على خطى الرواد
على خطى الرواد
في الكثير تغلق الأبواب أمام الشباب المغمور بالحياة ، حين يعجز بناء ذاته ، وتحقيق حلمه ، حين يطرق الأبواب المؤصدة المشمعة .
هذا الشباب الذي لا تنقصه المؤهلات ، ولكنه يقف عاجزا بين الفرامل و المكبلات ، فتضيق الدنيا في عينيه ، فيحسب أنها النهاية والخيبة ، فيفضل الانعزال والهروب للوراء والاختباء . وهي نتيجة لمحصلة محاولات فاشلة ، حبست أنفاسه ، وضاقت في عيونه لإدراك أحلامه، التي أوقفتها العقبات الوهمية والمتاريس والحواجز الرملية .
والحقيقة إن أخطر عائق يصيب الشباب. ، هو القلق الزائد ، الذي يسيطر على كيانه ، فيكون ذلك القلق عائقا لتحديد الرؤية الصائبة، يمنعه تحديد المخرج المناسب ، فيصاب الشباب بالإحباط والخوف الشديد للوصول للهدف ، والخوف من المستقبل المجهول ، فيفقده البوصلة ، فلا يعد بمقدوره إدارة النفس ، ويفقده القدرة على الحركة .
وتحقيق المشاريع يتطلب رؤية ثاقبة ، يتطلب رؤية متأنية ، يتطلب ووقفة واعية أمام المشكلة ، كما يتطلب قراءة واقعية لقدراته و مواهبه .
ما يجب أن يدركه الشباب أن كل النجاحات المحققة للرواد في الحياة ، هي صناعة أيديهم ، وبجهودهم المحضة الخالصة ، وهي ثمرة مجاهدة ، وهي ثمرة كسر للعوائق الكثيرة .
على الشباب تلمس الطريق النجاح في الحياة من قصص أولئك الرواد ، الذين شقوا طريق النجاح الصعب في شتى الدروب والمجالات ، وما تحققت تلك الأهداف المرسومة إلا حين سكنت أعماق أنفسهم ، و ما تحققت أحلامهم إلا حين ردموا الأوهام وأزاحوا العوائق . إن تحقيق طريقه النجاح واحدة في التاريخ ، فما تحقق على أيدي العرب المسلمين أو غير المسلمين ، هي خطوط سير واحدة بل متشابهة ، وإن إبداعهم ونجاحهم لم يولد من فراغ ، ولم يولد في القصور أو الرفاه ، إن ذلك النجاح إنما ولدته العزيمة والصبر وقوة الإرادة ، والرغبة الجامحة لتحقيق التميز في وضع بصمة شعارها ؛ أردت أن أكون مميزا عن غيري وأن أحقق مشروعي الصغير بتعبي .
إن القواعد المشتركة في حياة كل العظماء واحدة ، وإن هذه القامات التي زخر بها التاريخ الحديث والتاريخ القديم ، أن تلك الأسماء ولدت في بيئات بسيطة رأس مالها التحدي للوصول للقمة ، زادها الوحيد عشق الحياة وهدفها السامي ، بإضافة لمسة ايجابية للحياة ، فهانت كل الصعاب وتفتتت كل التحديات .
فلا عجب أن يولد العظماء من بيئات بسيطة فلاحة ، فيكون الأب مزارعا بسيطا ، وأن تكون الأم محدودة الثقافة ، تكون ربة بيت عادية ، من القرى أو الأرياف أو البيئات الفقيرة ، في تلك الظروف يحقق العظماء أرقى الشهادات من جامعات مرموقة ، وفي أدق التخصصات بتقدير الامتياز مع مرتبة الشرف ، ويحصلوا بعدها أرقى المناصب وأنجح المشاريع .
قد شدتني وأنا أخط مقالي ، كلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب ، للعالم الياباني تاكيو أوساهيرا، لعل الشباب يستلهم منها الدروس والعبر اكتفيت بنقل لب القول وأنفعه يقول : ” ابتعتني حكومتي للدراسة في جامعة هامبورغ بألمانيا، لأدرس أصول الميكانيكا العلمية، ذهبت إلى هناك وأنا أحمل حلمي الخاص الذي لا ينفك عني أبداً، والذي خالج روحي وعقلي وسمعي وبصري وحسي، كنت أحلم بأن أتعلم كيف أصنع محركاً صغيراً ” . فصنع المحرك زرع نهضة أسهمت في تطور دولته .
الأستاذ حشاني زغيدي