عوامل ترسم ملامح الاقتصاد العالمي
غازي أبو نحل
اشار رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، الى ان “الحرب في اوكرانيا واغلاقات الصين جراء جائحة كورونا يعيقان مسار الانتعاش الاقتصادي العالمي” وأضاف “ان العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا سيكون لها تأثير على الاقتصاد العالمي بصورة اكبر من العملية العسكرية في اوكرانيا”.
قبله بأيام، لفتت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستينا جورجييغا، الى ان “الازمة في اوكرانيا والعقوبات الهائلة على روسيا تسببت في انكماش التجارة العالمية ورفعت بشدة اسعار الغذاء والطاقة وستجبر الصندوق على خفض توقعاته للنمو العالمي للعام الجاري”.
تقع الاسواق العالمية حالياً تحت تأثير ثلاثة عوامل رئيسية في مقدمها اضطراب الامدادات والتضخم والقيود الملموسة في العالم.
مع بدء تراجع جائحة كورونا، كتبنا محذرين من ازمة تضخم تطال الاقتصاد العالمي ككل. وها نحن اليوم وسط ارقامٍ تضخمية مقلقة للغاية ومؤشرات تدل الى زيادة معدلاتها في الاشهر المقبلة.
القصة كلها تتعلق بالطلب.. كل ما يدور حولنا في الأسواق محوره الطلب.. عندما يضعف تَقِل الحاجة إلى السلع، وتنخفض الأسعار، وعندما يقوى، تزداد قيمة المنتجات، لقلة توافرها. هذه هي المعادلة على مدار التاريخ، وهي الآن معادلة التضخم وآلياته في جميع القطاعات.
هذا ما تحاول الولايات المتحدة عبر الاحتياطي الفيدرالي معالجته، لمواجهة الارتفاع القياسي في معدلات التضخم، فهو يسعى إلى استخدام آلية الفائدة نحو رفعها لتقييد الاقتراض، وزيادة الكلفة على المقترض، أي لتحجيم الاستهلاك؛ بحيث تتقلص القدرة الشرائية ومعها الطلب على المنتجات، ما يؤدي إلى تقليص الأسعار، وتخفيف حدة التضخم .
لكن في مقابل ذلك، فإن خطوة كهذه تحمل مخاطرة كبرى تؤثر في النمو الاقتصادي، فزيادة الفائدة تعني الضغط على؛ المشاريع الجديدة، وتقليص التوسعات، وتحجيم خلق وظائف جديدة، وهو ما يُدخل الاقتصاد في تباطؤ.
لهذا فإن السياسات النقدية في أكبر اقتصاد عالمي بين نارين؛ تقليص التضخم المتفاقم، ومواصلة تحقيق النمو، لاسيما أن جزءاً من هذا التضخم خارجي، ويتعلق بأسعار الطاقة، وضعف سلاسل التوريد العالمية، أحد تداعيات جائحة كورونا
إلى أن تحل هذه المعضلة، فماذا نحن فاعلون؟
لا بد من تغيير ثقافة الاستهلاك، ولنسِّمها اليوم «ثقافة التضخم»؛ بحيث يتم التعامل مع الواقع الجديد بما يقلّل الكلفة النهائية في ظل ارتفاع الأسعار .
اضطراب الإمدادات المترافقة مع الحرب الروسية – الاوكرانية، حيث سلّة الغذاء العالمي، تؤدي الى ازمة غذاء عالمیة في كل البلدان، المتطورة والنامية والمتخلفة، وان كانت تداعياتها تشتد حيث معدلات الفقر الى تزايد مستمر.
في مواجهة هذه الازمة الخطيرة، اعلن البنك الدولي عن اجراءات يعتزم اتخاذها في اطار استجابة عالمية شاملة، وذلك من خلال اتاحة ما يصل الى 30 مليار دولار في مشاريع قائمة وجديدة في مجالات مثل الزراعة والتغذية والحماية الاجتماعية والمياه والري. وسيشمل هذا التمويل جهودا لتشجيع إنتاج الأغذية والأسمدة، وتعزيز الأنظمة الغذائية، وتسهيل زيادة التجارة، ومساندة الأسر والمنتجين الأكثر احتياجاً.
وتعليقا على ذلك، قال رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس: “تتسبب زيادات أسعار الغذاء في آثار مدمرة على الفئات الأشد فقرا والأكثر احتياجاً. ولتوجيه الأسواق وتحقيق استقرارها، من الأهمية بمكان أن تصدر البلدان بيانات واضحة الآن عن زيادات الإنتاج في المستقبل في إطار مواجهة الآثار الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا. وينبغي للبلدان ان تبذل جهودا منسقة لزيادة المعروض من إمدادات الطاقة والأسمدة، ومساعدة المزارعين على زيادة المساحات المزروعة وغلة المحاصيل، وإزالة السياسات التي تعوق عمليات التصدير والاستيراد، أو تحويل المحاصيل الغذائية نحو إنتاج الوقود الحيوي، أو تشجِّع على التخزين غير الضروري.”
يعمل البنك الدولي مع البلدان المعنية على إعداد مشروعات جديدة بقيمة 12 مليار دولار لفترة الخمس عشر شهراً المقبلة للتصدي لأزمة الأمن الغذائي. ومن المتوقع أن تساند هذه المشروعات قطاعي الزراعة والحماية الاجتماعية للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومشروعات المياه والري، وستذهب معظم الموارد إلى أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وجنوب آسيا. علاوة على ذلك، فإن محفظة مشروعات البنك الدولي الحالية تشتمل على أرصدة غير مسحوبة من حصيلة القروض والاعتمادات بقيمة 18.7 مليار دولار في مشروعات ذات صلة مباشرة بقضايا الأمن الغذائي والتغذوي، تغطي الزراعة والموارد الطبيعية والتغذية والحماية الاجتماعية وقطاعات أخرى. وإجمالا، سيصل هذا المبلغ إلى أكثر من 30 مليار دولار وسيكون متاحاً للصرف للتصدي لانعدام الأمن الغذائي على مدار الخمس عشر شهرا المقبلة. وستستفيد هذه الاستجابة من كامل الأدوات المالية التي يقدمها البنك، وستعززها أنشطة العمل التحليلي.
ستعالج الاستجابة العالمية التي تتخذها مجموعة البنك الدولي أربع أولويات:
• مساندة الإنتاج والمنتجين: اتخاذ إجراءات لتعزيز الإنتاج الزراعي للموسم المقبل من خلال إزالة الحواجز القائمة أمام تجارة المستلزمات الزراعية، والتركيز على رفع كفاءة استخدام الأسمدة، وإعادة توجيه السياسات والنفقات العامة بغرض تقديم دعم أفضل للمزارعين والإنتاج الزراعي.
• تسهيل زيادة التجارة: بناء توافق دولي في الآراء (مجموعة السبع ومجموعة العشرين وغيرهما) والالتزام بتفادي القيود على الصادرات التي تزيد أسعار الغذاء العالمية والقيود المفروضة على الواردات التي لا تشجع الإنتاج في البلدان النامية.
• مساندة الأسر الأكثر احتياجاً: توسيع مظلة برامج الحماية الاجتماعية الموجهة والمراعية للتغذية وتجديد موارد آليات تمويل الاستجابة المبكرة.
• الاستثمار في الأمن الغذائي والتغذوي المستدام: تدعيم الأنظمة الغذائية لجعلها أكثر قدرة على الصمود في مواجهة المخاطر المتزايدة (الصراعات، المناخ، الآفات والأمراض)، اضطراب حركة التجارة، والصدمات الاقتصادية والموازنة بين الاحتياجات الفورية قصيرة الأجل والاستثمارات طويلة الأجل.
لقد اكتسب البنك الدولي خبرة واسعة في التصدي لأزمة أسعار الغذاء العالمية في 2007- 2008 من خلال البرنامج المؤقت للتصدي لأزمة الغذاء العالمية الذي تلقى مساهمات من المانحين وقام بتوجيهها إلى 49 بلدا متضرراً من خلال 100 مشروع. ومنذ ذلك الحين، نجح البنك في بناء أدوات جديدة مكرسة للتصدي لأزمات الأمن الغذائي، بما في ذلك نافذة التصدي للأزمات التابعة للمؤسسة الدولية للتنمية. ويستضيف البنك الدولي أيضا البرنامج العالمي للزراعة والأمن الغذائي، وهو صندوق وساطة مالية قائم مخصص لتحسين الأمن الغذائي في البلدان منخفضة الدخل، ويمكن تجديد موارده للمساعدة في تمويل الاستجابة لأزمة الغذاء العالمية الحالية.
القيود والقيود المضادة وزيادة الرسوم والحمايات الجمركية … امور كتبنا عن مخاطرها في مقالات سابقة، لكن لا بد من الاشارة في هذا المقال إلى ان اسواق السلع الأساسية تواجه اعداداً غير مسبوقة في الضغوط ، ممّا أدى الى رفع بعض الاسماء الى اعلى مستوياتها على الاطلاق، لاسيما بالنسبة الى السلع الاستهلاكية، حيث تشکل روسیا وأوکرانیا مصدرين رئیسيین، وقد تستمر هذه الحالة بسبب ثلاثة امور.
أولاً: تؤدي الأسعار المتزايدة لإحدى السلع عادة إلى استبدال الطلب على سلع أخرى، وبالتالي التخفيف من ضغوط الأسعار الأصلية، وهناك مجال أقل للاستبدال اليوم، لأن الزيادة في الأسعار خلال العام الماضي كانت كبيرة وواسعة النطاق. على سبيل المثال، في حالة الطاقة يعدّ النفط الخام الآن أحد أرخص أنواع الوقود لكل وحدة طاقة، وهو اختلاف ملحوظ عن الزيادات السابقة في أسعار الطاقة عندما كان الفحم والغاز الطبيعي أرخص بكثير.
ثانياً: أدت زيادة أسعار بعض السلع إلى ارتفاع تكاليف إنتاج سلع أخرى. على سبيل المثال يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة كلفة مدخلات الإنتاج الزراعي، مثل الوقود والأسمدة.
وبالمثل تؤدي زيادة أسعار الطاقة إلى ارتفاع كلفة استخراج وتكرير خامات المعادن، وخاصة الألمنيوم وخام الحديد والصلب في المقابل تؤدي أسعار المعادن المرتفعة إلى زيادة كلفة تقنيات الطاقة المتجددة. وتؤدي الزيادة الأوسع في التضخم على الصعيد العالمي إلى زيادة تكاليف إنتاج السلع، كأن تكون من خلال ارتفاع الأجور وارتفاع تكاليف النقل والتخزين وزيادة أسعار الفائدة وارتفاع تكاليف الاقتراض.
ثالثاً: استجابت العديد من الحكومات لارتفاع أسعار الوقود بتخفيضات ضريبية ودعم. في حين أن هذه السياسات قد تخفف إلى حد ما التأثير المباشر لارتفاع الأسعار إلا أنها لا توفر فوائد كبيرة للفئات الضعيفة وقد تؤدي في الواقع إلى تفاقم المشكلة الأساسية من خلال زيادة الطلب على الطاقة.
حذرت صحيفة “فايننشال تايمز”، من أن مشاكل الاقتصاد العالمي تقوض تطوره وتهدد بالركود. ولفتت إلى أنه “من بين المشكلات الأكثر إلحاحا في الاقتصاد العالمي، صعوبات التعافي الاقتصادي للصين من جائحة فيروس كورونا، وسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وارتفاع تكلفة المعيشة في أوروبا وخطر حدوث أزمة غذائية في البلدان النامية.”
وفي السياق، أكد كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، روبن بروكس، “أننا الآن نخشی الركود العالمي مرة أخرى، ولكن هذه المرة كل شيء أصبح أكثر من حقيقي”. وفي وقت سابق، ذكر تقرير لـ صندوق النقد الدولي أنه بينما يسافر السياسيون وكبار رجال الأعمال إلى دافوس، يواجه الاقتصاد العالمي ما قد يكون أكبر اختبار له منذ الحرب العالمية الثانية. وأوضح الصندوق إن أسباب ذلك تكمن في عدد من العوامل، هي جائحة فيروس كورونا والصراع حول أوكرانيا والتهديد المستمر لتغير المناخ وازمة النضخم وازدیاد معدلات الفقر ومخاطر المجاعة…
بقلم: غازي أبو نحل
رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات: Nest Investments (Holdings) L.T.D
والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية