شبق الوصول إلى كأس العالم !
حسن مدبولى
فى 17 نوفمبر عام 1989 وبعد مباراة الجزائر الشهيرة التى صعدت بنا إلى كأس العالم 1990،خرجنا فى كل شوارع القاهرة بالآلاف فى إحتفالات عارمة ،وكنت شخصيا وبالتحديد فى شارع جامعة الدول العربية محتفلا مع المحتفلين، وفى أثناء هوجة وهمجية تلك الإحتفالات التى إتسمت بالغوغائية ، لاحظت صبيا صغيرا مهموما يحمل صندوقا لمسح الأحذية، لا يبالى بما حوله ،ولا تشده أية مظاهر صاخبة ،إقتربت منه وحاولت أن أشركه فى الفرحة ،شارحا له أن مصر قد حققت مجدا و إنتصرت وفازت ، فإذا بالصبى الصغير يتلفظ لفظا قبيحا قاسيا ضد( مصر) بأكملها ، ويشيح بوجهه ويمضى تاركا المكان حاملا صندوقه البسيط وحزنه وهمومه العميقة المتجذرة ، صدمت ولم أعلق ، وتركته لحال سبيله عجزا منى عن مجاراته بسبب المفاجأة ،لكننى لم أستطع نسيان هذا الموقف أبدا ، وظل أمر ذلك الفتى المصرى يؤرقنى بشكل دائم ومستمر ،سواء فى حال الإحتفالات والأفراح العامة والخاصة ،أو حتى فى مراحل السخط والتبرم والإحتجاج ، حتى وصلت إلى مرحلة اليقين بأن تنمية وتعميق قيم الإنتماء للأوطان، تحتاج إلى ماهو أكثر من مباراة لكرة القدم ،وأن هناك الكثير الكثير مِن الذى ينبغى فعله لإحتواء الجميع، بل و كشف لى هذا الصبى ستار الحجب ، فأتاح لى رؤية التسطيح المتعمد الذى ينتهج بإستخدام لعبة كرة القدم ، ونبهنى إلى أن سياسات الإقتصاد الحر “اللصوصية ” التى ترتكز على رفع الدعم عن السلع الأساسية ،وتسمح بالغلاء الفاحش الذى يفتك بغالبية المصريين ويذل مستوريهم وطبقتهم المتوسطة ، هذه السياسات تسمح فى الوقت نفسه بإنفاق المليارات بسخاء رهيب لدعم المنظومات والأشخاص المكلفين بتزييف الوعى وتغييبه عن طريق كرة القدم وغيرها ؟