غاية الأدب والفنون
أرى أن أكبر احتقار حين يحتقر صاحب صنعة الأدب والفنون ذاته، بل حين يحتقر إمكاناته ومواهبه ، حين يحتقر قدراته وعطاءاته ، وهذا لا يعني في اعتقادي أن يركبه الغرور وجنون العظمة ، فيضع نفسه خارج دائرة التمحيص والنقد العلمي ، وسرّ كل نجاح أن نُكسِر الكبر والغرور داخلنا .
فغير المقبول في الإبداع الأدبي والعلمي ؛ أن ترفع رداءة المنتج الأدبي أو الفني أو العلمي إلى قمم الإبداع والتّميز ، وحقيقة ذلك المنتج لا يحمل بصمة الإبداع ، بل ترى كل موازين التقييم ومعايير الانتقاء ترفضه ، وبل تجده فاقد لمقومات وجوده ، تجده يعكر الذوق والإحساس الفني بالجمال ، بل تراه يقفز على الأعمال المبدعة قفزا ؛ فيجني ثمارا ليست له ، المؤسف أننا نرى أدوار لجان التقييم تهاوت حين تزكي أعمالا لا ترتقي لمستوى الأدب والذوق ولا الجمال ، حتى أن المنتج لا يحمل هدفا ورسالة ، فإن أكبر رقي لذلك المنتج أنه جسّد القيم المادية الحسية الرخيصة في أحطّ صورها ، واصفا الحس المادي ، واصفا ما يخدش الذوق و الأعراف الإنسانية للمجتمعات ، في خروج صارح عن غايات وأبعاد رسالة الأدب وقيمه الرسالية .
إن غاية الأدب والفنون دائما تلامس أبعاد الجمال ، تلامس جوهر الجمال الحقيقي ، بعيدا عن جمال الحسّ أوالمظهر المخدوش ، إن هدف الأدب الرّاقي في غاياته بعث روح اليقظة والحركة والترويح ، أن هدف الأدب بكل فنونه أن يعيش تصوير واقع الناس آمالا وآلاما ، فيصور الحياة الشّعورية في تفاعل مع الحياة ، لا يختزله لتحريك النزوات والشهوات الرخيصة..
في أحيان كثيرة ، يصاب أمثالي المغص ، حين نصفق لأعمال لا ترقى أن تكون مشاريع تستحق الاحتفاء ، قد يصنفها أهل الاختصاص من النقاد والأكاديميين والباحثين في رتب الفن الرخيص والفن المأجور ، الذي لا يستحق أن تصنع له الأوسمة والنياشين.
في اعتقادي أن السّقوط الحرّ في الأدب والفنون ؛ حين توزن الأعمال الكتاب والفنانين بموازين ذاتية لا تحترم معايير النقد العلمي المتخصص، الذي يفرض أن يوضع له مخابر تدقيق علمي رصين ، حتى يكون الوزن حقيقيا، يكون التقييم حقيقيا ، فلا يبخس حقّ الأعمال الجيدة حقها ، فيعطى لكل ذي حق حقه.
إن المعيار الحقيقي للفن والأدب الرّسالي الهادف أن يوزن بنبل قصده ، حين يكون له أثر ، يحمل صلاحيات الديمومة والبقاء ، وحين يكون له رسالة وغاية ، فإن مثل هذا المنتج الأدبي والإبداعي يعمر ويكتب له أحقية الاستمرار.
الأستاذ حشاني زغيدي