صحفي الجزيرة أحمد منصور و التحريض على القتل في سوريا

أحمد منصور والتحريض على القتل في سوريا
علاء اللامي
لماذا ترفض العقلية المليشياوية المسكونة بالعنف المقولة النبوية “اذهبوا فأنتم الطلقاء”؟ بالأمس شاهدت تسجيل فيديو لمدون سوري يناشد سلطات الأمر الواقع في دمشق المسارعة إلى القيام بأمرين؛ الأول وقف المذابح الدامية في الساحل السوري، والثاني المسارعة إلى إنزال العقاب برجال ومسؤولي النظام السوري السابق، والكف عن سياسة “اذهبوا وأنتم الطلقاء”. واليوم، وقبل قليل قرأت هذه التغريدة لأحد خريجي مدرسة التحريض والحقد في قناة “الجزيرة” هو الإعلامي أحمد منصور والتي ينهيها بتحريض أحمد الشرع الجولاني على القضاء على أعدائه (قبل أن يستفحل خطرهم والتوقف عن سياسة “اذهبوا فأنتم الطلقاء”)!
*معروفٌ سياق المقولة النبوية ومناسبتها، ولكن لا بأس من التذكير بها سريعا. فبعد صراع دموي بين المسلمين والمشركين “الوثنيين” في مكة. قرر النبي فتح مكة والاستيلاء عليها وحسم الصراع بإسقاط سلطة القبليين الوثنيين. وحين تم له ذلك، وأُحضِر أمامه المشركون كلهم، وكان بينهم قتلة صحابته وعمه الحمزة، سألهم: ما تظنون إني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم! ولكي ينهي النبي هذا الفصل من التاريخ بحسم وفروسية وإنسانية عفا عنهم جميعاً وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وكما ذكرت في مقالتي عن مسلسل “معاوية”، فقد كان بين الطلقاء وعددهم يقارب الألف جميع أفراد عائلة أبي سفيان ما عدا الصحابية “أم حبيبة”، رملة بنت أبي سفيان.
*ماذا يريد الرافضون لهذه المقولة السامية، والتي سبقت بأكثر من ألف عام تشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة التي تولت محاكمة مجرمي ومسؤولي حكم الأقلية العنصرية البيضاء في جنوب أفريقيا بعد انتصار المقاومة هناك، محاكمتهم لمعرفة الحقيقة وترك القرار لهم بعد إدلائهم بالحقائق عن ممارساتهم باعتذار لضحاياهم من عدمه. وقد اعتذر جميع الذين حوكموا بجرائم قتل وتعذيب قاموا بها ووصفوا تفاصيلها بدقة شديدة وبحضور ذوي الضحايا ثم اعتذروا عنها أمامهم إلا مسؤولا عنصريا واحدا أكل الحقد العنصري عقله وقلبه رفض الاعتذار.
*اليوم، وأمام المأساة الجارية والمستمرة أمام أنظار العالم في الساحل السوري والتي راح ضحيتها المئات من المدنيين العزل، خلال حركة مسلحة مغامرة قام به بعض عناصر المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام الاستبدادي السابق، جاءت ردا على ممارسات اضطهادية قاسية تراوحت بين القتل والتعذيب وقطع الرواتب والإهانات والتمييز الطائفي وهي بالآلاف، كانت حركة عسكرية منظمة ولم تكن انتفاضة شعبية مشروعة واسعة النطاق ليعاقب السكانُ بهذه القسوة هذا العقاب الإبادي الجماعي على الطريقة الصهيو نية المألوفة.
ولكن النظام الجديد كرر اعتبارها دائما “ممارسات فردية”، اليوم أمام هول ما جرى من مذابح وعمليات إذلال لا يقدم عليها أناس سليمو العقل والأخلاق ومنها إجبار الرجال على الزحف والنباح كالكلاب وركوبهم كالبهائم أمام الكاميرات، وكأنهم لم يسمعوا بالآية التي تقول {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ. الإسراء 70}، ولكنهم يزعمون إنهم إسلاميون سلفيون، أقول أمام هول ما يجري ما أحوج الجميع؛ من ضحايا هذه الهجمة والحملة الإبادية وقبلهم ضحايا النظام الاستبدادي السابق، إلى الاقتداء بهذه المقولة والأخذ بهذا المبدأ والبدء بفتح ملفات الماضي بشكل قانوني ورسمي من قبل سلطات منتخبة والبت في جميع الارتكابات القديمة والجديدة على أساس الحقيقة والمصالحة وإحقاق حقوق الضحايا؟
*أعتقد أن الرافضين لهذا السياق التصالحي الإنساني هم الذين يريدون تدمير سوريا وتقسيمها واستمرار تحكم الدول الأجنبية كتركيا الأطلسية – أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل – تركيا التي لم تخفِ أطماعها في سوريا والعراق وليبيا والتي بادرت ومعها “قاصتها” قطر فقط إلى تأييد حكومة الشرع. أما الكيان الصهيوني المعربد فقد تركه هؤلاء ليسرح ويمرح في الجنوب السوري ومنطقة الجولان وجبل العرب بل ويهدد حكام دمشق ومن والاهم بضربه بشدة إذا استهدف أهالي مناطق العرب السوريين الدروز وحتى في حي جرمانا في ضواحي دمشق أو أدخل قواته الحكومية فيها فانصاعوا لتهديده ولم يردوا عليه فيما رفض الوطنيون من أبناء المكون الدرزي تدخلات نتنياهو بشدة!
*إذن، ترفض العقلية المليشياوية والحزبية في أنظمة الحكم الاستبدادية مقولات العفو والرحمة سواء جاءت في حديث نبوي أو آية قرآنية كما في: {فاصفح الصفح الجميل} (الحجر :85) أو في {وَإنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” – التغابن :14}. وحتى في عصر ما قبل الإسلام وفي مقالات العرب الوثنيين كان “العفو عند المقدرة” ثيمة أخلاقية سائدة ومعروفة دالة على الفروسية والنبل وعلو الهمة. ولهذا يرفض العقل المليشياوي والجلاد الحكومي مقولات العفو والتسامح لأنه قائم على الثأر والانتقام وإلحاق الأذى بالآخر، حتى لو كان بريئا، ففي ذلك لذة وسخة لروحه الحشرية الصغيرة، لذة بهيمية ورثها عن آكلي الأكباد قديما… أما العقل الفروسي النبيل فهو منساق بطبعة السمح النوراني إلى قولة: اذهبوا فأنتم الطلقاء!
*سلاما سوريا المعذبة،
ستزول هذه الصفحة من عذاباتك بمرور الأزمان،
ولكن هذه اللطخة السوداء ستلتصق بجباه القتلة والجلادين إلى الأبد.