في مخيم نبع الفوار الواقع في جنوب الضفة الغربية المحتلة

في مخيم نبع الفوار الواقع في جنوب الضفة الغربية
المحتلة

القمحُ المرّ
يختار الكاتب الفلسطيني جلال جبارين عنواناً لروايته “القمحُ المرّ” ليؤكد لنا
ومنذ عتبة العنوان الأولى على الحصاد المرّ الذي ينتظر أبطال روايته، وإذا ما
توغلنا إلى مفتتح الرواية الذي يتنفس شعراً بأبيات محمود درويش وهو يقول:
“القمحُ مرٌّ في حقول الآخرين والماءُ مالح، والغيم فولاذٌ وهذا النّجمُ جارح، وعليك
أن تحيا وأن تحيا، وأن تُعطي مقابل حبّة الزّيتون جِلدك، كم كنتَ وحدك..”، فإننا
ندرك أننا أمام علامة، أو أمارة أراد بها الروائي الكشف عن هوية النص وغايته؛
ألا وهي الثمن الذي لا يزال يدفعه الإنسان الفلسطيني إلى اليوم.
تُشَكِّل رواية “القمحُ المرّ” ملحمة تراجيدية معاصرة من تاريخ الشعب الفلسطيني
في مخيمات اللجوء، خطّ الاحتلال سطرها الأوّل، ثمّ الآباء والأعراف سطرها الثاني،
والاختلاف العقائدي سطرها الثالث، لتلتقي بعد ذلك عند نقطة محورية، تلملم كل
خيوط التداعي الدرامي لحياة أبطالها المريرة وهم يواجهون الحياة تحت سلطة العدو
بما فيها من صعوبات وتحدّيات؛ حيث لا طمأنينة في ظلّ الاحتلال، ولا قيمة للنجاح
الدراسي بلا مستقبل، ولا أهمية لقصة حب لأنها لن تكتمل، ولا صحة لمواطن من
دون ماء وكهرباء وبيئة نظيفة، وأهم من ذلك لقمة العيش التي يلهث وراءها الآباء
مجبرين حتى وإن كانت على أرض المستوطنات. إنّه الخسران الذي يلف حياة
الإنسان الفلسطيني ويحوّلها إلى متاهة يصعب الخروج منها حتى مع أشد أنواع
المقاومة.
تدور أحداث الرواية في مخيم نبع الفوار الواقع في جنوب الضفة الغربية
المحتلة، وتصوّر نمط حياة الأسر الفلسطينية في مخيمات اللجوء، حيث تتحول
الحياة إلى نوع من ممارسة المأساة وبطواعية، هي رواية عن عموم الفلسطينيين
الذي يخوضون غمار حيواتهم وراء الشمس دون أن يهتم لأمرهم أحد.
من أجواء الرواية نقرأ:
أشبعتُ قفصي الصّدري بالهواء للشهيق الأكبر، وأجريتُ عملية تنفّس صناعي
لأعصاب قدميّ، ممعناً ببصرٍ من حديد في أصابعي السفليّة.. تحرّكي بالله عليك.
تحرّكي يا أصابعي لأستعيد عنات، أو حتّى لفسيلةٍ واحدة من حشائش عينيها،
تحرّكي أو اضحكي عليّ بإيماءةٍ حتى ولو كساها الوهم.. لمحتُ إصبع قدمي
الصغير الأيسر يتحرّكّ! خَرمتْ ذهني وخزةُ رجاء، فناديتُ والدتي، لكنّها لم تُجب.
صرختُ عنات، لم تُجب. ناديتُ والدي، لم يُجب. ناديتُ يافا، لم تُجب. ناديتُ ثائر،
لم يُجب. نحبتُ يا عالم، ولم يُجب. لم يُجبني حتّى صدى نداءاتي! وأنا الذي قضيتُ
عمري أكابد تعديلَ الصورة لتليق بالحائط، لم أدرك قبلاً أنّ العلّة أساساً كانت هي
الحائط. يا الله، كم هو مرٌّ هذا القمح..
كيف نعيشُ في اليسار، وأحلامنا في قبضة اليمين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى