زكاة الفطر ككل عام دون جدال

إعداد موسى عزوڨ ” زكاة الفطر ككل عام دون جدال “

قال تعالى : ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ” وقال :” إنما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ, وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ” . عند ختم الحديث عن شعائر الحج ، تمت الإشارة إلى وجوب الإخلاص لله ، والاستجابة لأمره ، وشكره على نعمه ، فقال تعالى: “لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دماؤها ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ “.أي:لن يصل إلى الله لحم هذه الأنعام ودماؤها لكونه الغني الحميد ، ولكن الذي يصل إليه سبحانه ويثيبكم عليه, وهو المقصود،هو تقواكم ومراقبتكم له سبحانه وخوفكم منه ، واستقامتكم على أمره والإخلاص ، والاحتساب، والنية الصالحة، ولهذا قال: ” وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ”. ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخرا ولا رياء، ولا سمعة، ولا مجرد عادة، وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشور الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا روح فيه. تفسير السعدى.

النقاش حول زكاة الفطر يتجدد كل سنة لكن هذه السنة أحسست أن تطورا ” إيجابيا ” حدث ! إذ لم تعد تلك الحدة من الاستهزاء والتقليل من الآخر مع ذكر أشياء تاريخية لم تكن تذكر , وهي تحديدا ما قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان ( الحاكم الفعلي وغير الفقيه ودون الرجوع الى الفقهاء في محاولة التشريع بأوامر عكس النص الصريح بالصاع و رأيه العدول إلى نصفه ! حيث يذكر ابو سعيد الخدري , انهم كانوا يخرجون زَكاةَ الفِطْرِ زمن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وسَلَّم ، مِن ثَلاثَةِ أصنافٍ : صاعًا مِن تَمْرٍ ، أقِطٍ ، او شَعِيرٍ ، حَتّى جاء مُعاوِيَةُ بن ابي سفيان, فَرَأى أنَّ مُدَّيْنِ مِن بُرٍّ! تَعدِلُ صاعًا مِن تَمْرٍ؟ . مما جعل ابا سعيد يعلق بانه:” بقي يخرجه كَذَلِكَ” ). ومن جهة أخرى بدأت بعض المسلمات الوهمية تتلاشى من قبيل ان للسلف قولوفهم واحد ؟ وباقرار اختلافهم في موضوع الحال، وهل الأفضل أن تدفع طعاما أم نقدا ؟ اقرار بان السلف الصالح لم يكن على قلب رجل واحد في الفهم والفقه .

ولان الغاية أصلا من زكاة الفطر او أي صدقة بل أي امر تعبدي , هو التقرب إلى الله بالطاعة مع إخلاص النية فاني أحاول طرح الفكرة مع محاولة تجميع ملخص الآراء والنصوص الثابتة , لنخلص إلى اقتراح جامع :

بداية هذه ملاحظات هامة :

1- قاعدة اولى : عموما ينظر في الدليل ثم الانتقال لمناقشة التأسيس حيث تحلل النصوص وتقارن بمادة معرفية حسب الحالة ثم يصار إلى الأصل وان وجد صائغ للخروج إلى الاستثناء ويذكر في مكانه .

2- قاعدة ثانية : أما وقد سبق للسادة العلماء النظر في الموضوع فمن أوجب الواجب التقيد اولا بما قالوا , او على الاقل الاطلاع على ما قالوا ، ذلك أنهم أحسن من طبق القاعدة الأولى أعلاه ، ولا تظنن ان مالكا أو الشافعي أو بن حنبل أو أبو حنيفة أو غيرهم يقولون بأهوائهم ؟ أو لم يطبقوا الشرع وهم أهل الاجتهاد أو أنك ” يا كبدي ” أفقه منهم ؟ ،ومن البديهي انه لم يغب عنهم فقه الأحاديث ومدلولاتها، وما فاتهم قول او ادلة المخالفين . فهون عليك .

  • في الأفكار المطروحة : لن أتطرق طبعا للاستغلال السياسي لهذه المسائل وللأتباع الذين يتشبثون بكل ما يخالف , وإنما سيتم التركيز حصرا على الأفكار الهادفة وغير الهدامة والتي تجمع ولا تفرق وتحقق الهدف الأصلي من حسن النية وإنما المومنون إخوة :

1- من بين أهم الأفكار التي مرت بي تلك اللوحة الجميلة في صورة توضيحية جميلة جدا ذكر فيها كعنوان رئيس : وفكرة عامة : ” إخراج زكاة الفطر نقدا ” . وقسمت إلى أفكار ثلاث حسب آراء العلماء :

فكرة ١: من قال أنها لا تجزي نقدا : مالك ، الشافعي ، بن حنبل

فكرة ٢: من قال أنـــــــــــها تجزي نقدا : أبو حنيفة عطاء سفيان الثوري عمر بن عبد العزيز البخاري

فكرة ٣: من قال أنـــها تجزي نقدا عند الحاجة أو مصلحة راجحة : بن تيمية وبعض الحنابلة ، الأشهب وبن القاسم من المالكية

وختمها في أسفل اللوحة بحكمة جليلة لبن القيم الجوزية :” الأحكام لم تشرع إلا لتحقيق مصالح العباد في المعاني و العادة وأي حكم خرج من المصلحة الى المفسدة ومن الحكمة الى العبث فليس من الشريعة في شيء…”

2- في لوحة جميلة أخرى : عن الموقع الرسمي للشيخ فركوس يورد حديث بن عمر وفرضية الصاع من تمر او شعير في صحيح البخاري مع جدول مرفق يحدد فيها أنواع ” غير مذكورة أصلا في الحديث المستدل به من دقيق وقمح وكسكس وحمص وباقي الحبوب ووزنها بالغرام ؟ عملا بمدأ القياس على الأطعمة الأخرى ، وهنا طبعا ياتي الرد السريع من المخالفين : ” نحن أيضا نأخذ من نص الحديث جواز إخراج القيمة ، سواء كانت نقدا أو ثيابا كما فعل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، وكان أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد طلب من الناس الثياب بدل العين، وذلك للمصلحة ودفع المشقة أهون عليكم، وخير للصحابة حسب تعبيره

  • في النصوص المتداولة :

1- قالَ ابن عمر : كانَ النّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الفِطْرِ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وسَلَّم – صاعًا مِن شَعِيرٍ ، أوْ تَمْرٍ ، أوْ سُلْتٍ ، أوْ زَبِيبٍ ، قالَ : قالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَلَمّا كانَ عُمَرُ – رضي الله عنه ، وكَثُرَتِ الحِنْطَةُ ، جَعَلَ عُمَرُ نِصفَ صاعٍ حِنْطَةً مَكانَ صاعٍ مِن تِلْكَ الأشْياءِ .” صحيح في سُنن أبي داود.

2- قال ابو سعيد الخدري : قالَ: كُنّا نُخْرِجُ زَكاةَ الفِطْرِ ورَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللَّه عَلَيْه وسَلَّم – فِينَا ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ ، حُرٍّ ومَمْلُوكٍ ، مِن ثَلاثَةِ أصنافٍ : صاعًا مِن تَمْرٍ ، صاعًا مِن أقِطٍ ، صاعًا مِن شَعِيرٍ ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذَلِكَ ، حَتّى كانَ مُعاوِيَةُ.” فَرَأى أنَّ مُدَّيْنِ مِن بُرٍّ! تَعدِلُ صاعًا مِن تَمْرٍ.” قالَ أبُو سَعِيدٍ : فَأمّا أنا ؛ فَلا أزالُ أُخْرِجُهُ كَذَلِكَ .” رواه مسلم.

3- ما رواه البخاري من أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال لأهل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم: “ائتوني بعرض ثياب خميس، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير، والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة”.

في الخاتمة :

بعد الاطلاع على الموضوع وقراءة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أعلاه ( وهنا استعد لأعطيك ملاحظة ربما لم تنتبه لها فصلي على محمد وآل محمد ) : هل يمكن أن نسمي ما ورد أعلاه حديث للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فعبد الله بن عمر قال ( هو من قال ) أن :” الناس كانوا ” ، وابو سعيد الخدري أيضا قال ” كنا ” .. أو لا تظن أن قربة وطاعة مثل زكاة الفطر تحتاج إلى نص واضح بالأمر والتشريع ؟ في الحقيقة من الأحاديث التي لم تعد متداولة هي :عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ”. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

والخلاصة

1- : أن الأصل في زكاة الفطر أن تخرج وفق الكيفية المذكورة بمقدار الصاع الذي هو أربعة أمداد مما يكون غالب قوت أهل البلد ، فقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، وذلك في عدة أحاديث منها ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر وبن عباس رضي الله عنهم قال: ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير”، وكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: “كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب”.

2- الاستثناء والاجتهاد: وتيسيرا على الدافع ، ومراعاة لمصلحة المتلقي ، أجاز الفقهاء إخراجها بالقيمة نقدا.

وهناك ملاحظة اخيرة يجب أن توضح : ” باتفاق المذاهب الأربعة على جواز إخراجها نقدا” ؟ ، وعدم اعتبار إلا الطعام من قوت أهل البلد كما هو معتمد الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة . وفيه معنى ضمني للأصل والاستثناء

تقبل الله منا ومنكم .

والى لقاء محبكم عزوڨ موسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى