عملية القدس المزدوجة وسقوط الرهان


راسم عبيدات

في دولة تعيش أزمة نظام سياسي عميقة ومستعصية،ومناعة مجتمع داخلية أخذة في التآكل،وارتفاع نسبة فقدان الثقة بالقيادتين الأمنية والعسكرية،وتنامي حالة فقدان المواطن الإسرائيلي لأمنه الشخصي،والتحولات العميقة التي تحدث في تلك الدولة بتحولها من دولة يهودية الى دولة شريعة،وبما ينذر بتحول الصراع مع شعبنا وامتنا العربية – الإسلامية الى صراع ديني مدمر،وبإنتقال الجماعات الكهانية التلمودية من أطراف المشروع الصهيوني الى قلب هذا المشروع،باتت دولة الكيان،دولة تتحكم فيها تلك الجماعات الكهانية بمفاصل القرار السياسي لتلك الدولة،وكذلك التحكم بالحكومات الإسرائيلية الحالية والقادمة بقاءً وسقوطاً ، وهذا يعني بالملموس،دولة يستحيل الذهاب فيها الى حرب،كما يستحيل الذهاب فيها الى تسوية أيضاً ، لإرتفاع الأكلاف والأثمان المترتبة على ذلك والتي لا تستطيع فيها دولة الكيان وقيادتها دفع تلك الأثمان والأكلاف، وفي كل هذه الأوضاع والمعطيات التي  تمر بها دولة الكيان،يخرج جيل الألفية الثانية الفلسطيني، جيل ما بعد بعد كارثة اوسلو،لكي يمتلك زمام المبادرة ويمتلك القرار وقيادة الميدان،دون ان ينتظر لا موقفاً عربياً ولا دعماً عربياً أيضاً،ولا مسار ولا ماراثون تفاوضي عبثي،لم يجلب لشعبنا الفلسطيني،سوى المزيد من التفكك والإنقسام وضياع الحقوق وإبتلاع الأرض…هذا الجيل الذي يراكم تجارب وخبرة وتطور في الأداء واجتراح أساليب عمل م ق ا و م متعددة ومتنوعة الأشكال والأساليب،بل وتشهد نقلة نوعية في استخدام التكنولوجيا المتطورة وتوظيفها في هذا العمل،حيث شاهدنا ذلك في عملية القدس المزدوجة،زرع العبوات الناسفة في القسم الغربي من المدينة،في محطتي حافلات،وتفجريهما عن بعد،وهذا عمل يحتاج الى جمع معلومات ومعرفة بالمكان وجهد استخباري،وقدرة فائقة على ادخال العبوات الى منطقة محروسة امنياً على مدار الساعة بواسطة القوى البشرية واحدث الوسائل التكنولوجية وأجهزة التجسس والمراقبة،ناهيك عن تركيب العبوات  والإنسحاب من المكان دون الإعتقال بعد عملية التفجير،،ويبدو بان الأمور كما قال مسؤول شرطة الكيان السابق “آريه عمنيت”، بأن هذا الجيل ،جيل احترافي أكثر تنظيماً وتعلماً ومهنية.

العبوات ادخلت وزرعت وفجرت في عمق قلب ما يعتبره الكيان عاصمته الأبدية الأكثر أماناُ وأمناً، وبما يشكل فشل أمني واستخباري لأجهزة امن دولة الكيان،وبما يقول كذلك بأن هذا الجيل ،جيل الألفية الثانية التي راهنت أمريكا ودولة الكيان ومعها الكثير من دول النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن،المهرولة نحو التطبيع مع دولة الكيان جاثية على ركبها،بأن هذا الجيل،هو جيل العولمة ،جيل ثقافة الفيسبوك وجيل ” الهشك بشك” ذو الثقافة السطحية والضحالة الفكرية،حيث لا قضايا وطن ولا عقائد ولا انتماء،وبالموازة مع ذلك كان الرهان وبالتحديد من بعد تولى الرئيس الأمريكي السابق ترامب للحكم في أمريكا مع بداية عام 2017،بأن هذه الألفية ستشهد تصفية وشطب القضية الفلسطينية،والإنتهاء منها كقضية شعب له حقوق وطنية سياسية،يطمح لنيل حريته واستقلاله كباقي شعوب الأرض،وتحويلها الى قضية صفقة تجارية ومشاريع اقتصادية، كما ورد فيما عرف ب”صفقة القرن”،والتي عقد لها مؤتمر اقتصادي في المنامة عاصمة البحرين في 24 و25 حزيران/2019،وانتشار التطبيع على اوسع مساحة من الجغرافيا العربية،مترافقاً مع اقامة الأحلاف العسكرية والأمنية والإقتصادية بين دولة الكيان ودول النظام الرسمي العربي،وبما يؤسس لهياكل أمنية في المنطقة بقيادة دولة الكيان،بإشراف أمريكي مباشر، ولكن وجدوا مع سقوط الرهان،بتحقيق ما يحلم به قادة دولة الكيان،وفي المقدمة منهم بن غوريون،بأن كبار شعبنا الفلسطيني سيموتون وصغارهم سينسون، انفسهم أمام جيل فلسطيني،أكثر شجاعة واكثر جرأة ،وأكثر قدرة وإستعداداً للمجابهة والمواجهة ورفض الإستسلام والقتال حتى ا ل ش ه اد ة …مع تحول من ي س ت ش ه د و ن منهم الى ايقونات ونماذج يسير على دربهم وهديهم الألاف من الشباب الفلسطيني،وكذلك ما عمق ويعمق من مأزق دولة الكيان وامريكا، بأن الرهان على كون هذه الألفية،ستكون ألفية تصفية القضية الفلسطينية والغزو التطبيعي،يسقط كذلك عليها الرهان، وقد شاهدنا ذلك في ذهاب القنوات الإعلامية العبرية الى مشيخة قطر لإستشراف المواقف الشعبية العربية من التطبيع،وتظهيره،في مونديال كأس العالم الذي تحتضنه قطر بتكاليف تعدت ال 220مليار دولار ، حيث وجدوا بأن هذه الشعوب والجماهير العربية،رافضة للتطبيع،ومعتبرة بأن قضية فلسطين،هي قضية الأمة،لن ينجح التطبيع الرسمي العربي،في حرف البوصلة عنها،وهذا تجسد في المقابلات التي كانت تحاول اجراءها القنوات العبرية،مع العديد من الشبان العرب المتواجدين لحضور المباريات،ما ان يعرفوا بأن القناة التي تنوي مقابلتهم عبرية،حتى يشيحوا بوجوههم عنها،قائلين،بأنه لا يوجد شيء اسمه دولة الكيان،ويقومون برفع الأعلام الفلسطينية والتلويح بها.

شعبنا الفلسطيني ما زال يجترح البطولات والمعجزات وابتكار العبقرية والمتجدد والجديد في العمل ا ل م ق ا و م،ولعل معجزة قيام ستة أبطال من اسرى شعبنا،بتنفيذ عملية تحررهم،بادوات بدائية في أيلول من العام الماضي من اكثر سجون دولة الكيان امناً وتحصيناً ،ما يعرف ب بسجن” الخزنة”،دلالة على صعوبة اختراقه والخروج منه،يؤكد على مدى الإرادة والقناعات والعقائدية،التي إمتلكها هؤلاء الأسرى الأبطال،ورغم نجاح الكيان في إعادة اعتقالهم بعد فترة ليست طويلة،ولكن تلك العملية،عملية ” نفق الحرية” قالت بشكل واضح بأن منظومة امن الكيان التي يتباها بها ويضفي عليها السوبرية الخارقة،هو ودول النظام الرسمي العربي المنهار، ،أمكن اختراقها وإظهار ضعفها وهشاشتها.

ومن عملية “نفق الحرية” الى عملية القدس المزدوجة، التي غابت العمليات المشابهة لها عن القدس منذ عام 2016 ،والتي انتشرت بكثرة في اعوام 1995 و1996 وفي انتفاضة الأقصى،المنطق والمفكرون أمثال لينين يقولون”التحليل الملموس للواقع الملموس” ، بأنه عندما يستعيد الشبان الفلسطينيون المبادرة يصبح الشارع العربي شارعهم.

فلسطين – القدس المحتلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى