ضرب القنصلية الإيرانية… هروب إسرائيل من جحيم غزة
الدكتور خيام الزعبي- جامعة الفرات
يبدو اليوم أن قدر سورية أن تتصدى للإرهاب الأسود من جديد، لكن هذه المرة فإن المعركة أكثر عنفا وشراسة، فقد كثفت إسرائيل منذ بدء حرب غزة غاراتها على الأراضي السورية، وقد طال قصفها مرات عدة مطارَي دمشق وحلب الدوليين، وأيضاً مركز البحوث العلمية بمنطقة جمرايا في الريف الغربي من العاصمة السورية دمشق، واليوم أطل الإرهاب الإسرائيلي بوجهة القبيح مرة أخرى، من خلال إقدام إسرائيل على اغتيال القائد في الحرس الثوري الايراني العميد محمد رضا زاهدي ونائبه العميد حاجي رحيمي، في هجوم استهدف مقر القنصلية الإيرانية بدمشق، وقد سبق إن إغتال الصهاينة قادة من محور المقاومة ولم تتوقَّف المقاومة بل تصاعدت، في إطار ذلك فإن دم الشهداء، لن يضعف من الجهاد والمقاومة كما يتوهّم الإحتلال، بل سيرون بأعينهم أن النار ستزداد قوة وإشتعالاً.
بالمقابل عقد الحرس الثوري الايراني إجتماعاً طارئاً وسط دعوات تطالب بضرورة الرد على هذا العدوان الإسرائيلي، لإنهم يدركون إن هذه الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية تشكل إستفزازاً للكرامة العربية والاسلامية وطعناً لها في مقتل، ولا بد من وضع حد لها بأي شكل من الأشكال فقد طفح كيل صبرهم، في إطار هذا ومنذ الإعلان عن جريمة الإغتيال، تعيش إسرائيل حالة متنامية من القلق والخشية غير المسبوقين، فإسرائيل متيقنة من أن الرد آت لا محالة، ومفتقرة في الوقت نفسه إلى معلومات حسية تقودها إلى تحديد مكان الرد وزمانه وحجمه وأسلوبه، الأمر الذي يطلق العنان لتقديرات وتنبؤات إستخبارات واسعة، وهي في أغلبها تقديرات تشاؤمية مقلقة.
إن الترهيب والقتل لا يمكن ان يخيف رجال المقاومة، ومع ذلك، تبقى الاغتيالات أحد أقوى أدوات الضغط والحرب بمواجهة حركات المقاومة، بعد فشل عدوانها على غزة في تحقيق أي انتصارات عسكرية بل وفقدت المزيد من قواتها فضلا ً عن الغضب الشعبي الذى يحيط بالحكومة الإسرائيلية من الداخل.
وبينما يعجز نتنياهو الإرهابي عن “إنهاء المقاومة” كما وعد حكومته، لم يتمكن أيضاً من ردع حزب الله في جبهتهم الشمالية ولا الحوثيين في البحر الأحمر، رغم تهديداته المستمرة بشن حرب واسعة على لبنان واليمن، ثم جاء اغتيال المُستشارين العسكريين الإيرانيين في قلب دمشق، ليؤكد أن إسرائيل بحربها “الوجودية” هذه، سلكت دربها بعمليات الاغتيال، كحرب موازية لإخفاقاتها على جميع الأصعدة. ومن هنا اعتبرت حركات المقاومة بأنها محاولة من العدو الصهيوني لتوسيع رقعة الاشتباك وجر المنطقة بأسرها إلى الحرب للهروب من الفشل الميداني العسكري في المنطقة والمأزق السياسي الذي تعيشه حكومة الكيان، إثر فشلها من حربها على غزة .
فنتنياهو بحاجة، باغتياله العميد محمد رضا زاهدي ونائبه العميد حاجي رحيمي وضرب القنصلية الايرانية بدمشق، إلى تسجيل «انتصار» للتعويض عن عدم قدرته على استهداف قادة «حماس» في غزة، رغم أنه تعهَّد بتصفيتهم مع بدء الجيش الإسرائيلي باجتياحه البري لقطاع غزة، لعله يعيد خلط الأوراق؛ بأن يأخذ المنطقة إلى حرب إقليمية، بعد أن عجز في حربه المستمرة ضد «حماس» عن تسجيل انتصار يعيد له الاعتبار من جهة، ويسترد من خلاله هيبة أجهزته الاستخباراتية بعد عجزها عن وضع يدها على عملية «طوفان الأقصى» لمنع «حماس» من اجتياحها المستوطنات الإسرائيلية.
في سياق متصل ما زال من غير المعروف كيف سينفذ الحرس الثوري الإيراني تهديداته بالرد، فهل سيقصف أهدافاً في العمق الإسرائيلي بالصواريخ، أم انه سيقدم على تفجير سفارات إسرائيلية أو إغتيال مسؤولين إسرائيليين في الخارج؟، وهنا يمكنني القول إن نتنياهو يلعب بالنار، ومن المؤكد انه سيدفع مستوطنوه ثمناً غالياً في نهاية المطاف، وبالتالي فإن مساعدة كل من حزب الله وسورية وحلفاؤها لإيران، بالإضافة إلى القوّة الصاروخية التي يمتلكها محور المقاومة والقادرة على ضرب أي مكان في إسرائيل، فضلاً عن قدراته الهجومية التي لا تزال في إرتفاع مستمر من ناحية الكم والكيف، ليس لمصلحة إسرائيل في فتح جبهة مع محور المقاومة، ليصل الأمر بالمقابل إلى إعتبار أن سيناريو الحرب القادمة مع المحور المقاوم سيكون الأخطر في تاريخ إسرائيل.
مما سبق يمكنني القول إن جيش الاحتلال يتحمل نتيجة ما يرتكبه الآن، وإن للمقاومة الحق في الدفاع عن نفسها وشعبها، فالحرب القادمة بين محور المقاومة وإسرائيل ستكون مختلفة تماماً، وستؤلم الكيان الصهيوني وذيوله وستغير هذه الحرب الكثير من النظريات والعقائد العسكرية في العالم، كما أنها ستدفع بالقوى الدولية لإعادة النظر في حقيقة موازين القوى وسبل قياسها.
مجملاً…. هناك توقعات بإنفجار المنطقة برمتها التي أصبحت معرضه لمخاطر الحرب نتيجة المواقف المتعنتة للدول المتآمرة على ايران ومحورها المقاوم، فالحقيقة التي يجب أن ندركها إننا الآن أمام تحدي كبير يتطلب منا التغيير في الاستراتيجيات والأدوات والعودة إلى الكفاح والمقاومة بكل أشكالهما، وكسر حال الصمت لمواجهة إسرائيل الحاقدة على العرب.
وأختم بالقول: المقاومة بالمرصاد وهي على أتمّ الجهوزية، لأن الإسرائيلي يعرف قبل غيره، أنّ “مفاجآتها” قد تطاله في العمق، خصوصاً إذا ما فُتِح الصراع أبوابه.