شيفرة إرم
بدأ باحثاً عن كنز الشيطان وانتهى به المطاف في الصحراء باحثاً عن مدينة مفقودة حتى إذا ما دنا منها أو شبّهت له وجد نفسه في عالم آخر وزمن آخر؛ يسأل نفسه: أحقّاً وجدت المدينة الضائعة؟ مدينة إرم ذات العماد؟
قد يستغرب المتلقي كيف تحول القص القرآني إلى نص أدبي؛ وكيف صحّ حضوره في موقع الرواية، وهنا يأتي دور الكاتب في كيفية تنظيم مادة السرد وجعل أحداثها مفارقة عنيفة للحياة المعقولة المألوفة وتحريرها من قوانين الطبيعة ليصار إلى تقديمها ضمن محكي غرائبي تعود مصادره إلى زمن (عاد)، قوم العمالقة وملكها شداد بن عاد، باني مدينة إرم ذات العماد، التي يسعى أبطاله لاكتشافها مع ما يواجهونه من غموض مطلق ممتد على طول الصحارى والفيافِ، فكيف استطاع الروائي عمار السروري فكفكة “شيفرة إرم” من خلال “رحلة البحث عن المدينة المفقودة في الربع الخالي” والمزج بين الحدين: الواقعي (القص القرآني) والمتخيل (الروائي/ الغرائبي) تبعاً لطبيعة الأنساق التعبيرية الموظفة في هذا المتن السردي الساحر؛ ومن دون الإخلال بالدلالات التاريخية والدينية، هو مما سيكتشفه المتلقي الذي سيتمكن من فك “شيفرة إرم” في هذه الرواية الخالدة.
تعود أحداث الرواية إلى العام 1954 مع عودة شمس من الخارج بعد حيازته شهادة في علم الآثار وبعد مشاركته في بعثات أثرية في قارات مختلفة إلى دياره في الصَبَّيْحة المنطقة الواقعة في أقصى جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، في هذه الأثناء تصله رسالة من لندن من صديق دراسته ويليام يخبره فيها عن رغبة السير “رايلي بران” الرجل الثري المولع بكل ما هو أثري بتكليفه القيام برحلة إلى الجزيرة العربية، إلى ربعها الخالي للبحث عن المدينة المفقودة، ويطلب من شمس مرافقته بهذه الرحلة.
يبدأ عالما الآثار الصديقان بعد وضع الترتيبات برحلة شاقة يشاركهم فيها جيراكوس (هندي أحمر)، وبعض من أبناء البلدة، يدفعهم حب المغامرة والاكتشاف، ليجدوا أنفسهم في عالم آخر غريب لا يشبه عالمهم في شيء مرة يجدون أنفسهم في فردوس رائع الجمال، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على بال بشر، وأخرى يواجهون فيها قبائل الجن، يتسامرون معهم تارة، ويقعون في أَسرهم تارة أخرى؛ يبحثون عن الخلاص وبعد أن فقد البعض منهم عقله ومات البعض الآخر يعود شمس إلى موطنه شيخاً هرماً مريضاً يسأل نفسه هل ما عاشه في الصحراء حقيقة أم خيالاً، وهماً أو سراباً؟
من أجواء الرواية نقرأ:
“كان هناك قصر ليس كبقية القصور. عجيبة تتربع على كل عجائب المدينة وقصورها. بناء هندسي غريب ومختلف. مكثت يوماً أسير بغية أن أصل إليه. ولما وصلت، وجدت له باحة كبيرة، مُلئت بمختلف الأشجار والنباتات، وببحيرات ذات أشكال هندسية مختلفة. شعرت أنني في الجنة. سرت في باحته بكبر وأناقة. وبعد وقت طويل وصلت إلى بابه الرئيسي. لم يكن كالأبواب التي فتحتها في هذه المدينة. فقد كان ضخماً ومرصعاً بحجارة زمرد مختلفة الألوان. حاولت فتحه لكني لم أستطع، فبقيت أطوف في المكان، أبحث عن مدخل حتى وجدت شجرة جميز ضخمة، وصلت أغصانها إلى إحدى الشرفات. تسلقتها بحماس متنقلاً بين أفنائها من غصن إلى آخر، حتى وصلت إلى الشرفة بعد جهد ورعب كبيرين.
عندما دخلت القصر شعرت أني سأفقد عقلي. فقد كان جنة أخرى. مدينة بحد ذاته. قصرٌ بداخله قصور. قصورٌ من أعلى ومن أسفل، وكأنها ليس لها نهاية. وجدته عالماً آخر، مدينة أخرى، فردوساً عجائبياً غير فردوس المدينة التي تزينه من حوله، والتي بدت لي لا شيء مقارنة به”.