فياغرا رينجرز

مسار عبد المحسن راضي

الحبَّةُ الزرقاء هذه، خلطةٌ كيميائية، تُعطيك قوَّة باهٍ مؤقَّتَة، و تعِدُكَ ببياض الوجه، في حِوارِكَ الجسدي مع الشريك الجنسي. الميديا، مواقع السوشيال، و ” الفلوغريون” – مدوِّنو الفيديو – اكتشفوا مصدراً طبيعياً لا مُختبريَّاً للزرقاء بيضاء الوجه! توجدُ في كُلِّ المجتمعات البشرية.. عامِلات الجنس.
وظيفةُ هذهِ الفياغرا البشرية، قديمةٌ قِدمَ التاريخ الإنساني، لكنها اليوم في الدول العربية، تحديداً؛ تلك التي تُعاني من فشلٍ سياسي و اجتماعي مثل العراق، باتت في علاقةٍ ثُلاثيَّة مع السياسي و “فلوغر مان”.
من النادي الليلي إلى الشاشة
بعض الفضائيات العراقيَّة، باتت تستعين بـسُلالة ” الفلوغر مان” – لفظ الفاء بثلاثِ نُقط لا واحِدة – لاختيار أكثر عامِلات الجنس إثارةً، و اللاتي يرتدين قِناعاً فنّياً شائِعاً.. الغناء و الرقص الشرقي. الفياغرا البشريَّة هذهِ، تبدو محاولة رخيصة، لرفع نسبة المشاهدة، للصفحات السوشيالية لهذهِ القنوات، و لكنهن يُستخدمن مع الأسف، كموجةٍ أولى من الجنود في المعارك؛ الذين سكَّ نابليون وصف “لحم المدافع” لهم. هُنَّ لحمُ مدافع الرأي العام، المُراد حرفه من السياسة إلى السرير.
اختيار المُرشَّحات للعَب دور فياغرا “رينجرز”، ليس اعتباطيَّاً البتَّة؛ فما يُخفيه ليل النادي، قد يفضحُه سطوع الشاشة. الأبعاد الجسديَّة لفياغرا الشرعيَّة إعلاميَّاً، يجب أن تُلبّي أمرين: أن تكون قريبة من الأبعاد السائدة للمرأة العاديَّة في المجتمع، و أن تُشبِه إحدى مشاهير تلفاز الواقع، ولو بالحد الأدنى. في الحالة العراقية فإنَّ النموذج الذي يستوفي الشرطين، هو عائلة كارداشيان الشهيرة.
رينجرز، يجب أن تكون لفظيَّاً، ذات لِسانٍ عارٍ عن التهذيب، و قادِرة على أن توحي لك، بأن المجتمع، يُعاني من حربٍ خفيَّة، للأعضاء الذكريَّة، و بأنَّها جائِزةُ المُنتصِر. تحرِصُ الفضائيات المتورِّطة، في تجارة فياغرا البشريَّة، على عدم تشويه البضاعة في الشاشة. دائماً ما تستعرِضُ لك جودتها العاريَّة.. لقطات مُكرَّرَة لمواقع “التاتو” على جسدها: الأرجل، الذراعين، و أحياناً الرقبة.
الأثرُ الخفي لهذا الجسد العاري، المستور بـ” التاتو”، في فضاء الرأي العام، تعثُر عليه في لغة جسد المُشاهد، ما يُظهِرُه من إيماءات. رئيس شركة “بوتانك” – صناعة الروبوتات – مارك ستيفن ميدوز (1)، قال عن الإيماءتين اللتين نحتاجُهما في سياق حديثنا عن رينجرز، و بِتصرُّفٍ منّي للتوضيح حصراً: ” إيماءة المرآة: ترسِمُ تعابيراً على وجهك، تُطابِقُ ما يثيرُه الموضوع من مشاعر.. يُصبِحُ وجهُك مرآة حديث الآخر. و التكيُّف أيضاً مع لغةِ جَسَدِه”.
البغل 007
دورُ سُلالة ” الفلوغر مان” العراقيَّة، لم يكُن في الأصل، انتقاء فياغرا رينجرز، و إنّما “بغل مُنتج” – بحسب تعبير توم روش (2)، و هو خبير تخطيط و تنفيذ حملات إعلاميَّة – كحال الكثير من نُظرائِه في غابات السوشيال ميديا.
هذا المصطلح الوظيفي لروش – أصلُ المصطلح هو بغل المال (3)، و هو من عالم غسيل الأموال – جاء لتوضيح إنَّ أغلب طائفة الفلوغر من الرجال و النساء، يستخدِمون مقاطع الفيديو، لترويج منتجات مُعيَّنة، غالباً ما لها علاقة بعالم مُستحضرات التجميل، لعِب دور العلاقات العامّة لبعض الدول، و دعم صناعة السياحة. في السياسة دورهم حديث، و العُهدة على روش أيضاً: “الوصول إلى الجمهور الصعب الوصول إليه، خاصَّةً الفئة العمريَّة، من السادسة عشر إلى الرابعة و العشرين”.
دور بعض نساء و رجال “الفلوغر” سياسيَّاً في العراق، من الممكن اختصاره بـ ” البغل 007″. جيمس بوند هذا، لا يقوم بـ: دورٍ في الحرب الباردة، مُكافحة الإرهاب، ولا كازانوفا. إنَّما كشفُ ملفاتٍ اجتماعيَّة، مسكوتاً عنها علناً! مُلخَّصُها العلاقة الجنينية بين السياسة، المال الفاسد، و تجارة الجنس.
هدفُ البغل بوند، ليس السَّير على الحِبال العريضة للفقرة السابقة. وظيفتهُ الاجتماعيَّة عند أحزاب الإسلام السياسي العراقيَّة؛ التي ترفع لافتات التَدَيُّن، إنتاج مادة لاصِقة بين فئات جمهورِها، و جعله كتلةً واحدة، ضِد الآخر المحلّي؛ الذي قد يمتلِكُ مزايا و ملامح الفياغرا البشريَّة!
الفلوغات التي تعرِضُ بدورِها شباباً، ينتمون إلى الجنس الثالث، يُراد منها تنميط الايحاء عن الشباب، المُرتبطين بعلاقاتٍ إنسانيَّة، مع فتياتٍ يشبهن الفياغرا البشريَّة.
مُشغِّلو بوند السياسيين، يستغِلون معايير الجمال و الوسامة السائدة للنساء و الرجال، لخلقِ جمهورٍ افتراضي ذو رأسين: الأول يدافع عن شكل الأخلاق، و الثاني مُتهم بِدفاعِه عن نوابض السرير!
المعايير السائِدة عموماً هي: شِفاه منفوخة، نهدين بارزين، بفضل تقنيّات حمَّالات الصدر، و تاتو على اليد أو القدمين، و بحسب الحريَّة المتوفِّرة في بيئة الفتاة. أمّا بالنسبةِ للشباب و الرجال: اللحية الطويلة المُشذَّبة بعناية، قصَّات شعر تحتاج إلى حضور دائم لمجفف الشعر و مُستحضراتِه، و بنطال ضيق و.. إلخ.
هكذا، و بسبب العلاقة الثُلاثيَّة بين: السياسي، البغل بوند، و فياغرا رينجرز؛ فإنَّ هذهِ الشِفاه المنفوخة و البناطيل الضيَّقة، تستحقُ إيقاع الحد الاجتماعي عليها.. باعتبارهِا الفرقة الاستطلاعية التي خرجت من شاشة التلفاز، لغزو الأُسرة العراقية!
الخبيرُ الأمني العراقي، رياض هاني بهار، و هو من اهمِّ العقول الأمنيَّةِ في البلاد، رأى وبحسبِ نسبة تكرار استخدام فياغرا رينجرز، و التي تجاوزت مئات المرَّات – بحسب تقييمي المتواضع عددياً – إن ذلك يرقى لاعتبارِه: “ظاهرة إجراميَّة”. بهار وَجَدَ أيضاً، إنَّ البغل بوند، هو في الأصل ذباب إلكتروني حزبي: “كُل زعيم حزبي في العراق بلا استثناء، يمتلِكُ سرباً إلكترونياً، لا يقِلُّ عن مائتين أو ثلاثمائة ذُبابة”.
فياغرا رينجرز في النهاية، دليلٌ على رواج صناعة الانقسام المجتمعي في البلاد، و حرف فضاء الرأي العام، عن استخدام البلاد كحبَّةٍ زرقاء، لصالِح طبقةٍ سياسيَّة، طاهِرة من الوطنيَّة.
المصادر:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى