صناعة الوهم

 
وداد فرحان
كاتبة- وصحفية
يقال أن الناس في الجاهلية كانوا يصنعون وينحتون أصنامهم من كل شيء، فلكل فرد صنم يعبده أو يتقرب اليه، حتى قيل أن أحدهم صنع صنمه من التمر، فلما جاع أكله.
نعم أكل ربه الذي صنعه بيديه من التمر، ولو كانت هذه الصناعة رائجة في أيامنا لصنعنا أصنامنا من “النستلة” فحتى وأن لم نجُع، نأكلها تسلية وغيظا ممن يكرهها. ولاختفاء أصنام الجاهلية وظهور الأصنام الحضارية،
بدأنا بإتقان صناعة جديدة، ولّدت مشكلتنا التي نحن عليها، وأصبحنا نكرر القول الكريم: “كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا”.
هذه الصناعة متمثلة في صناعة العدو.
الحديث لا يمتد مداه الى الفقه العسكري ولا السياسي، بل يتجاوزه الى الفقه النفسي الذي يتوالد وينشطر، إذ أصبح ظاهرة مقبولة لا يتعدى مفهوم المشكلة ولا يبحث عن الحل.
وبما أن المجتمع يتعرض الى مراحل متكررة من العنف والقهر الذي تكمن دوافعه بالكراهية وصناعة العدو، فالشعب عليه تلقي كل نيران الدولة، بضمنها رصاصة الذي يرتكز على هامة البنايات، ليطبق فرضته على شعيرة قناصته، ويسدد رميته على قلب متظاهر، في لحظة هامشية من الحياة يقرر فيها أن يكون هدفه هو عدوه الذي صنع للتو.
هكذا نصنع أعداءنا، كما كان الذين يصنعون أصنامهم فيأكلونها عندما يجوعون، ونحن نقتل أعداءنا قربة لتلك الأصنام التي أصبحت لا تؤكل ولا تساعد على الهضم والابتلاع.
صار من ليس له عدو في يومه كمن لم يكن له صنم جاهلي، فأصبحنا نميل الى أكل أعدائنا الذين صنعناهم بالرصاص، ونترك أصنامنا المصنوعة من التمر يتكاثر عليها الذباب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى