سورية واليوم العالمي للقدس

الدكتور خيام الزعبي– جامعة الفرات

نجحت سورية  وهي قلب محور المقاومة في أن تفرض نفسها في المنطقة، رغم كل المؤامرات التي تعرضت لها، ودفعت فاتورة كبيرة لأجل المواقف التي أعلنت عنها وتمسكت بها، من أجل الحفاظ على الثوابت القومية والعربية وعلى رأسها قضية فلسطين وتحرير فلسطين، والحق الفلسطيني.

كل القلوب تدق للقدس، وكل الطرق تؤدي الى فلسطين، و كلّ شيء في سورية، وما يزال، يبدأ من فلسطين وينتهي عندها، واليوم تحيي سورية، كما كل عام، ذكرى “يوم القدس العالمي” للتعبير عن تأييدها ووفائها لفلسطين والقدس، وإحياء هذا اليوم العالمي لا ينبع من كونه فعاليات إعلامية أو مواقف سياسية فحسب، بل نابع من منظورها والأبعاد المهمة لهذه الذكرى، لعلّ أهمها الموقف الواضح في العداء لـ”إسرائيل” كيان محتل فاشي عنصري ما زال يمارس أبشع صنوف القتل والإرهاب بحق الشعب الفلسطيني، ورفض وجود “إسرائيل” في المنطقة عبر التطبيع أو التعايش معها بأي شكل من الأشكال. 

وفي آخر جمعة من كل رمضان، يهرع الملايين من أبناء الشعب السوري وعواصم عربية وإسلامية عدة، ضمن مسيرات حاشدة في المحافظات والمدن كافة، تضامناً مع إخوتهم في فلسطين لمواجهة العدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر ضده ، وردّد المشاركون في المسيرات هتافات معبّرة عن التأييد لصمود الشعب الفلسطيني والتضامن مع نضاله العادل “بالروح بالدم نفديكِ يا فلسطين” ، كما نشروا لافتات على اللوحات الإعلانية الموجودة في اوتستراد المزة وساحة الأمويين تتضمن عبارات تؤكد عروبة فلسطين وأن القدس العاصمة الأبدية لها وأن المقاومة طريق التحرير.

تأتي ذكرى “يوم القدس العالمي” هذا العام بنكهة الشموخ والانتصار بعد الفشل في النيل من سورية ، التي جعلت من فلسطين قضيتها الأساسية ، حتى أضحى للمقاومة محور قوي يدافع عن فلسطين، فسورية صنعت قاعدة إسناد إقليمية مؤثرة عبر دعم المقاومة الفلسطينية، كما أنها تراقب معركة غزة بإهتمام شديد وتراقب أدق تفاصيلها وهي مستعدة للتقدم في حال لزم الأمر، وفي الوقت نفسه ترسل صواريخها الى غزة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

ما يجري في فلسطين اليوم، لا يمكن عزله عن الأحداث التي تعيشها سورية، فالحرب واحدة وممتدّة ومتصلة، ومن أجل قضية فلسطين إندلعت حرب سورية لإستنزاف الجيش السوري، لكن الأمور جرت عكس ما خططوا له، وما حصل أن سورية لا تزال تخوض حربها الشرسة من أجل بقائها والحفاظ على وجودها،  فهي تقاوم إرهاباً هو الأشد على مر العصور.

لعلّ من أبرز تجليات المشهد اليوم في ذكرى “يوم القدس العالمي” هو نجاح محور المقاومة في تشكيل جبهة واحدة متماسكة، وترسيخ مفهوم وحدة الساحات الشامل لمحور المقاومة، والذي تجسد عملياً من خلال الدفاع عن غزة ، فجميع المعطيات تشير الى أن الكيان الصهيوني وعملاؤه  بدأوا الآن، وبعد فوات الأوان، يدركون فداحة الخطأ الذي إرتكبوه بقرارهم الدخول في مواجهة مباشرة مع رجال المقاومة الفلسطينية، فرغم دعمهم اللامحدود من عملاءهم بالمال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية واللوجستية، لم يستطيعوا حتى هذه اللحظة، أن يحققوا ولو هدفاً واحداً من أهدافهم المعلنة وغير المعلنة، في هذا السياق اكتسبت المقاومة قوة دفع كبيرة في ميدان المعركة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

واليوم بات محور المقاومة أقرب للقدس على أكثر من صعيد وجبهة، فالحرب على فلسطين دخلت مرحلة جديدة ستكون غزة هي بوابة النصر وما هي إلا محطة جديدة من محطات النصر الفلسطيني المستمر والذي يبعث برسائل ساخنة لإسرائيل وكل من يقف وراءها بأن الإنتصار النهائي قاب قوسين أو ادنى يحققه رجال المقاومة، ولسان حالهم يقول: سننتصر رُغماً عن النصر ذاته.

في ذكرى “يوم القدس العالمي” تؤكد  سورية رسالة ثابتة مفادها إن القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة تبقى خطاً أحمر لسورية، لا يسمح بتجاوزه أو التنازل عنه، ففلسطين جزء من الذات السورية، فلا فلسطين قادرة أن تتحرر من دون سورية ولا سورية قادرة أن تدير ظهرها لفلسطين لأنها عندئذ تفقد معناها ودورها وذاتها مثل غيرها من الدول العربية التي تخلت عن قضيتها المركزية، ومن هنا ستبقى فلسطين في قلوب كل السوريين ولن تغيب عن أذهانهم وستبقى حافزاً لتحركاتهم وثوراتهم.

مجملاً… إن سورية ملزمة بالنضال من أجل فلسطين ولن تتخلى عنها حتى يحقق الشعب العربي الفلسطيني تقرير مصيره ويقيم دولته المستقلة على أرض وطنه، وهذه الثوابت لا يمكن المساومة عليها لارتباطها بالعقيدة القومية التي تؤمن بها سورية، ورغم التطورات والأزمات التي حدثت وارتبطت بالقضية الفلسطينية بأشكالها ومستوياتها المتعددة فإن إدراك سورية لم يطرأ عليه أي تعديل أو تغيير في هذه الثوابت.

بإختصار شديد، تجدّد سورية ودول محور المقاومة وحركات المقاومة، من خلال إحياء ذكرى يوم القدس العالمي، مواقفهم العملية الداعمة لفلسطين والقدس والمقاومة وتأييدهم ووفاءهم لها، ومن هنا ستبقى القدس في يومها العالمي محور الصراع ، وسيبقى محور المقاومة الدرع الحامية لها المدافعة عنها، ولن يحسم هذا الصّراع إلا بتحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة  كاملة من براثن الاحتلال الإسرائيلي.

وأخيراً نستطيع أن نؤكد من هنا، أن دمشق ما تزال على عهد القسّام وأحمد ياسين وإخوتهم الفلسطينيين، ثابتة حتى بلوغ الهدف، حتى التحرير.

فتحية من سورية الأبية المرابطة، إلى كل مقاوم وكل شهيد يسقط على أرض فلسطين من أجل تحريرها شبراً  شبراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى