عروس اللغات
حشاني زغيدي
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية أخذني الوفاء لزيارة بيت اللغة العربية، وقد تجشمت السفر إليها رغم بعد المسافات، لكن حق الوفاء شدني إليها. وإني أعلم حالها، فقد أضحت غريبة بين أهلها، غريبة في دارها، وقد تنكر لها الأصحاب الأهل والخلان، وقد استبدلوها بضرة استوردوها من وراء البحار، فباتت الأصيلة تطلب الخلاص وتستجدي النصرة من أبنائها، وقد ألمت بها الملمات، وقد كانت سيدة الدار قرونا عدة، فمتى تكون بنت الدار هي سيدة مصانة الحقوق كما كانت في عصر الزهور والازدهار؟!
وأنا في طريقي إليها تذكرت جمالها الأخاذ، الذي أسر الشعراء والأدباء، تذكر ت لغة العواطف والمشاعر .
كيف ننسى لغة خصها الله لتحضن الوحي، لتحمل البشائر والهداية للحيارى، كانت العروس المختارة من بين جميع لغات الدنيا ، لتزين المصحف بٱيته الكريمة، فكانت بلا فخر لغة القرٱن الكريم، لغة عزة الأمة وفخرها .
(إنا أنزلناه حكما عربيا) …{قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
كانت بلا فخر مربط وحدة الأمة، فتجانس الأمم والشعوب فإنما تصنعه وحدة اللسان، وإن كل تفرق مبعثه اختلاف اللسان، فكانت اللغة العربية عبر العصور من أهم عوامل الوحدة.
أما إذا اخترنا الجمال والذوق، والحس المرهف، فالعربية احتلت المكان بلا منازع، لأنها لغة رصعت بالجمال الخلاق، فكانت من الثراء والثروة أوفر للغات بالمفردات، وأكثرهم إحاطة بالمعاني، فكانت بذلك مصدر إلهام للمثقفين والأدباء والعلماء، فمكنتهم من الإبحار في دروب الفكر والفقه والحساب وللعلوم والجغرافيا والطب، وكل صنوف العلم.
المؤسف أننا أصبحنا في زمن نجد كثيرا من أبناء جلدتنا عز عليهم، أن يتواصلوا بها في المحافل والملتقيات، بل المؤسف أنهم وزراءنا ونوابنا ومثقفينا يعقون لغة الضاد، ويجعلون لها ضرة وغريمة، فتجدهم يحسنون ويتقنون لغة المستضمر، قراءة وكتابة وتدوينا، وألسنتهم ملفوفة لا تفك أبسط كلماتها، ويزيد الأسف والحسرة أن تجد غير متحدثين بالعربية يبذلون الوسع وقصارى جهدهم فى تعلمها وتعليمها .
و في الطريق تذكرت ما كتب الأديب الشاعر حافظ إبراهيم في حقها فاقتطفت من روضها بعض أبيات تسبي النظر لجمال لغة حق لها أن تكرم بين أبنائها وفي أوطانها.
قال فيها:
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي
وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني
عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي
رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة
وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني
ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني
أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً
وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً
فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ
يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
ولو تَزْجُرونَ الطَّيرَ يوماً عَلِمتُمُ
بما تحتَه مِنْ عَثْرَة ٍ وشَتاتِ
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة
أَعْظُماً يَعِزُّ عليها أن تلينَ قَناتِي
وصلت بابها مأسورا بجمالها، أحمل أملا أن تستعيد لغتي مكانتها فتحتل الريادة، فتكون لغة الفكر والعلم والمناظرة والقلم والإدارة،
وصلت بابها أملي ان تنال المكانة المرموقة في قلوبنا، فنخدمها و، فننافح عنها، فندفع عنها لؤم الأعداء وكيد المتٱمرين، كيف لا وهي لغة أهل الجنة ولغة القرآن .
الأستاذ حشاني زغيدي