اقتصادفي الواجهة

عسكرة الدولار الأمريكي


قال المفكر الاقتصادى، أستاذ الإدارة، شريف دلاور، إن القوى الرأسمالية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة ستزيد من استخدام الدولار سلاحًا يشبه الأسلحة العسكرية في مواجهة منافسيها وخصومها وغير المنطوين تحت رايتها؛ كإحدى أهم أدواتها لضمان هيمنتها على النظام الاقتصادى والمالى العالمى ولتعويض التراجع الفعلى لمكانتها الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية.


وأوضح أن عسكرة الدولار تعنى رفعه أو خفضه… زيادة المعروض منه أو تقليل السيولة… رفع الفائدة عليه أو خفضها ليس طبقًا لآليات اقتصادية طبيعية، ولكن بهدف الإضرار بالآخرين وكبح صادراتهم وإيقاعهم في حبائل الديون أو تشويه اقتصادهم وهياكلهم الإنتاجية.

الدولار

وتساءل «دلاور»، في تصريحات خاصة: مَن يستفيد في أمريكا من عسكرة الدولار؟، هل هم الساسة؟، أجاب: لا، بل هي المصالح المالية الكبرى، مثل «جولدمان ساكس» وأمثاله من الذين يسيطرون على الاقتصاد الدولى منذ ثلاثة عقود، ولا ننسى دور الكيانات الديناصورية المالية، التي معظمها ملك لأسر صهيونية منحازة إلى إسرائيل؛ ثم إن المساعدات المالية الضخمة التي أقرها الكونجرس مؤخرًا لإسرائيل هي أيضًا بمثابة عسكرة للدولار لأنها تدخل في نطاق جهود أمريكا لإبقاء الدولار مسيطرًا عبر تدمير مقدرات الآخرين كمنع تواصل طريق الحرير؛ أو تعطيل ازدهار أي قوى إقليمية مناوئة سواء كانت الصين أو روسيا أو منطقة الشرق الأوسط ذاتها.
وأكد «دلاور» أن روسيا والدول الآسيوبة المتطورة والدول النامية أدركت أن توسع أمريكا في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد الدول التي لا تتفق في السياسة مع أمريكا ومصالحها يحتاج إلى وقفة داخل كل دولة وبشكل جماعى من خلال إيجاد تكتلات اقتصادية ذات نهج مختلف، مثل بريكس، ومحاولة إيجاد وسائل دفع بغير الدولار… تارة باستخدام العملات المحلية، وأخرى باستخدام اتفاقيات مبادلة العملة، وثالثة بابتكار آليات إلكترونية للمقاصة ولتسوية المدفوعات، ورابعة بتقديم تمويل تنموى من دون شروط سياسية؛ وغير ذلك، مستدركًا أن هذا طريق طويل، ويحتاج إلى دأب واستمرارية وإصرار لأن الدولار لا يزال يهيمن على أكثر من 60% من أسواق المال، وأكثر من نصف احتياطيات الدول، وحصته هي الكبرى، بفارق كبير عن التالى له، وهو اليورو، في المدفوعات.


وزاد «دلاور» بأنه يمكن القول إن البداية الحقيقية لهيمنة، ثم عسكرة الدولار، كانت عند انسحاب إدارة الرئيس نيكسون من قاعدة الذهب عام ١٩٧١، والتى كانت قد أقرتها اتفاقيات بريتون وودز إبان الحرب العالمية الثانية، ومن هنا أصبح الدولار مجرد ورقة، تطبع منها الولايات المتحدة بغير رقيب وقتما تشاء، وتسحب كميات منه من الأسواق وقتما تشاء، وترفع أو تخفض الفائدة عليه أيضًا بنفس الطريقة لتحقيق ما تراه مفيدًا لها، ولو تم إغراق الدول في الديون؛ لتأتى المرحلة الثانية في عهد الرئيس ريجان، وبداية تطبيق مبادئ مدرسة شيكاغو النيوليبرالية، وتوافق واشنطن في آخر الثمانينيات وارتباط العولمة الجديدة في التسعينيات مع تلك المبادئ والسياسات المرافقة لها، وأهمها فرض تعويم العملات، والخصخصة، وتحرير التجارة على الدول النامية والفقيرة، وكلها أدوات تخدم هيمنة أمريكا وعملتها، وتُكبل التنمية في تلك الدول.

ثم تعمقت عسكرة الدولار بشكل علنى مع إدارة الرئيس ترامب كمرحلة ثالثة حتى يومنا هذا بالتوسع الشديد في فرض العقوبات على إيران، ثم على الصين، ثم على روسيا، وكان أخطر أشكال العسكرة إبعاد روسيا عن شبكة السويفت، التي يتم من خلالها مرور وتسوية المعاملات بين الدول والمؤسسات المالية والشركات الكبرى، علمًا بأن الشبكة هي شركة في بلجيكا، شارك في تأسيسها نحو ٢٤٠٠ بيت مال، ويعمل من خلالها نحو عشرة آلاف مؤسسة وكيان مالى عبر العالم، أي أنه يُفترض ألّا تستخدمها أي دولة لصالحها، بل الغريب أن رئيس «سويفت» من ٢٠٠٦ إلى ٢٠٢٢ كان أمريكيًّا، ويعمل مديرًا تنفيذيًّا في نفس الوقت لـ«سيتى جروب» الأمريكى العملاق.

ونبّه «دلاور»، في نهاية تصريحاته الخاصة، لـ«المصرى اليوم»، إلى أن أهم ورقة لدولة مثل مصر في مواجهة هذه العملية، التي أطلقت عليها أنا وغيرى منذ سنوات اسم عسكرة الدولار، هي بناء القاعدة الإنتاجية القوية والمتطورة والديناميكية لإنتاج سلع وخدمات قادرة على المنافسة وعلى تعزيز مكانة العملة الوطنية وقدرة الدولة على مواجهة التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى