في رحاب عبق وشذى ريحان ليلة نصف شعبان. الجالية الإسلامية تحيي المناسبة من مسجد ستراسبورغ الكبير.
تقديم :
هناك عدد من الأيام والليالي التي لها بركة وخصوصية في الإسلام منها ليلة القدر ويوم عرفة والعشر الأواخر من رمضان، ويوم الجمعة وغيرها من الأيام التي يضاعف الله تعالى فيها ثواب العابد، والذي أقبل مخلصا على عبادة الله تعالى بكلّ جوارحه، ومن الليالي التي وردت فيها أحاديث كثيرة تتحدث عن فضل العبادة فيها، وهي ليلة النصف من شعبان.
جعل الله سبحانه وتعالى لليلة النصف من شعبان مزية خاصة من حيث أنه جل في علاه يطلع فيها إلى جميع خلقه فيغفر لهم إلا مشرك حتى يدع شركه ويوحد رب السماوات والأرض، والمشاحن حتى يدع شحنائه ويصطلح مع من خاصمه . وتعد ليلة النصف من شعبان في التقويم الإسلامي أحد الأيام المباركة التي تحظى بمكانة خاصة لدى المسلمين.
تــمــهــيـــد:
تعتبر الشعائر الإسلامية من الموروث الإيماني الروحاني, من سلف لخلف منذ أمد بعيد لقرون خات, فبات المسلمون بحتفلون بها ويعظمونها.إذ تعتبر مقياس من وسائل نشر الدعوة الإسلامية والتغريب للدخول في الإسلام, بديار الغربة خاصة بأرض المهجر بفرنسا عامة وستراسبورغ خاصة, كما كانت تلك المناسبات الدينية وشعائرها فرصة لنشر الوعي والتحسيس وزرع فكر التواصل ونبذ العنف والتفرقة والعنصرية و رفض كل ما يسئ لكرامة الإنسان ومكانته التي كرمه الله وأخصه بها, وربط الأواصر الإنسانية والإجتماعية بين جموع الجاليات الإسلامية وتماسكها في وحدتها للحفاظ على الدين الإسلامي ,دين الصفح والتسامح. دين التآخي والتعايش السلمي. فكانت المناسبات الإسلامية وسيلة لتحقيق هدفين هما التعريف بالمناسبة دينيا وشعائريا وثقافيا كومورث إيماني روحاني, وإحيائها والهدف الثاني وهو التواصل مع الجاليات الإسلامية لإمتداد جسورها.والحفاظ على كيانها وتواجدها.
الحدث إحياء ليلة نصف شعبان لعام 1445هــ/2024م:
على غرار باقي البلدان الإسلامية والعربية في أنحاء العالم, أحيت الجالية الإسلامية المقيمة بمختلف جنسياتها وبلدانها شعائر ليلة نصف شعبان لعام 1445هـ/2024 بمسجد ستراسبورغ الكبير. في وسط فرحة عارمة ونكهة روحانية إيمانية إستشعارا لمكانة هاته الليلة المميزة ليلة النصف من شهر شهر شعبان. وما أدراك ما عظمة هاته الليلة المميزة, التي يتضرعون فيها إلى الله, لما لها من فضل وشمائل. الليلة التي عاشتها الجالية الإسلامية في مشهد إيماني يصعب وصفه من حيث المشاعر والأحاسيس من بداية الليلة وحتى نهايتها. ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم.
الإحتفال بإحياء ليلة نصف شعبان:
يحتفل عديد المسلمين بإحياء مناسبة ليلة النصف من شعبان, بشتى الطرق المختلفة، التي يعد لها برنامج خاص كل وإستعداده وقدرته وإمكانياته, فينطلق الإحتفال بصيام يومي الرابع 14 والخامس 15عشر,ويقام الإحتفال بإحيائها إبتداء من المغرب ليلة 14 من الشهر العربي وحتى فجر اليوم الثالي 15 من شعبان كل وإقتناعه وتصديقه. بالتلاوة والمتون و الصلاة والذكر.
هذا عن الجاني الديني وعن الروحاني قيام جلسات وأمسية سماع صوفي وفي الجانب الإجتماعي عديد الطقوس من أكل و صدقة وإسعاد الأطفال بالحلويات والهدايا و ربط الحنة للبناء والنساء. ناهيك عن إخراج الصدقات وزيارات صلة الأرحام ,الدعاء والتضرع للمولى عز و جل.
تواصل وإستمرارية :
ففي مطلع كل سنة مع توديع شهر رجب وروائع تأملات ليلة الاسراءوالمعراج, شهر الصب والخيرات كما يروي السلف رحمهم الله , يتم الإستعداد لإستقبال شهر شعبان شهر الخيرات لكي تحل علينا أعظم ذكرى في تاريخنا الإسلامي مند 14 قرن خلت. ألا وهي وعد الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وتحقيق أمنيته و تحويل وجهته للقبلة إلى مكة المكرمة بعد ما كانت من المسجد الأقصى بفلسطين لسنين عدة. لتحمل لنا بين ثناياها نسمات روحية إيمانية, تجعل الإنسان يستشعر عظمة شهر شعبان وما به من فضائل. والترحيب بقدوم شهر رمضان شهر البركة و القرآن.
تسميات ليلة نصف شعبان :
سمية ليلة نصف شعبان بأسماء عديدة منها:
ليلة البراءة. – ليلة الدعاء. –ليلة القِسمة. –ليلة الإجابة. -ليلة الجائزة – الليلة المباركة. – ليلة الشفاعة -ليلة القسمة –ليلة الغفران والعتق من النيران وليلة عيد الملائكة.
ليلة مصف شعبان و التي تغنى بها الكثير يأشعارهم الصوفية الدينية منها ما أخير بالمناسبة:
فقم ليلة النصف الشريف مصليا … فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه
فكم من فتى قد بات في النصف آمنا … وقد نسخت فيه صحيفة حتفه
فبادر بفعل الخير قبل انقضائه … وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه
وصم يومها لله وأحسن رجاءه … لتظفر عند الكرب منه بلطفه
بصمة الجالية الإسلامية من مسجد ستراسبورغ الكبير:
ومن المساجد التي أحتفلت بالمناسبة وإحياء نصف شعبان مسجد ستراسبورغ الكبير. أين أعدت لليلة فقرات متنوعة بين التلاوة والذكر والمدائح و التذكير والدعاء والتضرع.
بعد صلاة المغرب وبحضور رواد المسجد كهول وشباب ونساء, إنطلقت فعاليات الليلة من تنشيط وإشراف فضيلة الشيخ خليلو سيلا إمام المسجد, إفتتحها بكلمته الترحيبية و التعريف بأهمية المناسبة وإحياء الليلة، البداية بتلاوة عطرة لسورة يس مرات متتالية في ختام كل تلاوة يقرأ الدعاء, تلاوة جماعية بحناجر ذهبية صادحة من كوكبة شبابنا المفدى.
عاش جمع الحضور ليلة سعيدة, ممتعة و مميزة, إذ قاموا بما قام به العلماء وعلى خطى السلف رحمهم الله. فرحين مبتهجين، فرحة عززها تواجد الفتيين كهول وشباب, ذكور وإناث. لربط الأواصر وإستمرارية التواصل. ورغم ساعات التلاوة والحضور الطوال زادتهم عزيمة وتمسك.
وبعد صلاة العشاء جماعة والسنة,عاد الجمع للنشاط بتلاوة عطرة وما بها من فوائد وفضائل لمكانة الليلة, وتخللت الجلسة بين التلاوة والتلاوة تقديم موعظة تارة وشرح مناسبة ليلة نصف شعبان وهي الليلة من الليالي الخمس التي لا يرد فيها الدعاء والتعريف الأسماء التي سميت بها وتوصلت الليلة بالأدعية و الاذكار عطرت المجلس ,تقبل الله من جميع من أحياها و سهر عليها .
تواصلت فقرات الأدعية و الأذكار إلى وقت متأخر , وبفسحة إستراحة و تشنيف الأذان بمجموعة مدائح من السماع الصوفي أطربت قلوب الحاضرين و هدأت النفوس, جلسة روحانية أستسحنها الحضور بكل صدر رحب وبحفاوة.
بصمة منقوشة لعمي علي التونسي:
كعادته عمي الحاج علي نفاثي من أوصول تونسية , من أوائل رواد المسجد الكبير ومشاركة فرحة تأسيسه بأول صلاة فيه سنة 2011 وتدشينه سنة2012.
مرافق الشباب وصديق الكهول. الرجل الحريص أن لا يغيب عن أي مناسبة إلا في رحلته للحج أو لطارئ قاهر يمنعه , وفي كل مناسبة خاصة مثل ليلة نصف شعبان إلا وله حضوره القوي بمشهد لا يمكن لأي كان عدم رؤيته و التطلع لطلعته البهية. وله كلمته لتبقى بصمة منقوشة في الذاكرة و أرشيف المسجد و أحبته جزاه الله خير ومتعه بموفور الصحة للمواصلة والإستمرارية.
وفي ختام الجلسة أعدت فقرة إيمانية بكل معانيها وجواهرها بعنوان كلمني عن الله, فقرت تم الإصغاء لها بكل الجوارح.
وومضة تذكير وإرشاد و مع روائع الأذكار و التصلية و التسليم على الحبيب المصطفى و بدعاء شامل وختامها مسك على أمل اللقاء قريبا في مناسبة من المناسبات الدينية التي لا يغفل عنها و بها أسدل الستار على فعاليات إحياء ليلة نصف شعبان, فألف تحية شكر و تقدير لفضيلة شيخنا خليلو سيلا على ما مدنا به ودعمنا و ساعدنا في كل وقت حين جزاه الله خير.
كانت ليلة مفعمة بكل المعاني الإيمانية الروحانية وما يتعلق بها فرحة وإفختارا بإحيائها في بيت الله الذي يسع كل طارق لبابه على خطى السلف و موروثهم الديني الثقافي رحمهم الله.
الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – ستراسبورغ.