رأي

ضائعٌ بين أقرانه الجزء الثّاني (7)

ضائعٌ بين أقرانه الجزء الثّاني (7)

رشيد مصباح (فوزي)

ركبنا سيارة أجرة، في طريقنا إلى الفندق لفت نظري عبارات من قبيل: أيّها العرب الأقذار إلى الخارج. [dehors sale race arabe] ولم تكن مجرّد خربشات من التي تعوّدنا على رؤيتها في الشوارع، بل هي عبارات مغرضة كُتبت بالطبشور الأصفر الذي لا يمحى بسهولة. و تحمل من ورائها أكثر من معنى.
لم أكترث كثيرا، لأن بالي كان في جهة أخرى؛ فبرغم ما تخفيه إلّـا أن مثل هذه العبارات العنصرية تعكس مدى تذمّر بعض الفرنسيين من تصرّفات أفراد الجالية المغاربية الذين أساؤوا كثيرا إليهم، وإلى ذويهم و سمعة أوطانهم.
في إدارة الفندق استلمنا مفتاح الغرفة، غرفة لشخصين. وبعد القيام بكافّة الإجراءات القانونية، رافقنا عون الاستقبال إلى الغرفة، وتفحّص جميع ما فيها جيّدا، وسألنا ما إذا كانت لدينا ملاحظات فيما يخص نظافة الأغطية أو أيّ شيء آخر.
”كل شيء تمام“.
جاءه الردّ من أبي الذي نال منه التّعب، ولم يعد يرغب في أيّ شيء آخر، ورمى بثقله على السرير. بينما بقيتُ أنا وافقا، ولم أستلقي مثله فوق السرير؛ ولسان حالي يقول:
”أنا لم آتِ إلى هنا من أجل هذا“.
فهم أبي قصدي و مرادي من خلال ملامح وجهي التي فضحتني، فلم يتردّد في السماح لي بالذهاب شريطة أن لا أبتعد كثيرا.
لم أشغل بالي كثيرا بما قاله، كانت الدنيا بخير في تلك الأيّام، ولم يكن هناك يمين متطرّف ولا يسار متوحّش ولا اعتداءات، حتى وإن كان هناك من يحمل أفكارا عنصرية ويدعو إلى ذلك، إلّـا أن الأمر لم يبلغ مداه مثل ما يحدث ونسمع عنه في هذه الأيام من إسلاموفوبيا و اعتداءات على المساجد ومطاردة المسلمين في كل مكان.
خرجتُ أتمشّى في شوارع مرسيليا الواسعة، وأنا لا أعرف جنوبها من شمالها، ولم أكترث؛ هذه فرصتي.
انطلقتُ كالسّهم، أو كمن أُنشِط من عِقال، ولستُ أدري كيف ساقتني قدماي ووجدتني في ”ساحة بالزانس“ وسط المدينة. ساحة لا تختلف كثيرا عن ”ساحة الثّورة“ بمدينة عنّابة، وليس في هذه السّاحة ما يدلّ على أنّها فرنسية.
مكبّرات الصوت بمختلف الأحجام الموجودة على الأرصفة تدوّي بأغاني الرّاي العباسي أو الوهراني، بالشّارع الطّويل الذي لا تكاد تجد فيه منفذا، من كثرة الطوابير البشرية، والزّحام أمام أنواع السلع المعروضة هنا هناك، بما فيها الشّيفون وبعض الأجهزة والآلات. وبأسعار مغرية.
وكانت تحتي بعض النّقود من التي منحنيها أبي ونحن في السفينة، فقمتُ بشراء كيس بـ 10 عشرة فرنكات فرنسية، لم آخذ كل وقتي وأتأكّد ممّا فيه: ”قط في شكارة“، وعدتُ على أدراجي مسرعا أطلب المكان الذي جئتُ منه.
يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى