ثقافة

فراشات صديقي وليد دقة

قالت لي طفلتك ميلادُ عندما رأيتها في حلمي، أنّها كانت تعبقُ بكَ
حين زارتكَ هي وأُمّها سناء في سجن عسقلان الكولونيالي في
الزيارة الأخيرة.
قالت لي ميلاد أنّها لم تلمحك تمامًا وإنّما تجوّلتْ بكَ وغَفتْ في
ظلال أشجاركَ وأنهاركَ واستحالتْ فراشةً مُبهرة حلّقت في سماء
زمنكَ الموازي، حلّقتْ.. طارتْ.. تراقصتْ، ثمّ حطّتْ على رأسكَ
وجبينكَ وأنفكَ وداعبتكَ وقالتْ لكَ مُتسائلة:

  • لماذا لا أراكَ الآن يا أبي سوى حديقةً غنّاءةً ساحرةً؟
    فأجبتها أنتَ بابتسامتك المتهكّمة التي أرْديتَ بها موتك مجندلاً
    تحت وطأةِ لحظاتِ السّجن الصّدئة:
  • لقد نمتُ يا ابنتي وغفوتُ ثمّ حلمتُ، وحين استيقظتُ
    استحلتُ حلمي.
    أغوتكَ ميلادُ من جديدٍ وهي تخفضُ جناحيها الزّاهيين:
  • وبماذا حلمتَ يا أبي؟
  • حلمتُ بأنّني آذارُ مكتنزُ البهاءِ والزّهوِ.
  • وكيف يصيرُ الإنسان آذارَ يا أبي؟
  • عندما يهزمُ الوقتَ يا ابنتي وينتزعُ منه وقته هو.
  • وكيف هزمتَ الوقتَ يا أبي؟
  • عندما ولدتِ أنتِ يا ابنتي، ولدتِ لنُزهر سويًّا أنا وأنتِ وأُمّكِ.
    حلّقتْ ميلادُ في سماءِ حلمكَ الآذاريّ صاخبةً بجناحيها وضحكتها
    الخلاّبة التي أدّتْ إلى تفتّح الأزهار وعشرات الأشجار في قلبكَ
    وروحكَ، حلّقتِ الفراشةُ.. فراشةُ آذارَ.. فراشتكَ يا وليد فما بالكَ
    الآن تماحكُ الموتَ وتمرّ أسفلَ شرفته المظلمة لينهال عليك بعلل
    الجسد، جسدكَ أنت الطوباوي الذي أزهرَ وتجلّى آذارًا تعبقُ به
    وتحلّق فراشتكَ ميلادُ.
    صديقي وليد.. لا تمتْ الآن أرجوكَ فلتجمعْ قواكَ وملامحَ وجهكَ
    المنكوبِ وسدّدْ في وجهِ الموتِ إبتسامتكَ المتهكّمة بكلّ ما
    أوتيتَ من سخريّةِ وأنفاسِ صديقنا المشترك “زوربا” وإن كان ثمّة
    خرابٍ سترقصُ فليكنْ خرابَ وقتٍ ليس لك.. وقت آخرك الذي التفتَ
    حولكَ بقيودٍ وأفاعي عنصريّته وفاشيّته ليأسرَ آخر أنفاسكَ .
    عذرًا يا صديقي كُنْ ميلادًا كُنْ سماءًا كُنّا نحن جميعًا ننبعثُ من
    جديدٍ كما يشاء حلمك الآذاري..
    باسم خندقجي
    مُعتقل نفحة

25 آذار 2023
ملاحظة: وليد دقة هو أقدم أسير فلسطيني ما قبل أوسلو و هو
مُعتقل منذ عام 1986 و في الفترة الحاليّة هو مريض جدّا داخل
سجن الإحتلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى