صبرا وشاتيلا … هوية عصرنا حتى الأبد !؟
صبرا وشاتيلا … هوية عصرنا حتى الأبد !؟
عندما تمرُ أيام السنة، يوماً بيوم، نبدأ بالبحث فيها عن مايصادف فيها من أحداث مأساوية، كُتِبت بسجلات وقواميس وتواريخ ذاكرة الألم العربي، وفي ذاكرة مايُصادف به هذه الأيام من أحداث ونكبات والآم عربية،لايمكنُ للذاكرة التاريخية أن تمحوها، وهنا سنقرأ، عن ما تصادفهُ هذه الايام وبألم.. عن “محرقة صبرا وشاتيلا”، ففي ذكرى السادس عشر من أيلول 1982، حصلت هذه المذبحة، والتي ستبقى ذكراها وأحداثها الدموية، فاجعة ونكبة كبرى محفورة عميقاً في ضمائر وعقول وسجلات الألم لأبناء الشعوب العربية، وأخصّ منهم الشعب الفلسطيني واللبناني، فهذه المذبحة بكل تجلياتها، أثبتت في تلك المرحلة تناقض مشاريع اللبنانيين، فمنهم من أختار مشروع النضال التحرري من الصهاينة كرمزٍ للنضال في سبيل الحرية التي تعيدُ لـ اللبنانيين حريتهم وسيادتهم الوطنية، ومنهم من ذهب بعيداً بعمالته لهذا المشروع الصهيوني بلبنان الشقيق .
نستذكرُ جميعاً في هذه الذكرى كعرب، ذكرى شهداء الحرية من الأخوة الفلسطينيين، وبعض الأخوة اللبنانيين، ونستذكرُ معها حقد بعض الأحزاب والقوى اللبنانية التي كانت ومازالت، تمارسُ عمالتها لهذا المشروع الصهيوني بلبنان وخارجه، وفي إطار عمالة بعض القوى اللبنانية للمشروع الصهيوني بلبنان، نقرأ بالتفاصيل عن هذه المذبحة، فهذه المذبحة وقعت في مخيم شاتيلا لـ اللاجئين الفلسطينيين “جنوب بيروت” وحي صبرا اللبناني الفقير، بعد يومين من اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل ، وبدت كأنها انتقام لمقتل الجميل الذي كان زعيماً للمليشيات اليمينية ، ووقعت في 16 أيلول 1982م واستمرت لمدة ثلاثة أيام على يد المجموعات الانعزالية اللبنانية، المتمثلة “بحزب الكتائب اللبناني “ و”جيش لبنان الجنوبي” والجيش الصهيوني “.
وفي التفاصيل نقرأ، أنهُ في ذلك الوقت كان المخيم مطوّقاً بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي والجيش الصهيوني الذي كان تحت قيادة “ إريل شارون- ورفائيل إيتان “ إمّا قيادة الميلشيات اللبنانية فكانت تحت إمرة المدعو إيلي حبيقة – المسؤول الكتائبي المتنفذ في لبنان حينها ، وهنا نقرأ بألم كيف قامت القوات الانعزالية بالدخول إلى المخيم، وبدأت بدمٍ بارد تنفيذ المذبحة التي هزّت العالم ودونما رحمة، وبعيداً عن الإعلام، وكانت قد استخدمت الأسلحة بكافة أشكالها في عمليات التصفية لسكان المخيم العُزّل، وكانت مهمة الجيش الصهيوني محصورة بقصف بعض المناطق، و بالأمداد بالسلاح و بمحاصرة المخيم وإنارته ليلاً بالقنابل المضيئة.
وفي تفاصيل المذبحة نقرأ بألم أيضاً، كيف دخلت ثلاث فرق من مجموعات وقوى لبنانية، كانت متحالفه مع جيش الاحتلال الصهيوني بلبنان ، وكيف أنها دخلت إلى المخيم، وكان كلٌ منها يتكون من خمسين مسلّحاً..ودخلت إلى المخيم بحجة وجود 1500 مسلّح فلسطيني داخل المخيم ،وقامت بعض المجموعات اللبنانية “ المتحالفة مع الاحتلال الصهيوني “ بالإطباق على سكان المخيم، وأخذوا يقتلون المدنيين قتلاً بلا هوادة، أطفال في سنّ الثالثة والرابعة، وجدوا غُرقى في دمائهم، حواملٌ بُقِِرت بطونهن، ونساءٌ تمّ إغتصابهن قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذُبِحوا وقتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره، فكانت محرقة عمرها 48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة التي تطلقها قوات الاحتلال الصهيوني بسماء المخيم ليلاً .
وفي محيط المخيم أحكمت الآليات الصهيونية إغلاق كل مداخل الخروج والدخول إلى المخيم، فلم يسمح للصحفيين ولا للوكالات الإخبارية بالدخول إلا بعد انتهاء المحرقة،و حينها استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية، عدد القتلى في المذبحة لايعرف للآن، ولكن أغلب التقديرات تحدثت عن تجاوزه 3000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العُزّل من السلاح، ففي أيام الخميس والجمعة والسبت “16 و 17 و 18” من شهر أيلول عام 1982 م ، استيقظ العالم كما أستيقظ من بقي حيّاً من لاجئي مُخيّميّ صبرا وشاتيلا على واحدة من أكثر الفصول الدموية في تاريخ الشعب الفلسطيني الصامد، وفي التاريخ الإنساني الحديث ، بل من أبشع ما كتب تاريخ العالم بأسره في حقّ حركات المقاومة والتحرير .
في تلك المحرقه تحالفت قوى التآمر والعمالة اللبنانية مع الصهاينة، وهنا نقرأ بألم كيف إن الجيش الصهيوني هو من “أنضم” إلى حزب الكتائب اللبناني بهذه المحرقة وليس العكس، ليسطّروا بالدم صفحة من صفحات الظلم والبطش في محرقةٍ من كُبرى المحارق التي تهدفُ لتصفية الفلسطينيين وإرغام أهل فلسطين اللاجئين بلبنان على الهجرة من جديد ،ولتستمر تفاصيل الهجرات المتلاحقة للشعب العربي الفلسطيني .
ختاماً، لقد كانت هذه المذبحة ، وصمة عار بجبين الإنسانية ككل، ووصمة عار وخزي لبعض القوى اللبنانية العميله للصهاينة ومشروعهم السرطاني بالمنطقة ، وستبقى لعنة ضحايا محرقة صبرا وشاتيلا تلاحقُ كل من شارك بها، وهنا أقتبس بحضرة هذه الذكرى المؤلمة بكل تجلياتها ، بعضاً من مفاصل قصيدة “مديح الظل العالي “ صبرا – فتاة نائمة” للراحل محمود درويش:
“ صبرا – بقايا الكف في جسد قتيل
ودّعت فرسانها و زمانها
واستسلمت للنوم من تعب، ومن عرب، رموها خلفهم
صبرا – وما ينسى الجنود الراحلون من الجليل
صبرا- تقاطع شارعين على جسد
صبرا- نزول الروح في حجر
صبرا- لا أحد
صبرا-هوية عصرنا حتى الأبد “ ..