فلسفة الريمونتادا
ا. د. محمود محمد علي
يقال في الأمثال الأسد يمرض ولا يلقى حتفه، ويرجع أشد من الماضي، وكلمة الريمونتادا La Remontada كلمة إسبانية وتعني «العودة» أو «الرُّجُوع»، وهو يعني كذلك على الارجح المصطلح الذي كان متعارف عليه بوصف الانتعاش والرجوع في أعقاب الهزيمة هو المصطلح الإنجليزي “الكام باك” أو “come back” وهو نفس معنى الريمونتادا.
وقد كانت تلك الكلمة “ريمونتادا” تُستخدم في الحروب والمعارك، وقد تم استخدامها في الفترة بين القرن 16 والقرن 19، وذلك لوصف المعارك الاهلية وثورات الاستقلال التي قام بها كل من اقليم الباسك والكاتالونيا نتيجة لـ محاولتهم بصورة متواصلة الاستقلال عن حكم الملك الإسباني وتكوين حكمهم الذاتي، وهذا نتيجة لـ استنفاذ الملك لخيرات وموارد الإقليمين.
لقد كانت كلمة “ريمونتادا” مشهورة بقوة في هذا الوقت نتيجة لـ كثرة المعارك بين ثوار إسبانيا ومجموعات جنود الملك، وبعد أنّ استقرت الحروب الأهلية الإسبانية قل استعمال الكلمة لمدة من الزمان.
وبعد مرحلة عظيمة من توقف الحروب الأهلية في إسبانيا أعاد الأدباء كلمة “ريمونتادا” للحياة مرة ثانية، حيث استخدمها الأدباء في وصفهم للمعارك الملحمية والتي تمَكّن طرف الانتصار على الآخر وهزمه هزيمة ساحقة، ولم يكن متوقع ذلك الانتصار.
بعد انقضاء تلك الفترة صارت كلمة ” ريمونتادا ” كلمة أدبية، حيث صارت مستخدمة في الادب اللاتيني وظهرت في كتابات ” بابلو نيرودا ”، ” بيدرو الكورون ”، ” غابريال ميرو ” عند قيامهم بوصف المعارك الدامية التي حقق فيها أحد الأطراف انتصاراً لم يكن متوقعاً .
ثم سرعان ما انتقل المصطلح من ميدان الحروب إلى ساحة كرة القدم فأضحي يُستخدمُ على نطاقٍ واسعٍ في إسبانيا مُنذ خمسينيات القرن العشرين، في كرة القدم، وهو يُشير إلى فوز غير متوقع أو نتيجة غير متوقعة بشكلٍ خاصٍّ أو قلب نتيجة المباراة في وقت قياسي، في حال كان الفريق متأخرا في النتيجة، لكنه يرجع أو يتعافى فيقلب الطاولة والأمور على خصمه ليحقق نتيجة الفوز.
وقد أفادت تقارير إعلامية فرنسية، بأن كلمة “ريمونتادا”، ستدخل معجم “لاروس” الفرنسي الشهير بحلول العام 2021.
وقد أصبح هذا المُصطلح مَشهُورًا دوليًا منذ 2017، بعدما قلب برشلونة الطاولة على باريس سان جيرمان في مسابقة دوري أبطال أوروبا لموسم 2016/2017.
كما انتشر مصطلح “ريمونتادا” بشكل واسع لاحقا، بعد خروج برشلونة من مسابقة دوري أبطال أوروبا في موسم 2017/2018 و2018/2019.
ومن أشهر مباريات الريمونتادا في تاريخ دوري أبطال اوروبا:
1 – مباراة برشلونة أمام باريس سان جرمان:
أحدى أشهر مباريات الريمونتادا التي حدثت خلال هذا العام، وعلى الرغم من خروج برشلونة بعدها من الدوري على يد يوفينتوس، إلا أن ذلك لم يمحي أثر هذه المباراة العظيمة التي قلبت الموازين .
حقق فريق باريس في مباراة الذهاب فوزاً عظيماً، فقد أحرز أربعة أهداف جعلته متيقناً من فوزه في المباراة، ولكن لسوء حظه استطاع فريق برشلونه خلال مباراة العودة من إحراز هدف مبكر تبعه بهدفين آخرين خلال الشوط الأول، ثم قام فريق باريس خلال الشوط الثاني بإحراز هدف مما جعل الامر صعباً على برشلونة، فقد كان عليهم تسجيل ثلاثة أهداف للصعود للدوري .
بالفعل تمكن فريق البارسا من تحقيق ثلاثة أهداف، فأصبحت النتيجة ستة أهداف مقابل هدف، والتي أهلتهم للصعود، مما جعل الأمر أشبه بالمعجزة التي مكنتهم من تحقيق الفوز خلال اللحظات الأخيرة .
2 – مباراة موناكو أمام ريال مدريد:
كان فريق موناكو خلال دوري أبطال أوروبا لعام 2004 يتمتع بأزهى مراحله، حيث استطاع الوصول إلى الدور ربع النهائي ليواجه واحد من أقوى فرق العالم وهو نادي ريال مدريد، الذي حصل على البطولة تسع مرات من قبل، وكان الجميع يتوقع فوزه باللقب هذه المرة أيضاً .
قام ريال مدريد خلال المباراة الأولى بتسجيل أربعة أهداف مقابل هدفين فقط لموناكو، واستمر في تسجيل المزيد من الأهداف خلال المباراة الثانية لتصبح النتيجة 5 – 2، ولكن خلال الدقائق الأخيرة تمكن فريق موناكو من إحراز ثلاثة أهداف ليحقق التعادل مع الريال، ويتأهل للصعود لتكون بذلك مفاجأة مذهلة للجميع .
3 – مباراة مانشستر يونايتد ضد اليوفي:
مر فريق مانشستر يونايتد بفترة صعبة تمكن بعدها من العودة بقوة ليتزعم فرق أوروبا، حيث حاز خلال موسم 1999 بكأس الإتحاد الإنجليزي، و الدوري الإنجليزي، و دوري أبطال أوروبا، وتُعتبر مباراته أمام فريق اليوفي أحدى المباريات القوية التي قلب فيها الموازين لصالحه .
قامت المواجهة الأولى في انجلترا والتي انتهت بالتعادل بهدف مقابل هدف، مما جعل المهمة سهلة بالنسبة لفريق اليوفي خلال المباراة الثانية والتي قامت على أرضهم، فقد كان يكفيهم تحقيق التعادل فقط للصعود، وبالفعل حققوا هدفين مقابل لا شئ من المانشستر.
بعد عدة دقائق استطاع فريق المانشستر تحقيق المعجزه، فقد قام بتسجيل ثلاثة أهداف متتابعة قلبت الطاولة لصالحه و جعلته يصعد للنهائي، ثم تمكن من الفوز باللقب ضد بايرن ميونخ على ملعب كامب نو .
4 – مباراة ديبورتيفو أمام ميلان:
تمكن فريق ديبورتيفو خلال موسم 2003 – 2004 لدوري أبطال أوروبا من الوصول إلى نصف النهائي وذلك بعد إطاحته لفريق يوفينتوس في دور الستة عشر، وكذلك فريق اسي ميلان الذي كان يُعتبر من أفضل فرق أوروبا في ذلك الوقت .
كان من المتوقع أن الفوز سيكون من نصيب ميلان خاصةً بعد تمكُّنه من إحراز أربعة أهداف خلال المباراة الأولى مقابل هدف واحد فقط من فريق ديبورتيفو، مما جعل فكرة فوز ديبورتيفو شبه مستحيلة ولكن حدثت الصدمة خلال مباراة العودة حيث تمكن فريق ديبورتيفو من إحراز أربعة أهداف ضد ميلان جعلته يفوز ويتأهل لنصف النهائي.
5 – مباراة تشيلسي أمام نابولي:
مر فريق تشيلسي خلال عام 2012 بفترة سيئة خاصةً بعد اقالة مدربه نتيجة سوء النتائج، حيث أجتاز الدوري في المركز السادس بصعوبة، ولكن حدثت بعض التغييرات عقب تغيير المدرب وتمكن تشيلسي خلال هذا الموسم من تحقيق نجاح غير مسبوق للنادي .
لعب تشيلسي خلال دور الستة عشر من دوري أبطال اوروبا أمام فريق نابولي الإيطالي، وانتهت مباراة الذهاب بينهما بفوز فريق نابولي بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد لتشيلسي، ولكن مع بداية مباراة العودة أحرز فريق تشيلسي هدفين خلال الدقائق الأولى ليحقق التعادل، ثم قام نابولي بتسجيل هدف مما جعل أمر فوز تشيلسي صعباً للغاية .
لم يمر الكثير من الوقت حتى استطاع تشيلسي إحراز الهدف الثالث من خلال ركلة جزاء، وتبعه الهدف الرابع الذي حسم المباراة لصالح تشيلسي، ليتمكن بعد ذلك من التأهل لنهائي دور أبطال أوروبا التي فاز فيها باللقب ليحقق أحد أهم انجازاته في التاريخ .
الأستاذ الدكتور محمود محمد علي
رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة اسيوط