب والمسلمين الأولى فقط، بل تحولت إلى شريك صريح بعدما كان مُضمراً في العدوان ومحرض شرس على الإستمرار فيه، وهذا ما صرح به قادة الصهاينة أنفسهم حيث تفاخروا أمام وسائل الإعلام بتوفرهم على أرصدة إستراتيجية ضمنتها تلك الأنظمة.

والجدير بالذكر إن إسرائيل الارهابية تواصل منذ 7 أكتوبر شن غارات مكثفة على غزة وتقطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية عن القطاع، ما أثار تحذيرات محلية ودولية من كارثة إنسانية مضاعفة بموازاة مداهمات واعتقالات اسرائيلية مكثفة في مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة.

بالمقابل أصدرت الرئاسة المصرية بياناً منفرداً بعد انتهاء القمة التي دعت لها ” قمة السلام” للتشاور والنظر في سبل الدفع بجهود احتواء الأزمة المتفاقمة في قطاع غزة، وكذلك مستجدات الأوضاع في الاراضي الفلسطينية وإسرائيل، دون تضمين أي من الدول التي حضرت القمة في البيان ما يكشف عن خلاف كبير حول بنود البيان الختامي الذي حال دون صدور بيان جامع لكافة المشاركين في هذه القمة، فقرار الرئيس السيسي إنهاء القمة بعد كشف نوايا الحضور أمام العالم وأمام شعوبهم وكشف للجميع مبدأ ازدواجية المعايير عند الغرب ومنبطحيهم وكذلك كشف تأليف القانون الدولي حسب خدمة مصالح دول معينة ومحددة.

إن الخلاف حول بنود البيان الختامي لقمة السلام، دون تحديد موقف مشترك تجاه إجرام الكيان الصهيوني، تجعلنا نقف مستغربين من هذا الصمت الفاضح للدول العربية، وموقفها المتخاذل إزاء القضية الفلسطينية و القصف الهمجي والعدواني على غزة، كما لو أن فترة الحرب على غزة التي إستمرت أكثر من أسبوعين التي إستعمل فيها الصهاينة كل أشكال الإجرام من قتل وتدمير لم تكن كافية ليكّون لدى هذه الدول صورة وموقف واضح اتجاه هذه الأحداث، وبالمقابل كان هناك السرعة الفائقة التي قامت على إثرها الجامعة بتفعيل المادة 18 من ميثاقها وتجريد سورية من عضويتها، في حين تلكأت في القيام بأي خطوة عملية تهدف لوقف الأعمال العدوانية لجيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة.

واليوم مضى على تأسيس الجامعة العربية أكثر من ستون عاماً والاعتداءات تتوالى على الشعوب العربية إن كان في كرامتهم أم في أرضهم ولم نراها قد قامت بالتصدي لأي إعتداء تعرضت له شعوبها أو الوقوف إلى جانبها بدءاً من القضية الفلسطينية إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وولادة سايكس بيكو2، إضافة إلى الأحداث التي تجري في سورية واليمن والعراق و الصومال والسودان وليبيا وغيرها.

وما يثير الشفقة على هذه الجامعة ويخلق الإستياء في نفوس الشعوب العربية هي المواقف القوية والداعمة من قبل دول أمريكا اللاتينية شعوباً وحكاماً لأهل فلسطين وغزة بينما تتقازم المواقف لزعماء العرب ويغوص بعضها في وحل دعم وتأييد وخدمة عدو العرب الأول ” الكيان الصهيوني” وبشكل مكشوف وواضح ومن دون إستحياء أو ضمير والدم الفلسطيني يروي أرضها وإسرائيل تفعل كل ما تريد في أرض فلسطين المحتلة والعرب أخيراً يتفرجون لا يدينون أو يشجبون وكما كانوا يفعلون سابقاً، والغريب في الأمر أن كل هذا الذي يدور من حولنا، والذي يعتبر من أكبر المؤثرات على مستقبل أمن وسلام أجيالنا وأوطاننا، ونحن ندور حول أنفسنا، ونحتج وندد ونعترض ونجتمع، فجامعة دول كبيرة مثل الدول العربية، وهي تواجه الأزمات التي تهدد مصيرها وكيانها ومستقبلها، يكاد ينحصر نشاطها في ندوات ورحلات وتصريحات خجولة وبيانات ضعيفة، ومراسم إحتفالية وطقوس تشريفاتية، بينما الشارع العربي لا يستطيع أن يحصي ضحاياه.

في إطار ذلك يمكنني القول إن صمود المقاومة الفلسطينية في غزة أسقط الوهم الذي زرعه الكيان الصهيوني في نفوس العرب أن الجيش الإسرائيلي لا يُقهر ، كما أحرجت قوى المقاومة كل الشعوب العربية، ومهما نعبر بكلمات الإعجاب والصمود الذي يسطروه فإننا نشعر بالصغر والتقزّم أمام أطفال غزة ونسائها فضلاً عن رجالها الصامدين، ومجاهديها الذين سطّروا ويسطرون أنصع صفحات البطولة والفداء نيابة عن الأمة كلها.

وبالتالي فغزة ليست بحاجة لزيارات تفقد أو حملات تبرع من جامعة الدول، بل هي بحاجة لشحذ الهمم و وضع كل الخلافات جانباً والتوحد من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، ومن هذا المنطلق إننا اليوم أمام حتمية لا مفر منها لإعادة ترتيب الصف العربي وبناء نظام إقليمي عربي جديد بعيد تمام البعد عن جامعة الدول العربية بصورتها الحالية، و مبني على أساس مشروع حضاري تقوده شعوب متحررة لا تعرف الإستسلام أو الخنوع، وتشكل فيه فلسطين نقطة إرتكاز إستراتيجية.

والسؤال الذي يراودني دائماً، هل لا تزال الجامعة العربية على قيد الحياة؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا لا نشعر بوجودها ولا نسمع عن أي من إنجازاتها التي تهم المواطن العربي وتنير له طريق الأمل؟ أما إذا لم تعد على قيد الحياة، فلماذا تصرف الدول العربية مئات ملايين الدولارات من أموال العرب سنوياً على شيء وجوده مثل عدمه؟

وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن أجيالنا القادمة لا تحتاج بكل تأكيد إلى جامعة الدول العربية في شكلها ووضعها الراكد الحالي، بل جامعة دول تكون قادرة على إيقاف بعض الدول العربية عن الخلافات وإدارة الصراعات والعنف والقتل الحاصل والممول عربياً، نظراً لوضع العرب المنهار الناتج عن الصراع العربي – العربي والتدخل الخارجي وخصوصاً الإقليمي في شؤون بعض دول المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى