عودة ترامب والقضية الفلسطينية
أسامة خليفة
باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
تشير كل التوقعات إلى أن دونالد ترامب سيكون مرشح الحزب الجمهوري في منافسة المرشح الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن خلال الانتخابات المقبلة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، وسط استطلاعات للرأي تبين تراجع شعبية الرئيس الحالي جو بايدن، وإمكانية خسارته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في المنافسة الأولى لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر2024، تقدم ترامب في الانتخابات التمهيدية الأمريكية في ولاية أيوا على منافسيه الجمهوريين، ثم اكتسح دونالد ترامب نتائج الانتخابات أمام نيكي هايلي المرشحة الوحيدة المتبقية المنافسة لترامب، محققاً فوزاً فيما سمي يوم «الثلاثاء العظيمة» في معظم الولايات، أدى إلى انسحاب نيكي هايلي، ورسمياً يعلن ترامب فائزاً ببطاقة ترشح الحزب الجمهوري، لمواجهة الرئيس بايدن في الانتخابات القادمة، في مؤتمره العام بين 15 و18 يوليو/تموز القادم.
ستكون عودة ترامب تشبه عودة رينغو في أفلام الكاوبوي، ستشهد الانتخابات الأمريكية حالة حرب إعلامية بين الرئيس السابق ترامب والرئيس الحالي بايدن، وقد وصفت الانتخابات الأمريكية السابقة، بأنها أسوأ ما شهدته الولايات المتحدة من مناظرات، تلاها طعن بنتائجها في العديد من الولايات لكي يبرر ترامب لهزيمته، مما أدى إلى توجيه الاتهامات له بالإساءة إلى «الديمقراطية الأمريكية»، من قبل العديد من المراقبين الذين تساءلوا عن آثار هذا الانقسام الكبير في تقبل نتائج الانتخابات على وحدة المجتمع الأمريكي، وعلى مساراته السياسية في المديين القريب والبعيد، وإذا كانت هذه التداعيات ذات شأن داخلي أمريكي غير أنها ستنداح بنتائجها على العالم كله، نظراً للموقع الذي تحتله واشنطن في السياسات الدولية وفي الميادين كافة، ولارتباط مصالحها الامبريالية بالعديد من المناطق في العالم ومنها الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.
وليس مستبعداً في عودة ترامب أن تؤدي إلى شغب يحدثه مناصروه فيما لو جاءت نتائج الانتخابات في صالح منافسه، أو لو أن قرار المحكمة العليا الأمريكية التي نظرت في إمكانية ترشح ترامب في الانتخابات الرئاسية جاء لغير صالحه، لكن المحكمة نظرت في طعن تقدم به ترامب ضد قرار ولاية كلورادو إزالة اسمه من أوراق التصويت في الانتخابات، استناداً إلى مادة في الدستور الأمريكي تمنع الترشح للانتخابات لأشخاص مشاركين في أي تمرد، حيث وجدت المحكمة العليا أدلة واضحة ومقنعة على أن الرئيس ترامب متورط في التمرد في السادس من كانون الثاني / يناير2021 عندما اقتحم حشد من أنصاره مقرّ الكونغرس، وقال ترامب حينها إنه سيستأنف أمام المحكمة العليا الأمريكية لإلغاء القرار، وقضت المحكمة لصالح أحقية ترامب في خوض السباق الرئاسي، وأن الكونغرس فقط، وليس الولايات، هو من يملك سلطة قرار منع ترشحه.
عودة ترامب المتوقعة إلى البيت الأبيض من جديد يثير تساؤلات عديدة حول قضايا منطقتنا العربية: ما موقف دول الخليج من عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟. وقد كانت أولى زيارته الخارجية إلى المملكة السعودية، وسعى إلى تطبيع العلاقات بينها وبين اسرائيل.
يتساءل الجميع عن مصلحة نتنياهو في ذلك، هل ينتظر الانتخابات الأميركية متطلعاً إلى فوز ترامب لكي ينقذه من مأزقه السياسي والقانوني، ومأزقه العسكري في غزة؟. لا شك أن نتنياهو على المستوى الشخصي وعلى المستوى الحكومي قد استفاد كثيراً في ولاية ترامب من سياسته المنحازة بشكل كامل لصالح المشروع الصهيوني ولرؤية نتنياهو بالتحديد. فالسياسة الأمريكية انتقلت من حالة النفاق السياسي التي كانت تحرص عليها الإدارات الأمريكية نحو الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بادعاء الالتزام بحل الدولتين، إلى حالة الانحياز الكامل والمعلن لصالح الجانب الإسرائيلي، عبر تبني ترامب شروط نتنياهو المسبقة كاملة وتقديمها على أنها شروط أمريكية خالصة، وعبر سحب قضية الاستيطان من التداول كعقبة أمام استئناف المفاوضات، ويعول كل اليمين المتطرف في إسرائيل على عودة ترامب إلى السلطة “للاستمرار في سياسات الحرب والاستيطان، وربما الضغط على مصر في موضوعي تبادل الأراضي مع غزة والسيطرة على محور فيلادلفيا.
الذاكرة الفلسطينية تربط مرحلة رئاسة ترامب بصفقة القرن، وباعتراف أمريكا بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، مرحلة شهدت تطبيعاً عربياً مع إسرائيل، وتعزيز دورها في الإطار التحالفي الهيكلي للإقليم. فهل نستعد كفلسطينيين جدياً لعودة ترامب إلى البيت الأبيض؟. لقد كان الفلسطينيون في الفترة الممتدة من «20 كانون الثاني/ يناير 2017 إلى 20 كانون الثاني/ يناير 2021»، أمام إدارة أمريكية متوحشة تطرح حلاً تصفوياً للقضية الفلسطينية، وتنفذ بالتعاون مع إسرائيل بشكل متدرج ومتدحرج خطوة خطوة، لتفرضه على الفلسطينيين كأمر واقع.
ما هي السياسات المتوقعة من ترامب نحو القضية الفلسطينية؟. هل سيختلف برنامجه الانتخابي عن البرنامج السابق بما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟. كيف تتعاطى القيادة الرسمية الفلسطينية مع إدارة جديدة برئاسة ترامب؟.
في العلاقات الدولية، اتبع ترامب خلال فترة حكمه سياسة تقوم على الاستخفاف بالقوانين وقرارات الشرعية الدولية، وإدارة الظهر للاتفاقيات والمؤسسات الدولية، في محاولة منه لفرض الأمر الواقع، مارس هذه السياسة أيضاً على القضية الفلسطينية حين نسف قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وجعل من القضية الفلسطينية مجرد قضية إنسانية نازعاً عنها صفتها السياسية، وحسب صفقة ترامب: إذا ما توفر للشعب الفلسطيني القدر الكافي من حاجاته الاقتصادية تخلى عن حقوقه الوطنية، ، وسوّق لمعادلة السلام مقابل الاقتصاد، بديلاً للسلام مقابل الأرض، وتبنى الحل الذي أطلق عليه الحل الاقتصادي.
أما في مجال الاستيطان اعتبرت حكومة ترامب أن الاستيطان الاسرائيلي في القدس وفي البؤر الاستيطانية لا يشكل عائقاً أمام المفاوضات، ووافقت على ضم إسرائيل للمستوطنات في أي حل دائم. مما ساعد حكومة نتنياهو في الإعلان عن مشروع السنوات العشر لبناء مليون شقة استيطانية في أنحاء الضفة الغربية لاستيعاب حوالي 5 مليون مستوطن، منها 300 ألف شقة في القدس وحدها لإغراقها بحوالي مليون مستوطن بالحد الأدنى.
هل العودة المحتملة لدونالد ترامب حليف إسرائيل القوي، إلى حكم البيت الأبيض، ستقلب السياسية الخارجية الأمريكية رأساً على عقب؟.
في مسألة توفير كل أشكال الحماية لدولة إسرائيل، فإن سياسة إدارة بايدن بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لا تختلف في الجوهر عن سياسة إدارة ترامب، بل هي مطابقة لها، فقد درجت السياسة الأمريكية على وصف العدوان الإسرائيلي بأنه دفاع عن النفس، كما تابع بايدن ما جاء في صفقة القرن لجهة التمسك بقرار الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لدولة إسرائيل 6/12/2017.والتطبيع بصيغته «اتفاقات أبراهام» لجهة تثبيتها وتطويرها إن أمكن بتشجيع دول أخرى على الانضمام لها، لكن كيف سيكون أمور التطبيع بعد عملية طوفان الأقصى؟. هذا ما ستواجهه الإدارة الأمريكية سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية.
وفي إطار تهيئة المسرح السياسي لاستئناف العملية التفاوضية خطت إدارة ترامب خطوة كبيرة تماهت بها مع الموقف الإسرائيلي، وتخلت عن الهامش الذي كانت الإدارات الامريكية السابقة تحرص عليه لأسباب مختلفة، فقد دعت إدارة ترامب الجانب الفلسطيني إلى الدخول في المفاوضات دون شروط مسبقة، وقدمت تسعة شروط للضغط على الجانب الفلسطيني تبين أنها شروط إسرائيلية تهدف إلى طرح قضايا جديدة مثل وقف التحريض على الإرهاب بما يقود إلى اعتبار النضال الوطني الفلسطيني إرهاباً، واعتبار السردية الفلسطينية للقضية الوطنية شكلاً من أشكال التحريض، ورفض رعاية السلطة الفلسطينية للأسرى وأسر الشهداء، وستكون هذه القضايا بديلاً خلال التفاوض عن بحث قضايا الاحتلال ورحيله، والاستيطان وتفكيكه، وقيام الدولة الفلسطينية، وقضية اللاجئين، حيث تبنت حكومة ترامب بشكل كامل الموقف الإسرائيلي الداعي إلى وقف تمويل وكالة الغوث( الأونروا) وإفراغها من وظائفها، وإحالة خدماتها إلى الدول المضيفة، وإعادة تعريف اللاجئ لتقتصر على الذين ولدوا في فلسطين قبل العام 1948ما يقود إلى تصفية هذه القضية وشطب حق العودة لصالح الحلول البديلة في التوطين والتهجير.
على خطى مشروع نتنياهو سار ترامب في تبني «الحل الاقتصادي»، و«الحل الإقليمي» القائم على التطبيع أولاً وتجاهل العنصر الفلسطيني في حل الصراع في المنطقة، وفي مشروع تبادل أراض واسع بين مصر وغزة، ومصر وإسرائيل من جهة أخرى، وفي المشاريع الأخرى التي لا تتجاوز حدود الحكم الإداري الفلسطيني الذاتي على الضفة بمساحة منقوصة، وفي التخلي عن حدود حزيران /يونيو 67 باعتبارها حدود دولة فلسطين، والإبقاء على احتلال إسرائيل منطقة الغور واعتبار الحدود الأردنية الفلسطينية هي الحدود الآمنة لدولة إسرائيل كبديل لحل الدواتين.
عودة ترامب إلى الحكم في 2024، سيكون له تأثير كبير على الشرق الأوسط، وبالخصوص على دول منطقة الخليج التي تعرف لهجة ترامب المباشرة والمستفزة التي قد تدفع دول الشرق الأوسط والخليج للانحياز إلى الجانب الصيني، في ظل التحولات التي تشهدها الساحة العالمية وبروز التعددية القطبية كميزان جديد للعلاقات الدولية.
لقد تجاوزت المرحلة التاريخية الراهنة سياسات ترامب خلال رئاسته السابقة المبنية على القطبية الأحادية، وسط تحولات اقتصادية جيوسياسية كبرى، وصراع وتنافس يتسع نطاقه بين بكين وواشنطن، إذ بنت دول الخليج علاقات اقتصادية مع الصين تتخطى حدود النفط والتجارة إلى فرص تعاون كبيرة، منها ما يتعلق بالاستثمارات في الطاقات البديلة، وما يتعلق بالحوسبة السحابية، وبناء مجمعات عالية التقنية في المدن السعودية، وتوطدت العلاقات الوثيقة بين الصين والشرق الأوسط من خلال مشروع «طريق الحرير الجديدة» التي تشير إلى تدفق التقنيات والأشخاص والأفكار ورأس المال. كما استثمرت دول الخليج في علاقات أخرى مع الهند وروسيا، وتحسنت علاقة السعودية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولن يستطيع ترامب في ولايته الثانية المحتملة، أن يعمل على عزل إيران عن محيطها، أو أن يدفعها لبناء تحالف عربي خليجي إسرائيلي أمريكي ضد إيران، يخدم واشنطن وتل أبيب، ولا يخدم لا دول الخليج ولا إيران.
وإذا استمرت أزمة الحرب العدوانية على غزة، وتوالت تداعياتها واستمرت، فلن يستطيع ترامب أن يدفع السعودية ودول أخرى إلى التطبيع مع إسرائيل، ولا إمكانية لدول أخرى أن تطور علاقات التطبيع هذا إن لم تتراجع، وستتشدد دول مثل الكويت وعمان في رفض التطبيع، وربما دول عربية وإسلامية تقطع علاقاتها، وتوقف مسار التطبيع مع تل أبيب.
بينما يرى البعض القليل أن إعادة انتخاب ترامب تصب في مصلحة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، لأن ترامب يركز بالأساس على التجارة والمصلحة الاقتصادية، وأن الرياض لم تنس بأن الزيارة الأولى التي قام بها ترامب بعد انتخابه كانت للسعودية وليس لدولة أخرى، أما عن علاقة الرياض مع بكين كان هدفها في الحقيقة إظهار فقط مدى وجود نقاط خلاف مع إدارة جو بايدن، لذا -حسب رأيهم- يتوقع في حال فوز ترامب أن تعيد السعودية ومعظم دول الخليج علاقاتها المتينة مع الولايات المتحدة كما كانت في السابق، وهو رأي ضعيف إذا لم يكن للإدارة الأمريكية موقف مغاير لما اتصفت به سياستها المؤيدة للعدوان الإسرائيلي والمعادية للحقوق الفلسطينية.