أحوال عربية

قراءة متأنية في ما وراء مشروع ترامب لتهجير شعبنا وآفاق توسيع اشتباك المنطقة مع السياسة الأمريكية

رباح جبر: مسؤول الإعلام المركزي للجبهة الديمقراطية في إقليم الضفة الغربية
كثرت التحليلات والمقالات والمواقف المتعلقة بدعوات ترامب لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة وخاصة بعد
مؤتمره الصحفي مع نتياهو الذي أعلن فيه ليس فقط تهجير سكان غزة .. بل حكمها أي احتلالها من قبل
أمريكيا، والذي أدانته الغالبية الساحقة من دول العالم ومؤسساته وهيئاته الدولية وشعوبه حتى من قبل أوساط
واسعة من الشعب الأمريكي وممثليه ومؤسساته، عوضا عن الدول العربية والشعب الفلسطيني وقواه المختلفة.
ومن الطبيعي أن تتم مواجهة هذا المشروع بالرفض الدولي والعربي وأن يوصم بالتطهير العرقي وجريمة
حرب، وبأنه يعبر عن مواصلة أمريكيا لشراكتها في حرب الإبادة على شعبنا التي بدأتها إدارة بايدن من خلال
تسليح إسرائيل والتغطية السياسية والديبلوماسية على جرائمها… ولكن ترامب وأركان إدارته يعرفون جيدا
ومتيقنون أن الشعب الفلسطيني بعد 76 عاما من إقامة دولة إسرائيل،  لن يكون ( الهنود الحمر الجدد )  –
عفوا على التعبير- أقصد السكان الأصليين في أمريكيا الذين أبادهم المستعمرون البيض الأوروبيون ، وحتى
كبار قادة جيش الإحتلال أعلنوا في لقائهم مع وزير الحرب ” كاتس”، عن عدم واقعية مشروع ترامب وكذلك
رئيس الموساد الذي تعرض لتوبيخ مماثل من قبل نتنياهو وكاتس على إعلانه لهذه الموقف.
إذن، مادام الأمر هكذا، فما هي المرامي الأمريكية وراء الإعلان عن المشروع الترامبي، وما المتوقع
للسياسية الأمريكية المقبلة تجاه المنطقة
‎‎‎‎‎‎‎
لقد خرجت إسرائيل مهزومة لم تحقق أيا من أهدافها من العدوان على غزة، وهذا ما عبرت عنه وسائل الإعلام
الإسرائيلية المختلفة بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتوالي المشاهد القادمة عن المقاومة في غزة
المصاحبة لعملية الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وعودة النازحين بمئات الآلاف من جنوب القطاع إلى
شماله المدمّر تماما دون انتظار حتى التزوّد بالخيام لتأويهم ، هذا أدى إلى تحوّل في المجتمع الإسرائيلي لدرجة
أن استطلاعات الرأي قبل لقاء ترامب – نتنياهو كانت تشير إلى أن أكثر من 70% من المجتمع الأسرائيلي مع
عدم العودة للحرب حتى لو بقيت حركة حماس في الحكم ، ونفس الإستطلاعات تفبد أن نتياهو وائتلافه لن
يتمكنوا من العودة للحكم لو تم تقديم الإنتخابات في إسرائيل.
إذن أصبحت الهزيمة في غزة هي التي تؤرق نتنياهو وحلفائه وبحاجة لم يخلصهم من هذا الأرق، وضالتهم
ستكون الرئيس الأمريكي ترامب الذي أعلن عن مشروع التهجير وهو بهذا معتقدا أن سيصيد عصفورين
بحجر:
1.سيعود نتنياهو ليقول للإسرائيليين … لقد خلصتكم من قطاع غزة والمقاومة وهي الأن في العهدة الامريكية
وستقوم أمريكيا بإتمام ما فشلنا في تحقيقه ( التهجير والتطهير العرقي ) ،وهو يعتقد أن مشروع ترامب للتهجبر
سوف يحجب الهزيمة التي تلقتها أسرائيل بعد خمسة عشر شهرا من عدوانها على غزة، وهذا طبعا سيمكنه من
الدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار دون الخشية من إسقاط حكومته ، ولن تعود غزة  تشكل
موضوعا مهما في استطلاعات الرأي، وبالتالي دعوة بن غفير إلى العودة للحكومة وعدم إسقاطها حين اعتبر
نتياهو أن من يسقط الحكومة اليمينية وكأنه يسقط دولة إسرائيل.. وفور انعقاد المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه

ترامب عن مشروع التهجير، بادر بن غفير الى القول : نحن في طريق العودة للحكومة … أي ضمان استمرار
نتنياهو في الحكم وقطع الطريق على أي انتخابات مبكرة ستطيح به حتما.
2.سيحاول ترامب من خلال مشروع التهجير، الإلتفاف على مطلب المملكة العربية السعودية ببناء مسار يؤدي
لإقامة دولة فلسطينية كشرط للتطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل، وكأنه يعتقد ( وهو تاجر عقارات يجيد فن
التحاور والمساومة وعقد الصفقات )، أن يقول للسعوديين … إذا كنتم ترفضون التهجير .. حسنا سأتخلى عنه
مقابل التطبيع مع إسرائيل، أي أن مشروع التهجير سيستخدمه ترامب للمساومة والإبنزاز.
ولكن الرد من المملكة العربية السعودية جاء سريعا وحاسما قاطعا على لسان وزارة خارجيتها وفي الساعة
الرابعة صباحا بتوقيت السعودية، أي مباشرة بهد انتهاء المؤتمر الصحفي في واشنطن … لن نقيم أي
علاقات مع إسرائيل إلا بعد إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس (
وليس مجرد  مسار يؤدي لدولة )، وهذا يأتي بعد عدة أيام من بيان السداسي العربي في القاخرة الذي حمل
نفس المضمون.
وهذا الأمر أصاب نتنياهو بالجنون مما دفعة للقول للسعوديين ( لديكم أراضي شاسعة فلتقيموا فيها دولة
للفلسطينيين).
ولكن هذه القراءة يجب أن لا تقلل من خطورة مشروع ترامب وضرورة مواجهته دوليا ، من خلال تحويل
رفض هذا المشروع إلى إجراءات عملية تتجاوز حدود الإدانة إلى رفع قضايا في المحاكم الدولية، وحتى في
المحاكم الأمريكية، مثلما دعا عدة سيناتورات ونواب أمريكيون قبل عدة أيام إلى محاكمة ترمب وعزله بدواعي
زج أمريكيا في تطهير عرقي يذكّر بإمبريالة القرن التاسع عشر.
وعربيا ، بالإضافة إلى أن هذا المشروع يتعارض مع مصالح الدول العربية وأمنها القومي ، سواء التي رشحها
ترامب لاستضافة المهجرين الفلسطينيين أو الدول المضيفة، لأن مشروع ترامب في التهجير يعني إسقاط حق
العودة  والتوطين للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن ،كما أن الإدارة الأمريكية لن توقف تدخلاتها
الفجّة في شؤون المنطقة وإعادة رسمها من جديد خدمة لمصالحها ولوكيلتها وحارسة مصالحها ” إسرائيل ”
التي تسعى أمريكيا لتجعلها سيدة المنطقة وشعوبنا العربية عبيدا لها … فمثلا …
ستحاول الإدارة الأمريكية الضغط على سوريا وابتزازها .. رفع العقوبات مقابل التنازل عن الجولان والتطبيع
مع إسرائيل … وعلى لبنان سيضغط الأمريكان لتهميش دور الثنائي الشيعي في الترتيبات الحكومية التي
يدور الحديث عنها حاليا حتى يظهر بمظهر المهزوم ( وهذا بدأ فعلا من خلال تصريحات مورغان أورتاغوس
نائبة المبعوث الأمريكي للبنان التي هاجمت حزب الله  من القصر الرئاسي اللبناني وطلبت استبعاده من
تشكيلة الحكومة اللبنانية قيد التشكيل)… وعلى الأردن بوقف المساعدات الأمريكبة .. وعلى مصر بربط
المساعدات الأمريكية بالتحكم في تسليح الجيش المصري المتعاظم حاليا، وهذا ما عبر عنه مندوب الإحتلال
في الأمم المتحدة وأصبح الشغل الشاغل مؤخرا في الإعلام الإسرائيلي، وهكذا ستتعامل مع بقية الدول العربية
…. والإعتقاد أن كل ذلك سيوسع دائرة الإشتباك في المنطقة مع السياسة والبلطجة الأمريكية في عهد
ترامب، في حال ضغطت الشعوب العربية على أنظمتها إلى  الدرجة التي تضطر فيها هذه الأنظمة إلى رفض
الإنصياع للإرادة والسياسة الأمريكية وهي متسلحة بموقف شعوبها.
وفلسطينيا … صحيح أنه وحسب هذه القراءة فالمشروع – حتى لو لم يكن مناورة ترامبية – لن يمر بسبب
رفض الشعب الفلسطيني أساسا ، لكنه يفرض تحديات ومهام جديدة على الحركة الوطنية الفلسطينية ، خاصة

وأن المخطط الإسرائيلي والمعركة المتجددة مع الإحتلال هي الضفة … لذلك فإن مواجهة خطة ترامب في
التهجير ومشروع ضم الضفة التي أطلق عليها إسم ( يهودا والسامرة )، تبدأ من استعادة الوحدة الوطنية
لمواجهة التحديات الجديدة التي تتعرض لها قضيتنا الوطنية، وكما واجه وأفشل صفقة القرن يستطيع أن يحبط
مشروع الضم والتهجير وحرب الإبادة التي يشنها الإحتلال الإسرائيلي على الضفة ، وذلك من خلال قيام القيادة
السياسية للسلطة بتطبيق قرارات المجالس الوطنية والمركزية المتعاقبة فيما يخص العلاقة مع دولة الإحتلال،
وخاصة قرار سحب الإعتراف بها لحين اعترافها بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته ذات السيادة على الأرض
المحتلة بعدوان 1967، واستعادة الوحدة الوطنية من خلال تطبيق إعلان واتفاق بكين الذي أجمعت عليه كل
فصائل العمل الوطني، ودعوة الإطار الوطني المؤقت للإنعقاد وتشكيل حكومة التوافق الوطني.
فهذا هو البديل عن سياسة تقديم أوراق الإعتماد للإدارة الأمريكية التي قابلها ترامب بصفعة مشروع التطهير
العرقي والتهجير لشعبنا في غزة، وطبعا في الضفة في مراحل لاحقة بدأ اليمين الصهيوني يبشر بها، فالسياسة
الأمريكية الترامبية التي بدأت ملامحها تتضح، تقوم على إلغاء الهامش الضيق الذي حرصت عليه الإدارات
السابقة لإظهار تباين مفتعل بين مواقفها ومواقف إسرائيل، لتقنع بعض العرب والفلسطينيين بأنها مؤهلة لتقوم
بدور الوسيط … وهذا بالضبط ما تريده إسرائيل التي فقدت قوة الردع وانكشف ضعفها، ولكن حالة النشوة التي
سببتها دعوات ترامب للتهجير في المجتمع الإسرائيلي مؤقتة، وسرعان ما تتبخر وتعود الازمات فيه للإنفجار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى