عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب من خلال التأريخ بالهجرة النبوية
معمر حبار
من أراد أن يفهم عظمة قرار سيّدنا عمر بن الخطاب، رحمة الله ورضوان الله عليه، والمتمثّل في التأريخ الإسلامي من خلال الهجرة النبوية، فليقف مطوّلا على عظمة شخصية سيّدنا عمر بن الخطاب طوال حياته، ومواقفه القويّة الفاعلة، فهي نتاج ماضيه، وخلاصة مواقف وسلوكات يومية ، عرف بها وميّزته عن غيره.
ليست عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب في اختياره يوم الهجرة، كيوم بداية التأريخ للأمّة الإسلامية، -وإن كان أمرا عظيما-، إنّما العظمة في كون سيّدنا عمر بن الخطاب لم يختر يوم هجرته التي كانت علانية، وأمام مرأى ومسمع من أعدائه كفار قريش، -وكلّ أسيادنا الصحابة هاجروا تحت جنح الظلام-، كيوم للتأريخ الإسلامي.
ولا يوم اعتلائه الخلافة الإسلامية. ولا يوم فتوحاته العظيمة ضدّ أعظم قوّة وهي الفرس. ولا يوم انتصاراته العسكرية ضدّ أعظم جيش وهو الجيش الفارسي. ولا يوم استشهاده حين طعن غدرا وهو بين يدي ربّ العالمين. ولا يوم عرضه لخليفته وصديقه سيّدنا الصّدّيق، رحمة الله ورضوان الله عليه بجمع القرآن الكريم. ولا حين أسلم سيّدنا عمر بن الخطاب، وفرح المسلمون وحزن كفار قريش، وأصبح المسلمون من يومها يجاهرون بدينهم، وهو مالم يكن يفعلونه من قبل، حيث شجّع إسلامه الكثير في الدخول للإسلام، لما يرون فيه من قوّة ومنعة، وتغيّرت المعادلة، ومالت كفّة الميزان للمسلمين -ولو لبعض الوقت- بفضل إسلام سيّدنا عمر بن الخطاب، -بالإضافة إلى دور أسيادنا الصحابة الذين أسلموا من قبل سيّدنا عمر بن الخطاب، ومن بعده-. ولا يوم إقالته لسيّدنا خالد بن الوليد، رحمة الله ورضوان الله عليه، وهو سيف الله المسلول، وقائد عظيم، وقاهر القوتين العظميين يومها، ولم يجرؤ سيّدنا الصّدّيق على عزل سيّدنا خالد بن الوليد، وهو القوي المطاع. ولا يوم زواج سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بابنته سيّدتنا أمّنا حفصة بنت سيّدنا عمر بن الخطاب، رحمة الله ورضوان الله عليها، وهي مناسبة عظيمة جليلة. ولا يوم فتحه للقدس وهو من أعظم الأيّام. ولا يوم إنشائه لمدن جديدة بالشام والعراق وفارس ومصر، وهي حضارات عريقة عظيمة. ولا يوم يتعلّق بابنه سيّدنا ابن عمر، رحمة الله ورضوان الله عليه، وهو من أفقه أسيادنا الصحابة، وأشدهم تمسّكا بسنّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
فضّل سيّدنا عمر بن الخطاب اختيار مناسبة الهجرة النبوية للتأريخ الإسلامي، وهو لم يشارك في الهجرة النبوية لامن قريب ولا من بعيد، ولم يكن من عناصرها الأساسية. مايدلّ على عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب، الذي تنازل عن التأريخ بمحطات حياته الشخصية العظيمة، لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واختار التأريخ بمناسبة الهجرة النبوية التي لم يكن له دور فيها. مايدلّ على حبّه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وتواضعه، ونكرانه للذات، وعدم تقديس شخصه العظيم، ورفضه فرض نفسه على الأمة وهو الخليفة ويملك القوّة الضّاربة، والمكانة السّامية.
سيّدنا عمر بن الخطاب، رجل دولة، وفاتح، وقائد، ويتّخذ قراراته الفاعلة بناء على معرفته بالواقع، وحاجة المجتمع الذي يقوم بتسييره، ولذلك قراراته كانت قويّة فاعلة، مبنية على فهم الواقع جيّدا، ومنها: التأريخ بالهجرة النبوية عوض، إقامة إمام جامع للمسلمين في صلاة التراويح، وهم الذين كانوا يصلون صلاة التراويح فرادى، فوحد الأمّة على إمام واحد وجماعة. وجمع القرآن الكريم وقد جمع الأمّة على مصحف واحد.
لم يختر سيّدنا عمر بن الخطاب، عمدا -أقول عمدا-، مناسبة تتعلّق بشخصه الكريم، المذكورة أعلاه للتأريخ الإسلامي، وهو القادر على ذلك، باعتباره رئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوّات المسلّحة، وحامي الدستور، وباستطاعته إدراجها في الدستور. وفضّل التأريخ بهجرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يدلّ بجلاء على حبّ سيّدنا عمر بن الخطاب لقائده سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وهنا تكمن عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب.
لم يشارك سيّدنا عمر بن الخطاب في الهجرة النبوية، لكنّه شارك في الهجرة النبوية وترك بصمته التي ستظلّ الأمّة تذكرها له، حين قرّر بداية التأريخ الإسلامي عبر الهجرة النبوية، وينال بهذا القرار العظيم، فضل أسيادنا الصّدّيق، وبنات الصدّيق، وابنه، وعلي بن أبي طالب، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا، في المشاركة في نجاح الهجرة النبوية، وكلّ بطريقته المبهرة.
من شأن قادة العالم، أنّهم يختارون أحداث من صنعهم، لجعلها عيدا وطنيا تحتفل به الدولة والمجتمع، لكن سيّدنا عمر بن الخطاب، اختار للتأريخ مناسبة ليست من صنعه وهي الهجرة النبوية، ورفض أن يدوّن تأريخا باسم حياته الشخصية، وهو يملك الحقّ الدستوري والواقعي والقوّة والمنعة والمكانة. وهذا الموقف الخالد يدل على عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب، رحمة الله ورضوان الله عليه.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار